صحيفة المثقف

نقف مدهوشين امام عظمة الخالق

ryad alasadiتعد قضية الخلق أم الاعتقادات الإنسانية كلها في هذا العصر وفي العصور السابقة لأنها القضية الأولى كما أرى التي شغلت بني الإنسان على مرّ التاريخ وما من نبي أو فيلسوف أو مفكر وحتى الإنسان البسيط إلا ونال منها نصيبا من التأمل ومنهجا ما من التساؤلات الطبيعية في المعرفة مذ بدأ عصر الرسم والكتابة على الأرض . بل أثبتت الحفريات أن لعموم البدائيين على اختلاف عصورهم وأعراقهم أن لهم نظرياتهم وتصوراتهم عن بدء الخلق الأول والوجود الإنساني أيضا وأن لاشيء يبدأ من لاشيء وأن عامل السببية هو الحاكم حتى في أقدم كتابات شعوب اميركا اللاتينية التي دونت ذلك في كتاب (البوبوفوه) اقدم الكتب عن الخلق. وهو الله الذي يُخرج من العدم إلى الوجود كل الأشياء، ويصنِّف (المُبدَعات) الحية وغير الحية كمخلوقات بغير صور سابقة لها لكنه الله تعالى الخبير المبدع الأول، فيجعل لكلّ صنفٍ منها قدرًا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابً)(الآية) ويعلم الإمام علي ابنه الحسن (عليهما السلام) بأن لو كان في الكون إلها أخر لأتتك رسله ولرأيت تدبيره في الحياة وما أعظمها من كلمة إذ هو الله وحده الخالق لا شريك له؟) ولا شك في وحدانيته وربوبيته قط (أشك في فاطر السموات والأرض؟)( الآية). ومن هنا فإن قضية الخلق تشغل العقل الإنساني وهي من البدهيات التي يمكن أن تعرف بكل سهولة لكن القوى الشيطانية تحول دون ذلك بنظريات غير علمية عن الخلق.فالنجوم والذرة بصغرها المتناهي في الحجم وكبيرها كالنجوم التي تفوق حجم الأرض بمليارات المرات في بعض الأحيان كما يكون البيان الإلهي بقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الآية) ويريد الله تعالى أن يرينا آياته في الآفاق (العالم الموضوعي) على تنوعه اللامتناهي، في محاولة لتبيان قدراته في خلقه لكن بني الإنسان جميعا يدركون التناسق والمعمار والدقة في الخلق وينتجون في العام الواحد ملايين الأشرطة العلمية وإصدار الكتب المتخصصة والنظريات المتعددة في هذا المجال دون أن تكون الا ثمة اشارات عابرة وربما غامضة هنا أو هناك عن هول الخلق وغرابة المخلوقات ودهشتها الدائمة لكل راء,وكأن كل هذه العملية محض (ضرورة ومصادفة) ليس الا في محاولة لتشويه حقيقة الخلق الكبرى ودور الخالق الموجد الأول. لكن العلم الإنساني يخرج علينا كل يوم ليؤكد عظمة الخالق المبدع الأول للأشياء.

وهكذا تعمل القوى الشيطانية من جديد وعلى نحو دؤوب على إخفاء الحقائق البدهية والدامغة عن العالم الموضوعي الواضح الذي لا يحتاج إلى برهان علمي وتدبر عقلي عميقين عن الخلق ومن يقف وراء هذه الحقائق في محاولات محمومة لتعطيل معرفة الحقيقة. لذلك يشير الباريء جل علاه على الأس الأول في عبادته " كمال عبادته معرفته" كما يقول الإمام علي (ع) ولا أفضل ولا أدق من معرفة الآفاق حيث يمكن اكتشاف التناسق المهيب للأشياء. بيد أن القوى الشيطانية لا تكل ولا تمل على إبعاد الإنسان عن الحقيقة الكبرى الدامغة ( وهذا هو سرّ الاستعاذة المتكررة من الشيطان الرجيم) فالمعرفة العلمية الحقيقية هي معرفة الله تعالى من خلال مخلوقاته لكن الشيطان يتدخل هنا وبقوة فتاتي نظرة بشرية قاصرة تدعى ( وحدة الوجود) لتدعي أن المخلوقات – كل المخلوقات طبعا- هي (تجليات) لله تعالى وربما من هنا جاءت عبادات الطبيعة! في حين ان من أسماء الله الحسنى اسم المتعال كما سيمر بنا آنفا تعالى الله عما يصفون. واختلط الأمر على كثير من الفلاسفة والمتصوفة في هذا المجال. فالذات الإلهية ليست كالمعامل الدنيويةفليس كمثله شيء في إنتاج الأشياء المخلوقة أبدا. وهذه من البدهيات لكن القوى الشيطانية خدعت ولا زالت تخدع الكثير( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (الآية)

ومن اعقد المشكلات العلمية والفكرية: هو هذا التحول الفريد للمادة من اللاعضوي الى العضوي حيث تدبّ الحياة: هذا هو السرّ العجيب في الكائنات الحية جميعا, وهي الكائنات الحية الحيوانية والنباتية والأحياء المجهرية التي لايمكن ان ترى بالعين المجردة والتي تعيش على سطح الأرض إذ يقدر العلماء المعنيين بعلم(الإحصاء الخلقي) حتى الوقت الحاضر وكذلك علماء المتحجرات أن جميع الأنواع التي سبق أن عاشت على سطح الأرض وانقرضت ما بين 50- 5000 مليون نوع وما يعيش على الأرض الآن هو (2 مليون) منها الإنسان كنوع متفرد بالبقاء) منضمن 2مليون نوع فقط فأين ذهبت الأنواع الأخرى ان لم تذهب إلى كتاب الله تعالى الذي (أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) ( الآية) وقد يكشف العلم المزيد في المستقبل القريب مما سيضع العلماء والباحثين أمام الغاز جديدة في الخلق لم تعرف البشرية عنها شيئا في القرن العشرين المنصرم. هذا في العالم الموضوعي وما خلق الله في النفس الإنسانية إلا آيات أخر تدلّ على عظمته في خلقه. ويبدأ البيان الإلهي صريحا: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) (الآيات)

ومن هنا فإن قضية الخلق تبقى حية وقائمة حتى قيام الساعة لكي يستدل الإنسان على خالقه فيعرفه فيعبده بدل شياطين الإنس و الجن:

 

خلق النفس العارفة

حاول العلماء والمفكرون والفلاسفة على مر العصور معرفة كنه النفس الإنسانية المدركة للأشياء. ولعل بدايات القرن الماضي كانت قد وضعت يدها على هذا الموضوع المثير فخرج علينا علم النفس الحديث بنظريات شتى لفهم النفس الإنسانية وتركيبها المعقد. لكن الرؤية الإلهية القرآنية تبقى من أكثر المعارف الإنسانية رسوخافي هذا المجال. فكل النظريات الوضعية تقف حائرة أمام هذا التركيب العجيب للاوعي ومدى قدرات الإنسان الداخلية. ويكفي أن نشير إلى هذا العالم الخفي فينا حتى ندرك عظمة الخالق فينا جميعا. فمن الذي أودع فينا كل هذه القدرات والخيالات إن لم يكن الخالق نفسه وما هذه الآلة العجيبة (الدماغ) حتى تكون أعظم مادة للإدراك في الكون الفسيح؟ لكن أولئك المكابرين جاحدون حقا وغير علميين. والماديون لا يستطيعون بأية حال الإجابة على كيفية إدراك المادة لذاتها من خلال النفس الإنسانية العارفة لدقائق أمورها وما السرّ في هذه الذاكرة العجيبة لبني الإنسان.إن السر في النفس الإنسانية يكمن في معرفة الخالق أولا وطاعته في حين يبقى الماديون في كل عصر من عهد هيرقليطس اليوناني إلى يومنا هذا بلا إجابات علمية محددة.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم