صحيفة المثقف

الترغيب في الرسم .. بالسفر مع الألوان والكلمات..

تظل الألوان ضربا من ضروب هذا النظر المفتوح على الاكتشاف والدهشة ..ذلك أن الجمال الماكث في الذات البشرية والباحث عن قادح الانتباه يمثل مخزونا يمكن به ومن خلاله ابراز الطاقات التي تساعد الانسان على القول بأن اللون حاجة وجدانية وانسانية ولغوية أيضا..

ان الألوان تقول وتكشف وتصرخ و...تبوح وتناىو تلين وتتمنع و...كاللغة تماما هذه التي تكشف وتحجب وتسعد وتغضب وتحزن..انه الكون الرهيب الذي به ومنه وفيه نرى حيزا من حواسنا وعواطفنا ووجوهنا...ان الكلمة الشعبية المتداولة وخاصة في الشرق (آش لونك) تعني الكثير في هذا الجانب..اللون اذن حالة وترجمان..بل هو الأحوال في شتى تفاصيلها وعناصرها...و هكذا..

من هذا السياق كانت فكرة الصلة بين الكلمات والسرد من جهة والرسم والتلوين من جهة أخرى..و البادرة احتضنها مؤخرا فضاء المكتبة الجهوية بزغوان التي جمعت الرواد من الأطفال واليافعين لكي يذهبوا مع الألوان بحسب خيالهم مستلهمين المواضيع من القصصو مما انطبع لديهم بعد القراءة والمطالعة لأثر ما..

الفكرة مهمة وهي الترغيب في الرسم على غرار الترغيب في المطالعة من خلال هذا المقترح الثقافي الذي تعمل عليه الأستاذة وئام الشريف مديرة المكتبة الجهوية بزغوان...و قد أطرت الورشة المذكورة الفنانة التشكيلية والباحثة عواطف منصور كما كان حضور الأديبين مصطفى المدائني ونافلة ذهب بمثابة المناسبة التأطيرية التي منحت المشاركين الكثير من الثقة والشجاعة للذهاب مع الخيال والألوان والكلمات..كانت التجربة مميزة في دورتها السادسة من حيث الفكرة وكذلك الوعي بها..وكانت فكرة الأولمبياد الجهوية مناسبة ليتحول الفضاء الكبير للمكتبة الجهوية بزغوان الى مجل حيوي للتواصل مع فكرة الفنون انطلاقا من الرسم ..و كان خيال الأطفال والتلاميذ من رواد المكتبة وغيرهم يشتغل وفق تنوع الأفكار الحافة بالألوان والأشكال..

انها الفسحة الجمالية زمن الصخب والضجيج وطغيان ثقافة الآلة على الحالة..لكن الأطفال أبرزوا هنا الكثير من القدرات في السفر الحر مع الخيال الثاقب وبعدما تشربوا الافكار السردية وتلوينات القص كيف لا وقد ذهب الكاتبان مصطفى المدائني ونافلة ذهب بهما الى الوعي العميق والبسيط لحيز من فنون السرد وأدواته وذلك في ضرب من التبسيط ووفق بيداغوجيا محبذة لسن وطور تفكير هؤلاء الأطفال والتلاميذ الذين تعرفوا أيضا على المنجز الأدبي والقصصي للكاتبين المذكورين صاحبي التجربتين الهامتين في المتن السردي التونسي..الفنانة عواطف منصور لعبت دورا معرفيا وبيداغوجيا باعتبارها تدرس بالمعاهد العليا للفنون الى جانب كونها فنانة لديها القدرة الخيالية والجمالية في الافادة في هذا المجال وأمام هؤلاء التلاميذ..و هي تقول بخصوص هذه التجربة "... أن يسمع الطفل قصّة ويتخيّلها عبر فنّ الرسم ليس بالأمر الهيّن، ولكن بوجود الحسّ الإبداعي والإبتكاري لديه وتطويره ودفعه للتخيّل وتمثيله عبر الريشة واللون يجعل منه بالإمر الهيّن، ولكن يبق سؤالنا هنا كيف ذلك؟ أو ماهي الوسائل والأدوات لنرى طفلا مبدعا وفنانا من خلال احدى حواسه؟..و هنا تكون الإجابة هي ضرورة تربية هذا الطفل على التخيّل والاستلهام والإبداع من خلال تطوير ودفع الحس الفني لديه، من خلال فن الرسم، هذا الفن الذي يحقق لديه ذالك الذوق في صياغة ما يسمعه أو ما يتخيّله أو ما يقرأه عبر الريشة واللون، فيتحوّل المتخيّل أو المسموع والمقروء الى مشهد فني إبداعي يستسيغه قارئ القصّة أو الكتاب أكثر من الكلمة في حدّ ذاتها...وهنا تتحقق للطفل تلك الرسالة الجمالية من خلال المتخيّل والمسموع، فينمّي فيه الإحساس بالجمال وتذوقه، كما ينمّي في نفسه تجارب الإبداع الفني الجميل. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الفن وبالتحديد فن الرسم بالنسبة للطفل بمثابة الوسيط التربوي الذي يتيح له الفرصة لاستكشاف قدراته الإبداعيّة واستخدام خياله من خلال حب الاطلاع وإيجاد الدافع للإنجاز والتحرّر من الأساليب المعتادة لتمثيل خيالاته وتمثيلها عبر الرسم وهو ما سينمي بالتالي لديه كذلك سمات الإبداع والابتكار والموهبة وأيضا سيفجّر طاقاته الكامنة.

ولعلّه ما لمسته من خلال تجربتي مع الأطفال في الورشة المفتوحة في اطار "الأولمبياد الجهوي بزغوان"   عن طريق مساعدتهم على اكتشاف هذه القدرات الإبداعيّة الكامنة داخلهم وقد إكتشفت معهم معنى تجسيد خيالاتهم ومساعدة هذا الطفل للوصول به إلى معايشته رغبته في تحويل قيم الخيال وجمالياته ورحابة انطلاقه إلى سلوك إبداعي تشكيلي وفكر ناضج ووعي سليم وتخيل رشيد وتلك هي أهم عناصر ومقومات بناء شخصية أطفالنا الإبداعيّة والإبتكاريّة الحديثة في توظيف فنّ الرسم كأسلوب للتربية الإبداعية لأطفالنا.

تجربة رائعة شعرت من خلالها بأهميّة فن الرسم بالنسبة للطفل وحبه لاكتشاف التقنيات والأدوات الخاصّة بهذا الفن...".

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم