صحيفة المثقف

يركن إلى ريحٍ تتهاوى

wejdan alkashab الصوت تناثر قبل دقائق أو ربَّما سنوات / ترتفع الشمس فوق حرائقها وتُسقِط وهجها حاراً / دامعاً / يحارب مَن يبدون منتصرين تدور أسلابهم وتستعرض بإغراء تحت أسوار النار والحياة / الدماء تعارك جفافها على الوجوه والسواعد، تشخل ما بين الأصابع / رماد وغبار هما خبيئة أغدفتها أقدارها لتبقى مخضّبة بقفر وأنقاض جثث / ومازالا ينتظران أُخرى نزفت صخب شرايينها لتركن إلى جبهة خشباء لم تعُد لها بصمات تستسلم لمشهد اشتعالها وتصمت / صمت يصبُّ لعناته ويعشب ليزيد مهابة زحام هو للنصر والقسوة معاً / أعنّة الخيل تغادر هوساً خلّفته أصابع نبشت عن مجدها في ظلِّ بحار وميزان ثأر لم يتعادل بألف شراع يتسارع ليركن عند أسوار ظنّت نفسها مقدسة الأبراج / وظلّت ترمي بعينيها بعيداً لتتسرّب في غموض الرمل ...أو ... ربّما الصحراء التي تبدو بلا ظلٍّ ولا إضاءة تُوشِّح تجلياتها / تفكُّ كثافة ايماءآتها أو ربَّما إيماءة المصائد التي هلّت في انطلاقات تسعى امنتصر يخفق وجريح ينسكب أو ربَّما لمحتضر ومغادر / يتبادلون هذياناتهم حول وادٍ تنغرس قاماتهم في انحناءآت ثناياه على الكون الذي يرفض مذلّة نسيانهم / هكذا رسمت أحلامهم توهمات جرجرت أشراكها وبحار همومها إلى سكون هارب من دماء تُسفَحُ لأنياب لبوة تقبع / الجنائب تفضح رائحة قطيع تمرح أسنانه مع عشب يدفن خضرة ثوانيه في أحشاء تعبُّ وتتهيأُ لعتمة أحشاء أُخر – أعنيه الأسد - / أحشاؤه تدور حول القطيع / تُخلِّف آثاراً لتراكضٍ يبدو محموماً يتبادله القطيع مرّة والأسد مرّة أُخرى / لتهوي أنياب اللبوة التي كانت تنتظر في الطرف الجنوبي من المشهد على طراوة لم تعُد معصومة تماماً / تختلط ايقاعات الأنياب والأنين والهمهمات التي يصدرها المشهد المعتم ... مشهد الافتراس الدموي ...

أو ربَّما هي همهمات الذعر الصادر عن عيون أرانب ترى إلى المشهد ... وتنكمش في ظلِّ عتمة ارتجافاتها التي تنتقل إلى ما يحيط بها ... شباب العتمة أو العشبة ... أو صلابة غصن هنا .. أو وجه الحصى الذي واجهته الدماء وتناثرت عليه ... وكلَّما تناثرت موجة الارتجاف تخافتت ... تخافتت حدَّ الانتهاء / انتهاء إلى أبراج تنادم ملكوتاً غبارياً يعشش في ظلِّ الضياء والعتمة معاً / حالماً أنَّه ربَّما يقفل ثغرات تتساكن وجدران الأبراج / تتخفى وراء سكونها عينان ذات رؤى ورؤية ... تخفت لتطرد رماداً يراوغها ... وتكبح انسلالها عبر الثغرة لتلتقط النقّار حين يغادر عمود الخشب الذي يدفن نفسه في جوف الطين وفي جوف الفراغ معاً ... ليدفع صمغة دمائه لمنقار يطرق أبوابه دائماً .... يغادر النقّار إلى أمان ترسمته الثغرة، لتمتدَّ اليد برقّة واستئساد معاً لتغتال عذوبة دماء النقَّار، وتقوده إلى إمحاء غير منتظَر ... تحوِّل دفقة شرايينه ونبض خلاياه إلى غبيراء تُشكر صدأ الأنياب / كما يدفع الطفل بطرف إصبعه قطيع النمل إلى هيجان راعب فلا تتمايز خطواته، ولا ايقاعات أقدامه على درب إلى ثغرة حفرها يوماً ما ليصمت فيها / إنّها الجراحات ... جراحات دماء تنسفح مرّة أُخرى من جسدٍ ظلَّ معلّقاً على خشبة تصطبغ بنفور دمه اللاهب / يخفق / تئن جراحاته / تحترق الرئتان بوهج باذخ ينزل إلى القلب / ولا تزال هي هي الأسنان اللاهبة تحفر سبيلها إلى عضلٍ نافر الدماء، ولا يزال ينتفض ببكاء يحاول أن يغضَّ ولكنَّه يغصُّ وسط ضوضاء استطلاع المارّة والعاطلين والكلاب / وما يزال السيّاف يقاوم برداً يطحن الصلب والمصلوب معاً / يقذف به إلى رهبة الأنين ...

ماء ...

ما .. ء ...

ما .. ء ...

يغمس السيَّاف أسفنجة في قعرٍ معكَّرٍ ببقايا خلٍّ وماء ليكوي بها القلب والذكرى معاً / يعاود القلب أنينه ... ليهذي ...

في عطشي سقوني خلاً

يركن القلب إلى الريح وهي تُعرِّي عالمه ليبدو مخاتلاً بصخب أصم مدبب ينغرس بنشوة عابثة في يومياتنا التي تبدو – دائماً – مثل جدار من حجر كتيم منيع ... لكنّه – القلب - ظلَّ يعابث الساعات بانتظار يوم مرقوم عكف في عراء / ينحني وينفرج لركامٍ كفَّ عن الحياة، وآخر تتآكله هواجس ورجفات تنخل ذاكرته وعينيه / تكشف جنونه ويأسه / ترمي به لعيني أسد وطير عاكفتين عليه.

 

د. وجدان الخشاب

العراق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم