صحيفة المثقف

فوضي التلاعب بالدستور

adil amirإنّ عمليّة قراءة وتأويل القواعد الدستوريّة هي عمليّة فنيّة / تقنيّة بالأساس تقتضي التمكّن من المهارات القانونيّة والدستوريّة الكافية للقيام بها خاصّة حينما يتعلق الأمر بالنصّ الدستوري الذي إلى جانب كونه أعلى نص قانوني في الدولة فهو بمثابة العقد السياسي والاجتماعي الذي يربط مكوّنات المجتمع السياسي. وهذا العقد هو بالخطورة بمكان بحيث يصبح تأويله تأويلا ذاتيّا أو مصلحيّا خطرا ليس فقط على الأفراد وإنما كذلك وخاصّة على ترابط وانسجام مكوّنات المجتمع السياسي ككل. فرهان تأويل قواعد الدستور هو رهان كبير وخطير خاصّة في بلادنا التي عاشت لعقود تجربة تطويع القواعد الدستوريّة خدمة لمصالح حزبيّة أو حتّى شخصيّة ضيّقة ولنا في شروط الترشح لمنصب رئاسة الجمهوريّة في النظام السابق أحسن مثال. لذلك فإنّه يكون من المجدي اليوم التصدّي للفوضى التي تميّز مجال التأويل الدستوري حتّى لا يفقد النص الدستوري أهميّته و»قداسته» إنّ ضمان حدّ أدنى من التناسق على وظيفة تأويل الدستور من شأنه أن يساهم في حماية الدستور وتجنّب التلاعب بأحكامه كما أنّه يساعدنا على منع تحوّل عمليّة التأويل إلى حرفة أو الحصول على تأويلات حسب الطلب أو على المقاس

Des interprétations à la demande ou sur mesure .

فكما نبّه الفقهاء سابقا إلى خطورة تطويع قواعد الدستور، فإنّه يجدر التنبيه اليوم كذلك إلى خطورة توظيف عمليّة تأويل الدستور لغير الغاية)،مرجوّة منها مثل الظهور الإعلامي أو الشهرة أو التقرّب إلى أصحاب القرار وهي كلّها علل قد تنتقل عدواها بسرعة لتصيب أهل الاختصاص. إن إلغاء الدستور لا يمس وجود الدولة رغم تغيير النظام السياسي، ولكنه قد يؤدي إلى تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، وهذا كاستثناء فقط (وحدة مصر وسورية.)، أما ما عدا ذلك فتبقى الدولة قائمة رغم تغيير النظام السياسي وهذا ما يبرز التزاماتها بالمعاهدات الدولية المبرمة في السابق ( إيران)، وعادة ما يسارع الحكام الجدد إلى إعلان التزامهم بذلك (ما عدا في عهد الاتحاد السوفيتي سابقا.).

القضاء الدستوري في مصر عمره 43 عاما منذ المحكمة العليا سنة 1969 التي أنشهذا،لرئيس عبد الناصر ثم المحكمة الدستورية بعد إن نص عليها في دستور 71 في باب خاص بإنشاء الإلية الخاصة بالرقابة الدستورية التي تتولى وحدها الرقابة على دستورية القوانين وأيضا تتولى التفسير في حال اختلاف جهات الدولة في التفسير القانوني وتتولى فض التنازع بين الأحكام النهائية إذا ما أعرضت أو تناقضت وأيضا تزيل إي عقبة في سبيل استمرار سريان إحكامها باعتبار إن عنوانها أنها أحكام قاطعة وإنها القول الفصل وملزمة لكل سلطات الدولة بالتالي هي المعنية بهذا الدور الخطير جدا، وتاريخ المحكمة الدستورية في مصر يمتد 43 عام خاضت فيها معارك ضد ثلاث أنظمة لأنه كان لها مواجهات في إطار حماية الحقوق والحريات العامة وتغييرات جذرية كانت تمر بها البلاد كان تغير سياسيا الأنظمة القائمة، واقتصاديا واجتماعيا فكان دورها دائما الحماية، هي محكمة ضمانات ومشهود لها في العالم كله مع إن التصنيف لها في كل محاكم العالم الدستورية الثالث على العالم من خلال معايير الأمم المتحدة والمفوضية الدولية واستقلال القضاء تضع مجموعة من المعايير لقياس مدى استقلال القضاء وقدرته على التأثير وحماية الدولة،المحكمة الدستورية في مصر مصنفة سادس في حماية الحريات العامة وإحداث تغييرات عميقة في المجتمع وحماية الأقليات ومقومات الدولة والعلاقة بين السلطات وبالتالي هذه المكانة الدولية تجعل القضاء مقروء على مستوى العالم، إحكامها تترجم إلى 13 لغة من خلال مفوضية الأمم المتحدة، ثم علاقتها الوثيقة بدوائر دستورية في العالم تجعل الرقابة الدائمة بين القضاء الدستوري يشعر بأهمية ما يصدره ويتبادله وعندما يحصل أي أزمة خاصة بالمحكمة الدستورية لكن كان الانتفاض الدولي حولها حماية لهذه المؤسسة وهي تعتبر السلطة القضائية الأعلى باعتبار أنها المحكمة التي تقضي في إطار القانون. منذ الاجتماع البشري المنظم والأول في المجتمع الزراعي الأول وحتى يومنا هذا، شغلت فكرة الحق الطبيعي ضمن المجتمع اهتمام الباحثين والفلاسفة والمفكرين، وتعدى أن يكون مجرد اهتمام فرسموا ما أمكنوا لصورة مجتمع قائم على الفضيلة والعدل والخير .

و لقد أسهمت هذه الفكرة بإحلال انتقال سلس منظم لفكرة الإنسان المتمسك بحقه الطبيعي ضمن المجتمكضرورة. الأول إلى مجتمع أكثر تجددا وأكثر منتظما يحمي هذا الحق ويصونه وفق قواعد ثابتة ورؤى متشبعة بالمفهوم الطبيعي للحق، ما يدفع العقل البشري المركون إلى أفق باهت وفقه إلى أنماط متجددة من العقل البشري سمته العامة أكثر استقرار . والتوازن الحاصل يشير باستمرار إلى إمكانية نتاج اجتماعي أكثر تنظيما وأكثر محافظة على الحق كضرورة .

الإنسان الأول الذي صارع قوى الطبيعة وفق حقه الطبيعي في العيش بعد مسايرة المجهول والغامض منها، هاجر مجتمعه المشاعي لاحتياج إلى مجتمع أكثر انتظاما، وبعد أن أكد سيطرته إجمالا على تلك القوى واجه صراعا أكثر قساوة وأكثر ضراوة وهو الصراع مع الحكام والملوك والأباطرة في ظل نشوء مفهوم الدولة والسلطة والثروة والملكية الخاصة إلا أنه من المهم أيضا الانتباه إلى ممارسات قد تنشئ عن عملية التفويض والاتفاق المبرم، خرقا يعمده الحاكم أو الإداري أو النائب عن طريق تصرفات فردية خاطئة وتطبيقات تنتج بالأخذ الخاص للناحية التطبيقية، وهذا لا ينفي تأكيد الدستور عقدا اجتماعيا، والتحصل السلبي الحادث ما هو إلا خرق للعقد وتجاوز مشين بحق الدستور نفسه، أو العقد الاجتماعي المصري، والذي انتخب بشكل نزيه أوصلته الانتخابات إلى سدة الرئاسة، ولكن الممارسة التي فوضها لنفسه ولم يفوضه أحد بها، كانت محاولة فئوية منه كي يرضي جهوية متوحدة مع أفكارها وأيديولوجيتها فحاول تقويض إرادة المجتمع المصري إلى تلك الجهة وتلك الفئة، ما فعله الرئيس مرسي يعتبر خرقا ونكثا بالعهد الاجتماعي والعقد الذي أوصله كي يكون حاكما انقلب بنفسه على الدستور ويعتبر تجاوزا للتأسيس الطبيعي للعقد الاجتماعي المصري الذي يسبقه ويعلو عليه، محاولته لسن وتمرير قوانين إلى الدستور المصري أوقعه وطرحه عند أقدام الدستور مرة أخرى . وفق السلطة المتكونة انقسم الإنسان مع أقرانه الداعون إلى انتظام ، انقسموا إلى طبقات متناقضة من السادة والعبيد، الأحرار في الطبقة العليا والمقيدين في الطبقات السفلى، نَحَتْ هذه المعادلة إلى المزيد من التمييز بفعل خاصية الدين، وبالأخص عندما افترى الحكام للعبيد أن سلطتهم مستمدة من الإرادة الإلهية .

وفي الأخير يمكن القول أن إلغاء الدساتير قد يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات القائمة طبقا له على النظام السياسي ونظام الحكم السائد في الدولة نفسها ولكن من المهم محاولة تجنب إلغاء أو تعديل الدساتير من أجل ضمان استقرار الأمني للبلاد عن طريق وسائل أخرى مثل الوقاية على دستورية القوانين فإلى أي مدا يمكن لهذه الوقاية أن تحمي وتحفظ سلامة واستقرار الدولة.؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم