صحيفة المثقف

الادب الممتع والنقد القريب

anwar ghaniساحة الفن روح الانسان ومشاعره واحاسيسه، وما كان النقد الا تفسيرا لجمال الادب والفن ضمن تلك الفضاءات، وانما اقحمت الابحاث التخطابية واللغوية فيه اقحاما مرا ومؤسفا، ولانّ تلك المجالات الانسانية يعكسها الوجدان والحس المرهف، فاننا يمكن ان نقول ان اعظم النظريات الادبية يسقطها الوجدان .

لقد رأينا كيف تهاوت كثير من نظريات النقد الوصفي التخاطبي امام ظاهرة الابداع وجماليته، لانها لم تكن ممثلا حقيقا ومبرزا امينا لظاهر الجمال الادبي .

لا ريب ان الرمزية والايحائية وتعدد الدلالات من اهم انجازات الانسانية الكتابية، وهي اركان النص الادبي المعاصر، الا انه كما ان هناك فخّفا في كل شكل كتابي يوقع صاحبه في الكتابة اللاأدبية، كالنظم في الشعر الموزون، والترهّل في   شعر التفعلية والفنون السردية، والتعقيد المجافي في النقد، فان شعر النثر فيه فخ الجفاء والجفاف اللغوي، سواء كان قصيدة نثر ام نصا مفتوحا .

ربما صار راسخا حتى عند القارئ العادي ان التعبير المباشر والحكاية الوصفية لا تقترب كثيرا من غايات الادب شعرا كان ام سردا، لذلك دوما هناك بحث قراءاتي عن الايحاء، ولا يظَنّ ان هناك ملازمة بين الرمزية العالية والجفاف اللغوي، بل بالامكان ان تكون هناك لغة تجريدية قريبة ممتعة .

ان العنصر الأهم في الامتاع الادبي هو الضربة الشعورية واحضار القارئ الى النص، وهذا فن قائم بنفسه، ولا يتاثر بطبيعة اللغة المستخدمة، الا انه قد تكون الرمزية في بعض الاساليب مضرّة، كما انّ المباشرة قد تكون مضرة، بمعنى أخر لاجل ادب ممتع لا بد من الحرص على احضار القارئ الى النص وهزّ مشاعره بادهاش ظاهري او عميق .

لا بد من الادهاش لاجل الامتاع، ومع الايحائية والرمزية لا يتسير ذلك الا بلغة متموجة تعتمد الضربة الحسية، لاجل احضار القارئ الى النص، حينها يتحقق الادب القريب الممتع . اذن الادب القريب ليس الادب المباشر بالضرورة، بل ولا الرمزية القريبة ولا الانزياحات المنطقية في قبال الانزياح العالي، وانما هو ادب يستطيع ان يحضر القارئ الى النص ويجعله يعيش اجواءه ويهز مشاعره وفكره ويبهره بأي شكل من اشكال اللغة حتى لو كانت لغة تجريدية لا توصيل فيها ولا حكاية .

و كما ان هناك ادبا قريبا وممتعا فان هناك نقدا قريبا وممتعا، ولا يقتضي ذلك الاخلال من العلمية والتقريرية، وانما يعتمد الاقتراب من الشيوع الفهمي والتطلع الفكري للقارئ العام، بلغة تحافظ على المضمون الا انها تصاغ بتراكيب قريبة للقارئ، لا يعسر تناولها،و لا تكون جافة، مع التاكيد دوما على الحفاظ على مستوى الفكرة وطبيعتها .لان لكل فكرة علمية تقريرية مستوى فكريا لا يصح التخلي عنه لاجل التبسيط، وانما النقد القريب يصوغ تلك الفكرة في مستواها بلغة قريبة، بمعنى اخر ان الفكرة وبذات المستوى بدل ان تطرح بلغة معقدة بعيدة فانها تطرح بلغة قريبة، وهذا التباين الكتابي نجدده ايضا في الكتابات الفلسفية والاجتماعية والتي يعاني بعضها من البعد والجفاف، بينما يتصف الاخر بالحلاوة والامتاع، مع ان الكل يحافظ على ذات المستوى من الطرح المعرفي .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم