صحيفة المثقف

تساؤلات محرجة..في الدين (1)

فانها (منطقتنا) أكثر مناطق العالم اثارة للحروب، وأقساها ممارسة للظلم، وأكثرها ابتعادا عن تطبيق العدالة الاجتماعية التي تدعو لها هذه الأديان.

 فلماذا؟

هل أن كل أرض يهبط عليها دين تكون بعد ألف سنة أكثر بقاع العالم صراعا واحترابا وتنغيصا للحياة وفقرا وأمراضا وأميّة؟.

 هل السبب في الدين؟.. أعني لو لم ينزل على الناس دين من السماء لكانوا عاشوا في سلام، أو لصاروا بوضع أفضل مما هم عليه الآن؟.

 

 لو كان السبب في الدين لما آمنت به الملايين، بل لظهر حزب او جيش او منظمة او ميليشيا تدعو الى الالحاد ومحاربة كل دين.. ولقاموا بثورة ليتخلصوا منه كما يفعلون مع الأنظمة الدكتاتورية والسلطات التي تحتكر الثروات لنفسها.

 

 ستقول: ان السبب ليس في الدين انما في السلطة التي توظف الدين لخدمة مصالحها وضمان بقائها..وهذا صحيح. فتاريخ المنطقة يحدثنا أن كل السلطات التي حكمتنا على مدى أكثر من ألف واربعمائة عام، كانت ظالمة ودكتاتورية، وأنها كانت تحكم باسم الدين. ولكن معظم الثورات التي قامت ضد هذه السلطات ثارت ايضا باسم الدين، فاذا كان الدين واحدا فكيف يكون له تفسيران  متناقضان؟ وكيف يكون له ممثلان (جبهتان) متعارضان أحدهما : خير وعدل وسلم، والآخر : شرّ وظلم وسفك دماء؟.

ولنفترض أننا عزلنا السلطة عن الدين، فهل في هذا ضمانة أكيدة لأن تكون السلطة عادلة؟.

 

 وهل يمتلك الناس، جماهيرنا، شعوبنا، ثقافة دينية..أفهمتهم الأديان من خلالها أن الدين علاقة خاصة بين الأنسان وربّه؟  وأن جميع الأديان صح. وجميع المذاهب صح؟ وأن كل الطرق تؤدي بالصالحين من هذه الأديان والمذاهب والفرق..الى الجنّة؟ وأنه ليس للجنّة طريق واحد خاص بدين معين أو مذهب معين يقول : الجنّة لنا والنار للآخرين؟.

 

 وهل النار يدخلها الملحدون فقط، أم يدخلها ايضا مؤمنون فسقوا وظلموا وأكلوا المال الحرام، وأحلّوا ما حرّمه الله عليهم؟. وبالمنطق نفسه، ألا يمكن أن يدخل الجنّة ملحدون ما ظلموا أحدا ولا فسقوا ولا ارتكبوا ما حرّمه الله؟. واذا جاء الدور على ماركس يوم القيامة، ألا يمكن أن يقول له الله : انك أحق بالجنّة من " علماء " دين أثاروا الفتنة وسفكوا دماء أبرياء وتولوا السلطة فنهبوا المال العام..وأنك دعوت الى تطبيق أهم مبدأ في أدياني : العدالة الاجتماعية..وأن باب الجنّة مفتوح لك، ولكن فقط أن تعترف بي الآن؟ أليس العمل الصالح مقدّس عند الله أكثر من الصلاة بأنواعها في الأديان الثلاثة ؟ أم أن الذي يقول مثل هذا الكلام يحق لرجل الدين اصدار أمر بانهائه، ويحق لرجل السلطة اعدامه..وربما حرقه؟.

 

 ولماذا يفتي علماء دين بشرعية قتل آلاف الأشخاص على فكرة رأوا أنها تخدم الناس وليس على جرم اقترفوه، فيما يدين ذلك بشدّة دين آخر مع أن " مصدر " الدينين واحد؟.

 

   ولماذا اذا ظهر دين جديد نسف الدين الذي قبله، أو ألزم أتباع الدين القديم أن يؤمنوا بالدين الجديد؟ أو أن يكون له منهم موقف معاد؟ أو ينكر عليهم بعض ما يؤمنون به، مع أن مصدر الدينين واحد؟.

 

 وهل هذه الحقيقة المعاشة فعلا،  تجعل البعض يفترض أن " الدكتاتورية " و " الطغيان " جاءتا اصلا من الأديان؟ وأن " مصدر " الأديان هو في حقيقته " دكتاتور " و " طاغية "؟ أم أن الذين بشّروا بأديانهم أسقطوا عليه ما بانفسهم ليبرروا افعالهم عند استلامهم السلطة، بما فيها قتل الخصوم؟. أم أن اضفاء صفة " الدكتاتور " على " مصدر " الدين هي حاجة نفسية في الطبيعة البشرية الى سلطة تكبح جماحها، التقطتها نباهة من بشّر بدينه بهدف خلق معادل نفسي ( سادية الدكتاتور مقابل مازوشية الانسان ) عزف على وتر اللاشعور الجمعي للناس، فاستجابوا في حالة من انبهار تفضي الى الطاعة؟. 

 

واذا كان " مصدر " الاديان واحد، كانت اخلاقها اذن واحدة، فلماذا الصراع بين الاديان والدعوة الى الحوار بين اتباعه؟. هل ان هذا " المصدر "  لا يستقر على فكر ثابت، وانه ينزّل على البشر الايديولوجية التي تناسب المرحلة التاريخية التي يعيشها؟. ام ان الاديان كانت فكرة التقطها انبياؤها فاخترعوا (قوة خارقة) اسكنوها في السماء البعيد وقوّلوها تعاليم انسانية نبيلة لا يأتي بها الا من ينفردون بعبقرية استثنائية واخلاص استثنائي لــ ( اله) خلقوه فصدقوا به؟.

 

فان كان الأمر كذلك، فهل المليارات من البشر هم من السذاجه بحيث يصدّقون بما " اخترعه " الانبياء؟ ام ان الناس بحاجة روحيه لأن يكون عندهم " ربّ " يعبدونه، ليشبعوا حاجة مازوشية الطبيعة البشرية للسادية، او حاجتها لسلطة اب او سلطة حاكم؟ وان هذه الحاجات قادتهم الى اتّباع من برعوا بقدرة الاقناع على اشباعها.. حتى لو كان هذا الاشباع وعدا" مؤجلا"؟.

 

  لقد كانت مشاكل الناس والحياة قليلة قبل الف سنة، ومع ذلك فان " مصدر " الاديان كان يبعث نبيا" ليهدي العباد الى الطريق المستقيم، فلماذا توقف عن بعث انبياء.. ولو واحدا" في كل قارّة، ليظهروا الحق ويزهقوا الباطل بعد ان غلب الشر طبيعة بشرية كان قد خلقها خيّره؟.

 

  ان تاريخ الحريه هو تاريخ نشوء الاديان، وانه بفضل الاديان تحرر ملايين البشر من العبودية، ولكنها خلقت عبوديات اخرى.. بما فيها عبودية السلطة التي يأمر رجال الدين فيها اطاعتها حتى لو كانت ظالمة، وأنه بسببها قتل الملايين وكانت معظم أسباب هذا القتل سخيفة، فلماذا لا يظهر  دين جديد يقيم العدل والسلم ويصحح ما حرّفه القائمون على الاديان الموجودة؟.  هل يئس "مصدر" الدين فنفض يديه من عباده بعد أن تمادوا في التمرّد عليه، مع أنه قادر على أن يفنيهم بلحظة كما فعل بقوم عاد وثمود، بحسب ما تؤكد الأديان الثلاثة؟.

 

انا في هذه الحلقة اثير تساؤلات ولا اقرر موقفا" شخصيا"، وليت الأمر يصار الى حوار غني في المحتوى مهذّب في الأسلوب، بين  مؤمنين وغير مؤمنين يتبناه موقع او فضائية او جريدة . واعلم ان مثل هذه التساؤلات لو وجهت الى أكبر ثلاثة رجال دين من الاديان الثلاثة في منطقتنا لكانت لهم ثلاثة مواقف مختلفة، فقد يحاورك احدهم وربما يقنعك، وقد يخاصمك الثاني  ويتركك لحالك بعد ان يعجز عن اقناعك، وقد يجيز الثالث لنفسه العقوبة قبل الذنب  فيهدر دمك قبل ان يسمعك.. حتى لو كانت لك النية ان تؤمن ب " مصدر " الاديان .. ولكن بمنطق العقل  وقوة الحجة لا بأنتماء وجدت نفسك عليه.. ايا كان نوعه.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1068  الخميس 04/06/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم