صحيفة المثقف

من جامعة الدول العربية الى البرلمانات العربية .. حلم بين وعدين

في اليوم الرابع والعشرين من فبراير عام 1943 خطب إنتوني آيدن في مجلس العموم البريطاني قائلا (إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية)..وحيث إن عين أل(عطف) البريطانية ذاتها نظرت عبر وعد آخر شبيه بنبرته مختلف في توجهاته من قبل (بلفور) نظرت إلى اليهود لتهديهم وطن قومي ليس على حساب الفلسطينيين فحسب بل على حساب العرب جميعا. وكانت النتائج كالأتي..نتيجة عين العطف في وعد بلفور هي تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين..ونتيجة عين العطف في وعد آيدن هو تأسيس جامعة الدول العربية..ويبرز هنا سؤال كبير...مالعلاقة بين تأسيس جامعة الدول العربية ووجود وديمومة اسرائيل؟؟..والحق إن الجميع يعرف الإجابة,فلقد كان الهدف الباطن- الذي أصبح معلنا بشكل وقح فيمابعد- من تأسيس جامعة الدول العربية هو توجيه المال العربي والجهد البشري للدول العربية باتجاه الصراع العربي –العربي وتمويه الجماهير العربية لمحو ذاكرة الأجيال المتعاقبة بخصوص قضايا العرب المركزية كقضية فلسطين واستحداث قضايا محلية وإقليمية عناصرها الفعالة هي الطائفية والتطرف الديني لتستنزف بها الدم والعقل والمال العربي. وبهذا يبدو إن الوعدين البلفوري والآيدني تصدر من مستنقع واحد..هو مستنقع التآمر البريطاني –الامريكي . ولقد كان لنجاح هذه التجربة حافزا عظيما لتطويرها وتعميمها وتوسيعها تارة وتحديدها تارة أخرى لتعطي للسم الصهيوني-الغربي اسماءا وصفات كالحرية والديمقراطية وربما آخر هذه الأقنعة هو الربيع العربي الذي فرّخ كيانات شوهاء عرجاء هي مصغرات ووارثات لجامعة الدول العربية تسمى مجالس النواب أو البرلمانات.وقد يبدو كلامي متناقضا اذا اضفنا صفة الانتخاب لهذه البرلمانات حيث يبدو- شكليا- إن الأشخاص المتقلدين لهذه المناصب هم منتخبون من قبل الشعب ولكن تبرز هنا معضلة كبرى اسمها (الشعب) .فهذا الكيان المغلوب على أمره دائما المغيب بسبب الفتاوى المقدسة لرجال الدين أحيانا والعصا الغليظة التي تحملها الحكومات دائما احيانا اخرى وهي القوت اليومي الذي لا يوزع إلا بإكمال مهزلة الانتخابات وإقرار الموازنة وتوزيع الحصص على الوزارات لتسرق معظمها ولا يتبقى غير الرواتب التي تعطى كإكرامية وليس كاستحقاق لموظفين حوربوا على مدار السنين لقتل الإبداع والبحث والابتكار...فلقد أحست القوى التآمرية العالمية بحتمية العثور على الطريق من قبل الشعوب العربية كنتيجة حتمية للتطور الفكري والتكنولوجي العالمي ووصول اذرعه للشعوب العربية ولهذا اجتهدت هذه القوى لتجهض اكتمال عمليات النضوج الفكري والتحرري لتستحدث حالة الربيع العربي الذي أطاح فعليا بالربيع بشكل قد يكون نهائيا ليرحل من قائمة الفصول العربية وإحلال الفوضى والتطرف والضغينة محل النظام والاعتدال والتسامح. وهذا بكل تأكيد لا يعني إن الأنظمة التي كانت سائدة قبل التغيير هي عرّابة النظام والتسامح والاعتدال بل على العكس نجد أن ابسط الناس يعلمون علم اليقين إن الأنظمة العربية البائدة كانت السبب الرئيسي في ظهور مختلف التيارات المتطرفة والتي قادت بحنكة منظمة مسيرة الفوضى والتدمير والقتل المبرمج...فقد كنا بفطرية متناهية نردد عندما نمر على قصر يبنى لصدام حسين (انه يبنيها للأمريكان) وقد صدق حدسنا بشكل غريب فكثير من القصور الرئاسية لم يوفق الطاغية لافتتاحها واستخدمت بإذلال كأماكن إقامة للجنود الأمريكان الغزاة, ولم يكن احد من العراقيين قادرا على إيجاد تفسيرا واحدا لحمى بناء القصور التي أصابت ( القائد الضرورة) في وقت كان الحصار الاقتصادي يجلد الناس كل ثانية بسياط الجوع والمرض والقهر وكانت مهزلة الراتب الذي لا يتجاوز الدولارين شهريا من اكبر التجارب المختبرية التي نفذها صدام حسين لصالح الغرب وقدم بعدها النتيجة المذهلة لأمريكا على طبق من ذهب وهي الشعب العراقي النموذج الأعظم للخنوع والرعب والخوف فوضعت أمريكا الخطط الشيطانية لتفكيك وتدمير وإنهاء العراق دون وضع أي احتمال لمعارضة شعبية باستثناء بعض حالات المقاومة لتيارات وتنظيمات استهدفت الأبرياء وأرواحهم وممتلكاتهم أكثر مما استهدفت الجنود الأمريكان الذين يصولون ويجولون في مدن العراق وشوارعه...من هنا تبرز الحقيقة الناصعة وهي إن الحكومات التي خلفت الأنظمة الديكتاتورية والتي جاءت ملمّعة بالشعارات التي دغدغت أحلام البسطاء بقرب الانفراج والبناء والصناعات والزراعة وحلم (ثروة الشعب للشعب) كانت من أعظم الخدع التي تعرضت لها الشعوب العربية كافة التي ساهمت نفسها بإيصال ثلة من اللصوص والخونة ليتسيدوا الأوطان ويسرقون مقدراتها بطريقة لم يجرؤ عليها اعتى الديكتاتوريات التي كانت سائدة. كل صباح..يصحوا الناس على صدى سؤال كبير..ما لحل؟؟ كانت مشكلة الشعوب رجل واحد هو بالنهاية لديه عمر محدد...أما ألان فمن يحكم ليس رجلا واحدا بل ...فكرة...تكبر يوميا كالسرطان ويغذيها شريان الحبر البنفسجي سيء الصيت...البرلمانات من أمامكم وجامعة الدول العربية من ورائكم فإما أن تموتوا أو ....تموتوا ....ولكم حرية الاختيار أيها الشعوب العربية .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم