صحيفة المثقف

كلنا تحت السماء ولسنا فوقها

sami farisالعراق بلد متعدد القوميات والمذاهب والديانات وعرف عن شعبه بحكمته وطيبته وصبره على البلاء و النوائب التي لم تفارقه لفترة طويلة من تاريخه المعاصر وإن كانت اسبابها متعددة لكنها تؤدي الى نتيجة واحدة وهي كارثة إنسانية ضحيتها شعب ينزف دماً وأن أختلفت أسباب ومسببات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها على مدى عقود من الزمن .

بأحدى قصص التراث، يحكى ان رجلاً وجدٓ كنزاً في الصحراء، فلما كشف عنه ونظر إليه رأى شيئا عظيما، فقال في نفسه : إن أنا قمتُ بنقله وحدي لم أنقله إلا في أيام، وجعلت لنفسي عملاً طويلاً ؛ ولكن أستأجر رجالاً يحملونه، ففعل ذلك وجاء بالرجال فحمل كل واحد منهم مايستطيع ان يحمله. وانطلقوا، فيما زعم الى منزله، فلم يزل دائباً في ذلك حتى فرغ واستنفذ الكنز كله، ثم انطلق إلى منزله بعد الفراغ فلم يجد شيئاً، ووجد كل رجل منهم قد حاز ما حمل لنفسه؛ ولم يكن له إلا العناء في استخراجه والتعب عليه، فندب حظه العاثر على عدم حرصه فيما قسمه الله له.

هذا حال الشعب العراقي لم يكسب من ثرواته المادية وخيراته الوفيرة، الا الموت والدمار والتهجير، مع تعدد القوى العربية الإقليمية والدولية التي تدعي الدعم والمساعدة والمساندة له وفي حقيقة الأمر كل ينهب ماتقع عينه عليه ويحوز لنفسه .

الإنسان العراقي يفتخر دوماً بأنه من بلد الحضارات والمقدسات وبلاد مابين النهرين دجلة والفرات وبلد البترول والمليارات ولكن الأغلبية اما مشردة خارج العراق منذ زمن النظام البائد والى اليوم، او في الداخل تعاني من فقدان الأمن ونقص في ابسط الخدمات .

من الأسباب التي جرت الويلات على العراق هي ثرواته المادية وموقعه الجغرافي، اذ يقع العراق ضمن المنطقة التي تم التطبيق العملي فيها "لنظرية الفوضى الخلاقة " والتي تم التنظير لها على مدى عقود من الزمن من خلال مراكز البحوث التابعة لأجهزة المخابرات في دراساتها الأستراتيجية للجانب التاريخي والأجتماعي والموروث الديني والعقائدي مع دراسة دقيقة لتركيبة المجتمعات وطبيعة الحكومات وماتمتلكه شعوب المنطقة من ثروات وطاقات بشرية، وعند تطبيق هذه النظرية، كان من نتائجها الإسلام المتطرف الذي هو الإبن الشرعي "للربيع العربي" الوهم الكاذب الذي سرق أمال الشعوب العربية في التغيير، وبعدما انهارت وسقطت الدكتاتوريات الهرمة، تم تسليم زمام البلدان وثرواتها النفطية ومقدراتها بيد الجماعات الإسلامية المتطرفة والمتصارعة على السلطة والحاقدة على الإسلام الحقيقي والمعتدل، وبعد تسلطهم على الثروات النفطية بالقرصنة وبدعم مالي غير محدود بميزانيات مفتوحة من قبل دول نفطية داعمة للإرهاب للقيام بعمليات أرهابية ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء والأطفال والنساء، بجرائم مخزية يخجل تاريخ الإنسانية من تدوينها، من حرق وتدمير وسبي نساء وتهجير وتشريد وقتل أطفال وتمثيل بجثث الموتى والأحياء وتفجيرات وحشية دموية .

اما الأسباب الداخلية التي ساهمت بصنع الكارثة فهي عديدة، نتيجة المحاصصة والفساد الإداري والمالي والمحسوبية، وسياسي الغفلة والمافيات السياسية الحاقدة التي باعت المحافظات، ولازالت ترفع شعارات الاقصاء والتهميش ورفض لكل ما هو مختلف معها وحقدها المتواصل وصراعاتها اليومية من خلال الفضائيات المسمومة ومن يختلف معهم فهو تحت التهديد والنيران ومن لا يصلون له اليوم يتوعدونه غدا، "كل شعوب العالم تتسامح ونحن نتذابح " . مما جعل الإنسان العراقي لايأمن على حياته او قوته اليومي فهو يعيش عصر اللامعقول والفوضى في كل جوانب الحياة مع ادعاء وطني من قبل اغلب الأحزاب السياسية التي هي بعيدة عن المواطنة الحقيقة والدلائل على ذلك كثيرة منها أقرار الموازنة المالية الحالية بنِسَب غير عادلة فيها أجحاف كبير لحقوق الأغلبية والذي أقره برلمان المحاصصة والخلافات السياسية الذي حفظ حقوق المسؤول وضيع حقوق المواطن وأغدق الأموال والحقوق على الأقلية المتمردة والمساومة على الإنفصال دوماً .

ان المرجعية الدينية العليا القيادية الرشيدة " لسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني " آدام ظله " هي أمل الأنسان العراقي في الدفاع والبناء في هذه المرحلة العصيبة، أذ بفضل حكمته تم إنقاذ العراق من منزلق تاريخي خطير وأحتلال همجي بربري، والشعب العراقي لديه الثقة المطلقة بالمرجعية العليا ونواياها الصادقة في الدفاع عن كل شبر من ارض العراق والنظر الى العراقيين بمساواة في الحقوق والواجبات والجميع شركاء في الوطن، وهذا تجسد من خلال الإستجابة المليونية للفتوى الكفائية، رجال الحشد الشعبي هم الجندي المجهول الذين يسطرون اروع الملاحم القتالية والبطولية بإمكانيات ذاتية متواضعة لكن بإيمان راسخ بالعقيدة والدين مضحين بكل مايملكون لينالوا فخر الشهادة بعز وكرامة تحت لواء المرجعية في الدفاع عن الوطن والمقدسات .

وكذلك حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي التي نالت تأييد المرجعية وتأييد أغلب الأطراف السياسية العراقية والدولية والأقليمية هل تستطيع ان تنال تأييد ورضا المواطن الذي هو جوهر عملها والتي جاءت من أجله هل تستطيع ان تخلصه مما هو فيه ؟، وتوفر له حقوقا يتمتع بها توازي حقوق المواطن في دول الجوار التي تحلم ان تمتلك ولو جزء يسير مما يمتلكه العراق من طاقات بشرية وثروات مادية، أم ستوفر له التقشف وتسحقه بنظام ضريبي صارم قبل ان توفر له العمل ولقمة العيش ام ستتنازل عن حقوق الأغلبية لكي تنال رضا الشركاء أم سترفع الحواجز الكونكريتية فقط وحظر التجوال الليلي بدون ان توفر له الحماية البشرية والتكنلوجية .

ولكن الأنسان العراقي بطبعه شجاع صبور غيور متمسك بالأرض ووحدة الوطن ورغم كل التحديات والمصاعب والمحن لازال ينظر بأمل كبير الى ما ستقدمه حكومة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الذي هو ابن المعاناة الحقيقة والذي تربى على مبادئ وقيم أية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قد) .

ولكن كلنا تحت السماء ولسنا فوقها وقلوبنا على الوطن المتنازع عليه والمواطن المهجر المعتدى عليه .

والسؤال المحير ماذا ينتظر العراق والمنطقة بعد "نظرية الفوضى الخلاقة " وماذا بعد داعش هل من لعبة دموية أخرى او نظرية سياسية تنتظر الأجيال لعقود قادمة .

 

الكاتب والباحث : سامي فارس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم