صحيفة المثقف

ما رآه الواسطي

saad yassinyousufاغمسْ فرشاتَكَ

هنا الدمُ طفلٌ يكركرُ فوقَ الخضرة ِ

 


 

ما رآه الواسطي / سعد ياسين يوسف

 

يا يحيى

ما الذي سترسمهُ

لمقاماتِ البلادِ

وهيَ تغمرُ صدرَها بالزيتِ

تُشعلُ النيرانَ في ضفائرِها

وأنتَ حيُّ ميّت ٌ

تمزجُ الدمعَ بالمخاوفِ بالكافورِ

بحثاً عن لونِك .

النهرُ ما عادتْ تُصابحهُ النوارسُ

المنائرُ تمسحُ ما تبقى من الأزرقِ ،

آثارَ أقدامِ الأولينَ ،

والقوافلُ في صحراءِ رحلة ِالشتاءِ والصيفِ

شتَّى بلا اتجاه ٍ...

تعدُ ثقوبَ الرملِ

وتملأُ بالانتظارِ وحشةَ الوصول ِ .

يا بن محمود

دمُنا وافرٌ تستلذُ بهِ الخناجرُ ....

اغمسْ فرشاتَكَ

هنا الدمُ طفلٌ يكركرُ فوقَ الخضرة ِ

أزهارهُ فراشاتٌ ترفرفُ

فوقَ ما رسمتَ .

فراشاتٌ تعرفُ كيفَ تؤوبُ إلى

"ساحةِ العاملِ"

تحطُ على جسد ٍ يركض ُ

بحثاً عن رأسه ِ

أو "ساحة ِ عبدِ المُحسنِ"

حيثُ الصباحات ُ المجللة ُ بالموتِ

برائحة ِالعَصْفِ ...

برفيفِ الأشجارِ المتوقفِ تواً

عن النبضِ وهو ينزفُ خضرتَهُ

بالصمتِ والدخان ِالمتصاعدِ من الأجسادِ

وهيَّ تحدّق ُ بعيني الله

.... ....

صوتُ الله ِ

الآتي من المقهى

باتَ خفيضا ً

يمرُّ على وهن ٍ بينَ الأشلاءِ

يسجلُ اسماء ً .. ويبشرُها

فيدوي ثانية ً

صوت ٌ .....

تنكسرُ الفرشاة ُ

فرشاتُك ، وتضيقُ بكَ رِقاع ُ الرسم ِ

تشحبُ ألوانُ الصورة ِ

ويسودُ الأسودُ

.... ....

يا يحيى ستنزفُ حزنَك ليلاً ،

ينصبُّ عليكَ راياتٍ سوداءَ

وولاياتٍ شتَّى ...

لا صبحَ تبدِّدُ فيهِ ظلامَ اللوحة ِ

ستقطعُ شريانَك بحثاً

عن أزهارِك المخبئةِ

تُلقيها فوقَ جديلة ِشَعرِ الفاجعةِ ،

يداعبُها دمُها .. بينَ الأجسادِ

وثانيةً على كفِّ رغيفٍ مرفوعةٍ

لسماءٍ سابعةٍ

حتى يستيقظَ

صوتُ الله ِ..

***

 

يا يحيى

أما حدثكَ الحارثُ بنَ هُمام ٍ

عن شجرةِ الرؤوسِ

الطالعةِ بأوراقٍ حُمْرٍ

تنبتُ على قارعةِ الطُّرق ِ

ومداخلِ مدن ٍ

باسمِ اللهِ ..

عن سبيٍ وحرائق َ....

نهريِ دمِنا المفترقين

المحترقين بوابلِ أسئلةٍ

من سجِّيلِ الماضي

تلتفُ علينا أسلاكاً شائكة ً

من نارٍ تفقأُ عينَ الصبحِ

حتى تغمرنا الظلمة ُ

نُفيقُ عراة ً

لا ورقُ الأشجارِ يجللُنا

ويغطي نزفَ جراحات ِ الليلِ

ولا الرواةُ يوقفونَ نزيف َ

الأشجارِ المتطايرةِ الأعشاش ِ

.... ....

عفوكَ ربِّي ...

"اعصمنا من الغوايةِ في الرواية"

قالها: وامسكَ فرشاتَه ُ،

هذا الذي أسمته أمهُ يحيى ...

يممَّ وجهَهُ

نحوَ المدنِ المنكوبةِ كي يُمسكَ

خيطاً بين الخيطينِ

او يرسمَ المقامةَ الحادية َوالخمسين

يُضيءُ بقناديلِ البهجة ِ..

الحجرَ الصلدَ

بصدور ٍ يتآكلُها صدأ ٌ مضمرٌ

يا وجعَ اللوحةِ

يا وجعي ....

الواسطي الذي ،

هالهُ ما رأى ،

من مقامات ِالعراق ِ

لم يزلْ مصلوباً

رأسهُ بينَ قدميه ِ،

وكلما نودي باسمِه

يا يحيى ......

نزَّ من رأسهِ دم ٌ

وارتفعتْ فرشاتُه

تبحثُ عن دمِها الأبيضِ

بين دماءِ الألوانِ ..

 

................

يحيى بن محمود الواسطي رسام عراقي ولد في واسط بداية القرن الثالث عشر الميلادي أختط نسخة من مقامات الحريري عام 1237 وزينها بمائة منمنمة من رسومه تجسد الخمسين مقامة من مقامات الحريري ويعد الواسطي من أوائل مؤسسي مدرسة بغداد للتصوير ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم