صحيفة المثقف

فُوضى من عرقٍ ودخان

wejdan alkashabفي صحراء الملح حفر خندقاً وسمَّر الجسد، لتندمل الجراح ثمَّ تتقيَّح، لأنَّه رسمها أو تصوَّرها هكذا تندمل ثمَّ تتعرَّق / ليغرق في ظلِّ بكاء محمول على فُوضى العربات التي هجرتها خيول مشدودة إلى الأُفق / تشتعل ركامات ذاكرته وترمي دخانها لتخفي الدمعة والقتيل...

لا تذكر القتيل إن نطق لسانك باسمه سيمدُّ الصُبّار جذوره باكية لتحفر الرمل علَّها تترطب بملح الضريح... عندها سينهض... وينهض الرحيل / صاخباً / وتنهض الهجرات التي كلن يراها دائماً نوافذ منسوجة لدروب الصرخة المكتومة... ويطلُّ....

تسَّاقط الجراح على صحراء الملح... وينحني علَّها تعكس صورته الأخيرة... أو رُبَّما عاداته الأخيرة، عادات جراح مكسورة تترك شعاراً معلناً على عرش الجسد الذي يسحب الفرس الراكض / وحين تلفَّت الفرس، لم يرَ أحداً...

كان دوماً يتراكم ويتراص (هذا الجسد) بانتظار عزلة مبعثرة لم تلملم فجرها بعد.... أو ربَّما خلف ركام المرايا التي تعكس / وأحياناً تخبَّئُ فيوضات الليل خلف عينين لامعتين تبكيان الصخب والضجر معاً...

هل للمرايا ضفاف تمزَّق الأجساد وتروّي شقوقها بملح الليل؟ والكافور الهائم والعاج الباكي والشاهق أبداً شهقة بلا خفوت تتكدّس فوق حرير الشمس والنهار / وما يزال هو طقس يحارب أيام تتزيا بالرتابة... وقطارات أصدقاء أو خصوم وافدة أبداً / أو ربَّما ما يزال يحارب وقته المثقل ويفرشه بساطاً مظفوراً تتخطفه الكلمات.. ويطلُّ...يستباح الملح المحمول فوق دمائه أو ربَّما يُترك ليغفو فوق خوذته أو قلادته – لا فرق – الثقيلة والصقيلة، ودائماً تدور الفراشة – رائحة الحرية – بمحاذاة حافة الخوذة أو حافة الفراغ... تشدُّ الرغبة لطيران ينام تحت خفقة الجناح... تدمى الفراشة.. وتمدُّ لوامسها فتضيّق الخوذة مسافات الزمن لتصرخ بها:

لا مغادرة...

وتصدأ الرغبة والجناح / قدح القهوة ينادم بقاياها على الجدار، وأعقاب سكائره مليئة بفُوضى الدخان / هل يتغيّر الدخان؟

هل يصمت ولا يعلن عن وجوده؟

يبدو أنَّه ينسحب عبر الشارع أو الصحراء ليغلِّف الفسحة أو الأُفق / أو ربَّما المطر الذي يغسل رؤوسنا وبقايا رمادنا مثقوب القلب... ويطلُّ...

تسيل الصحراء تحت شمسها لتفترش فردوساً من رحيل وريح... ترتدي القحط وتساير الضوء أو ربَّما الحرائق لكي تبني الكلمة / كلمة هي ريشة عصفور تقضم الجبل – ركام القيود – وتبرد أسنانها كل مساء وتستدير للضوء / وتصمد لقامته هو العصفور الزاحف على كتفين من قضم وبكاء / خطاه يتقاسمها الرمل والأثر / وتصمد / ويضيق الأُفق / والصيّاد يحصي غنائم مهزومة على مدِّ الطريق / تفترش الغنائم أجنحة الليل لقدح القوس والرصاصة، وتنتظر فماً يتحرَّق لنكهة الشواء / الجمر يبكي ويغيم ليرشَّ ذروره على الطريق، علَّ جواده يغفل ويترك الأثر حين يطلُّ....

مَن أشقى المراكب والماء باشتعال آسر يزرع مرارته القائمة؟

مَن أحرق الليل والرمل والصدى، وارتمى ليدلي بشهادة مستترة لجرح لم يعصف بعد؟

أتُغسل الجراحات التي تقتات على أحلامنا وخضرة ثوانينا مثل دودٍ يزرَّق ليغتال بياض قطنٍ ويرمي أحلامه لظلام فالتٍ من نهاراته؟

أتُغسل الجراحات والثمرة في ظلِّ صديق وقدح لم يُمزج بعد؟ وأثر الجواد مُغيَّب في جوف جحيم يتحرَّق للأثر / أو ربَّما للأصابع التي ترمم بقايا حسرات أليفة تنتشر وتهيم في صدى أجراس تربط الجواد بمدار شراكها... وتتوسد ذاكرته وحوافره التي تكابد توقها للانطلاق نحو طعنة تمنح دماءه نكهتها... ليطلَّ معروقاً هو وحصانه بدماء ناضجة تماماً / وهي الأُخرى تترجل لتظفر آثاره الشاردة أو لتحاول حلَّ وثاقها لتجوب غضباً وغباراً آخرينِ / هذه هي لثغة الجراح أو ربَّما هو جنون شفائها...

 

د. وجدان الخشاب

العراق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم