صحيفة المثقف

"أحلام تمد أصابعها" للكاتب المغربي عبد الله المتقي والقاصة التونسية فاطمة بن محمود

najia  janna"أحلام تمد أصابعها" عنوان لنصوص مفتوحة تحمل دلالات انزياحية قد تحيلنا إلى عالم افتراضي، أساسه التناص مع شخوص مألوفة في الثراث العربي القديم، أثثت بانسجام واضح من طرف قاصة/شاعرة وقاص /شاعر، لهما اهتمامات مشتركة بالفن الفوتوغرافي، مما أثر إيجابا على عملية السرد، حيث جاءت النصوص كلوحات تشكيلية تحمل إحساسات متداخلة وصورا شعرية، لا يمكن للقارئ أن يميز بين كاتبيها، متاهات سهلة ممتنعة، مغرقة في الاختزال والتكثيف، والسخرية، صورة الغلاف لوحة تشكيلية للفنان سليمان الإدريسي، تعطي الانطباع بالتأمل والتساؤل و التناص أيضا

(كرسي / إنسان) أصابع ممدودة إما استفهاما أو اتهاما

ثنائية الحكي وتداخل الجنسين الشعري والنثري جعلا النصوص تتضمن مفارقات مختزلة (التقابل الضدي) بحيث تصادفنا ازدواجيات داخلية وخارجية متعددة نتيجة السجال بين الكاتبين : الأنثى والذكر-الواقعية والرومانسية- الحقيقة و الحلم- البوح والمواربة- الرغبة والنفور، الحاضر والماضي، العشق والحرب- السخرية والتراجيديا- الشك واليقين- ثم القراءة العميقة والقراءة السطحية.

ولكن ما شدني من أول قراءة للنصوص هو انسجامها التام، والتئام أفكارها، وكأني أقرأ رواية ببدايتها وقفلتها، بفضائها وظروفها الزمنية والمكانية، بتداعياتها الواقعية في الزمن الحاضر بمشاكله الاجتماعية والسياسية، كثلة واحدة اعتمدت التناص مع حكايا ألف ليلة وليلة ومع بعض الشخوص من الثراث الشعبي القديم، وما ترمز له لتتجاوز ما هو ماضي أسطوري إلى التفاعل مع ما هو حاضر وطني / قومي/ إنساني،

"يستعيد (أو يستعير" كثير من الكتاب شخصيات تراثية يعبرون بها عن تصوراتهم الخاصة للحاضر، .. وأعتقد أن هذه الشخصيات تصبح في القصة: أكثر حياة وحركة من جهة، وأكثر مفارقة لحقيقتها التاريخية من جهة أخرى، وأكثر إثارة للدهشة بالتالي من جهة ثالثة." 1 ولكن إيقاعها السريع وتداخل جنسيها، وجملها الفعلية المكثفة جعل السرد يميل نحو تركيبة القصة القصيرة جدا .

في ص 13 نص 1

كان يحسب أنه التقى بها صدفة

وكانت تحسن قبضتها على الزمان

وتتحكم في عقارب التاريخ .

 

في ص14 نص 2

في اليوم الأول، دخل غرفتها غاضبا وحذرا من الخيانة...

في الأسبوع الأول كان حذرا فقط...

في الأسبوع الثالث بدا عاديا جدا

وفي الأسبوع الرابع دخل بحماسة وفرحة لسماع حكاية جديدة .

 

يبتدئ السجال بين هي/هو، علاقة الصراع الأزلي بين المرأة والرجل، النص الأول يعبر عن ذهاء الأنثى/ شهرزاد في تعاملها مع الرجل، والنص الثاني يبين كيف سيخضع شهريار شهرزاد لرغباته.

لكن شهرزاد المخاتلة في البداية ستتقوى شوكتها حين إشراف السرد على نهايته، وشهريار القوي، الضمآن للقتل ستنكسر شوكته ويصبح متيما بحبها.

نص 101 " بأم عيني رأيت

ولم يكن حلا

شهريار يأخذ القلم من يدي

ويكتب في آخر الصفحة أنه لم يحب غيرها "

 

ثنائية الزمن جعلت الكتاب ذا تسلسل كرونولوجي، بحيث انطلق من زمن الخرافة والخيال حتى وصل بنا إلى زمن التكنولوجيا ص: 115نص 103

" على جسم الفايس

انبعثت الليالي

وأيقضت الرغبات

في عالم كالافتراضي

كانت الحكايات القديمة

تئن من الشهوة وشدة الأحلام"

الحس الشعري ينسجم مع الحلم والخيال لينطلق معبرا عن الواقع المرير للوطن العربي، الحروب والدمار، كما يصف النص 73 في الصفحة 85

" الساعة معطلة..

السماء غاضبة ترعد..

ثم زلزلت الأرض..

شهريار يختبئ تحت الأنقاض..

بعد إخراجه، قال بألم لرجال الإنقاذ

أشعر عطش شديد للحكي."

تتناوب النصوص بشكل منسجم جدا، نص يكمل الآخر أو يشاكسه، يرتكز على تناقضات الواقع والتناقضات النفسية للرجل والمرأة، كلاهما يحمل هما مزدوجا يعري واقعا هشا، متدبدبا في زمن العولمة وزمن الثروات الواهية التي عوض أن تغير وتطور خربت وأحبطت آمال المواطن في كل ربوع العالم العربي، السخرية المبطنة تقنية ذكية تعطي للنصوص قراءات متعددة " يمكن أن تضفي السخرية على بعض الأشياء كثيرا من المبالغة، هذه المبالغة التي لا تراد لذاتها بل لتلفت الانتباه ولتميزها عن سواها، وأحيانا تصور الأمور بشكل ظاهره الضحك وباطنه النقد والتنبيه ....والسخرية جرأة على الواقع وأحيانا تعبر عن عدم التطابق بين المأمول والواقع ..." 2 .

النصوص السردية لا تحمل عناوين وإنما أرقاما، الشيء الذي ميزها عن القصة القصيرة جدا، بحيث تبقى مفتوحة بدون قفلة، قد يكملها النص الموالي أو قد يشاكسها، في النص 68 ص 80 :

كانت أحيانا تقول في سرها

لن أحكي له هذه الليلة

مللت من شرهه للخرافات

 

في النص 69 ص 81 :

عندما أطل السارد

من كوة الخرافة

رأى شهرزاد وشهريار

اعتماد الكاتبان على عملية استلهام النص القديم أضفى طابعا اسطوريا حول الوضعية الراهنة، كما أن تقنية اللعب بالكلمات والتكرار و الحذف والتدخل الميتاسردي الطفيف أعطى متعة للسرد وأعطاه قراءات متعددة منها: القراءة التاريخية، بحيث وضف مشاهد من واقع الأحداث التاريخية الآنية، ثم القراءة بالتبادل بحيث يلقي المخاطب الضوء على ما جاء به مخاطبه، فيحاول توضيحه أكثر لإعطائه خلفية، وأما القراءة المباشرة فتعطينا نصوصا مراوغة، وهي متعة القراءة بعد فصلها عن سياقها .
 

........................

الهوامش:

1. الزرافة المشتعلة، قراءات في القصة المغربية الحديثة، لأحمد بوزفور، شركة النشر والتوزيع –المدارس- 2000. ص 31

2. القصة القصيرة جدا، مقاربة تحليلية، د أحمد جاسم الحسين، ص 65، عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر 2010.

3. أحلام تمد أصابعها، نصوص مفتوحة لعبد الله المتقي، وفاطمة بن محمود، عن دار الوطن 2012، ص: 13-14-80-81-85-

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم