صحيفة المثقف

مدينة نابل تحضن قصيدة النثر في ملتقاها الثالث

علاقة الشعر بنابل قديمة فهو محرك جمالي و ثقافي من ميكانيزمات الفعل الثقافي هناك..الفتية عشقوا الشعر و قصيدة النثر تحديدا باعتبار ما تمنحه من دفع و قوة لشعر عربي عرف محطات و تمفصلات هامة في سياقاته التاريخية ..

إنها المتاهة المحفوفة بالجمال... بالمعرفة وبالفداحة الكامنة خلف المغامرة، مغامرة الكتابة بما هي حرفة... وحرقة... والشعر هنا فصاحة القلب وفق سياق مفتوح على الكينونة لتظل الطفولة عنوانا باذخا من عناوين الشاعر الذي يرى بعين القلب ما لا يراه بعين الوجه.

القصيدة اذن وبهذه الافكار الآسرة تلمس للاشياء وتقصد للألفة تجاه العناصر والتفاصيل وأبعد من ذلك هي لعبة الكشف باللغة وفي اللغة في جوهرها وعنوانها، لاجل الصفاء النادر هذا الذي تنجم عنه حالات الذوبان والتداخل بين الذات الشاعرة والآخر..الآخر ونعني به مثلا تيجان المعاني والحروف ودهشة الامكنة والازمنة، ومتعة هذا الادراك لحظة الكتابة...الكتابة وعي استثنائي، والشعر هو أقصى درجات هذه الكتابة وهذا الوعي. وتأخذنا مفردة أقصى الى ما يعني القلق... إنه القلق القديم، قلق المتنبي وقلق شاعر الآن والهنا...انه القلق الجميل المؤسس بما به تستقي العناصر والتفاصيل في تناسقها وفي فوضاها وفي ما يجترح منها من اللغات والمعاني. .هكذا يأخذنا الشعر الى دروب شتى ومنعطفات فادحة لا نلوي معها على غير القول بالمتعة في عنفوان تجلياتها الجمالية والتعبيرية بما يعزز من روح التكثيف تجاه الشجن الانساني الأخاذ الذي معه وضمنه تفتح الكينونة تفاعلاتها مع الذات والآخر في ضروب من اسئلة الوجد والفلسفة والذوبان والحلول والحس. ..من هنا، وبهذه العطور التي يمنحها الشعر كجوهر من جواهر هذا الوجود يمكننا الولوج الى عوالم القصيدة.. قصيدة النثر تحديدا .. هذه المعبرة بوعي عميق عن حيوية وعنفوان اللحظة المتجددة في القصيدة العربية وضد كل ادعاءات الركود والجمود في نسيجها السلالي...                     

أذكر الآن ما دار بيني وبين الراحل الشاعر الكبير محمود درويش من حديث ضمن حوار مرجعي ومطول حول الشعر والتجربة. كان ذلك في صيف 2005. ويهم رأيه بخصوص قصيدة النثر:

" ... كنت اتصور أو اتمنى ان ينتهي هذا البحث بخصوص قصيدة النثر وشرعيتها وصراعها مع ما ليس بقصيدة نثر... قصيدة النثر هي أحد انجازات الشعر العربي في العقود الاخيرة وهي قد اصبحت الجزء العضوي من حركة الشعر العربي وفيها مبدعون كبار وعدة شعراء استمتع بالكثير منهم وارى انهم يقدمون شعرية جديدة بقصيدة النثر.

هناك التباس، كأن بيني وبينها مشكلة وخلافا... قصيدة النثر شرعيتها في مدى ما قدمت من شعرية جدية وذائقة مختلفة وبالتالي ليس من حقها ان تنفي غيرها ربما كانت حاجتها للدفاع عن نفسها وعن شرعيتها قد منحت شعراءها هذا النفس ... عليهم ان يرتاحوا ويعملوا اكثر على تطوير تجربتهم الشعرية وعلى تقديم مبرر جمالي اكبر لاختيار هذا الشعر وان يعترفوا باننا معاصرون لهم ومن حقنا ان نكتب بطريقة مختلفة. ... انا لا مشكلة لي معها بل مشكلتي الوحيدة انني لا أكتبها، اعرف شعريتها العالية.. النثر عمل راق وجنس ادبي ... ما احبه في الشعر هو ذاك الصراع مع الصعوبة ومها رة التغلب على صعوبة النظم جزء من العملية ... اذن البحث عن السهولة ليس بالعمل الشعري، ولا بالفن فإذا ازلنا عقبة اسمها قافية وبقيت العقبات ماذا تقول؟ هل قلنا كلاما لا يقال الا بهذه الطريقة؟ ... "

الآن ...يتواصل الحديث عن هذا الشأن الشعري الذي تكون مدينة نابل مجالا جماليا وحيويا ووجدانيا لتواصله.. المناسبة هي ملتقى قصيدة النثر في دورته الثالثة الذي كان حلما (لسنوات) من أحلام الشاعر الجميل جميل (أيضا) عمامي وحدثني بخصوصه مرات منها جلسات مقهى (لوسان) القديس قرب دار الصحافة.. حيث اختلط الشعر برائحة البن وبالحديث عن النقد والكتابة والأدب عموما ليتواصل بعض ذلك بفضاء دار الثقافة بنابل... وهكذا.

كانت هناك تجارب سابقة لملتقيات قصيدة النثر واكبتها وشاركت في فعالياتها منها تلك الملتئمة بأكودة .. وقفصة .. والقاهرة مع مشاركة مميزة وحميمة لكل من وديع سعادة وصبحي موسى وعادل جلال وفريد أبو سعدة وخضير ميري وفوزية أبوخالد وبديعة كشغري وصلاح حسن و...المهم هو الذهاب أكثر في مقاربات الاضافة نحو التأسيس .. ونابل جديرة بهذا .. ونابل هي تونس بالنهاية.. أليس الأمر كذالك يا جميل..؟

كوكبة من الشعراء والنقاد .. أسئلة ورهانات.. وهواجس.. كل ذلك في هذا الربيع التونسي وعلى ايقاع عطور الزهر .. وماء الورد والبرنامج مدعوم من المندوبية الجهوية للثقافة بنابل ويخص الملتقى الوطني الأول لقصيدة النثر أيام 16 و 17 و 18 من أفريل الجاريفي الفضاءات الفسيحة بدار الثقافة بنابل..

الفقرات متعددة فيها المداخلات العلمية والقراءات الشعرية ومعارض دواوين الشعر واصدارات أدباء الوطن القبلي الى جانب الحوارات المفتوحة والنقاش.

اليوم الأول فيه تدشين معرض الفنون التشكيلية للفنانة درصاف جماعة اثر ذلك توقيعات لعدد من الاصدارات الجديدة لكل من صابر العبسي و سليم الحاج قاسم و محمد العربي ضمن احتفاء شعري ..في المساء يتم تقديم عرض فرجوي " نحياها لنكتب " للمسرحي عبد الكريم ضيف الله حيث الفسحة الكبرى للشعر و الفن التشكيلي و المسرح ..

في اليوم الثاني للفعالية يكون المجال للنقد من خلال مداخلة بعنوان " الشعرية العربية الجديدة و آفاق النقد " للأستاذ سامي المسلماني و عند الساعة الثالثة بعد الزوال تتم قراءة الشعر من قبل الشعراء المنصف الخلادي و سامية ساسي و صلاح بن عياد و الضيف السعودي أحمد الملا و بعد ذلك موعد مع مسرحية " هاملت ماشين " اشركة مارس للانتاج ..

في اليوم الثالث للملتقى السبت 18 أفريل مداخلة نقدية بعنوان " قصيدة النثر التونسية المعاصرة ..آفاق الكونية من خلال نماذج نصية " للناقد عبد القادر عليمي و في الفترة المسائية يكون الموعد الشعري مع قراءات للشعراء وئام غداس و زياد عبد القادر و رضا العبيدي و عزوز الجملي يلي ذلك حفل الاختتام ..

هكذا هي فقرات الملتقى الذي يحرص منظموه على المساهمة في هذا السؤال الشعري التونسي و العربي في آن...الآن و ...هنا.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم