صحيفة المثقف

إنّها تمطر الكراميل!

MM80ليس هذا زمن تحقيق الأمنيات!

لم يكن هذا يوم مولدها.. ولا ليلة رأس السنة، بل كان نهاراً صاهداً شديد القيظ واللزوجة.

أمام المتنزه تأتي كل يوم عطلة.. تفترش الأرض الإسفلتية الملتهبة.. تمتد يدها المعروقة من حين لآخر لترتيب كومة علب السجائر أمامها .. أو للعب بها أحياناً أخرى.

كقرص العسل المصفى تستعر الشمس في كبد السماء.. تلتمع آشعتها في حلوى المارشميلو الملونة والتفاح المغطّى بالكراميل في أيدي الفتيات الصغيرات أثناء خروجهن من المتنزه. لم تنظر إلى فساتينهن زاهية الألوان أو حقائب اليد المطرزة التي تحملها الفتيات قبل الأوان.. ولم تكترث لضحكاتهن وصراخهن أثناء اللعب.. وإنما هي حلوى الكراميل التي أخذت بلبّها، وقطراتها الذائبة المتناثرة كأوراق زهر ذهبية كلما تقافزت الفتيات حول آبائهن.

لم تفعل شيئاً سوى أنها ابتسمت لهن.

هنّ لم يبادلنها شيئاً سوى ملامح التقزز من هيئتها الرّثة ووجهها المغبّش وشعرها المهوش.

وعندما رحلن .. رفعت وجهها إلى السماء ونادت:

" ألا تمطرين كراميل من أجلي؟!".

وتكوّمت مكانها.

 

في اليوم التالي.. لم ينتبه أحدٌ لغيابها كما لحضورها.. فقط علب السجائر مبعثرة بلا عين حارسة؛ فلم تتردد بعض الأيدي في التسلل إليها خلسةً لينفّث أصحابها كدر الحرّ.

يوم عاديّ، يتوجه الناس إلى عملهم صباحاً .. تسمّر المارون إثر سماعهم صوتاً في السماء.. ينظرون إلى قرص الشمس العسليّ.. ينتفخ، يتقلص وينزّ منه خيط ذهبيّ محروق يقطّر على رؤوسهم وأنوفهم. يرفعون أكفهم اتقاء السائل الغريب ذي الرائحة النفاذة والملمس الدبق. لم يصدّقوا أن الشمس تسكب عليهم كراميل.. أهي نهاية الكون؟.. هل تنتهي الحياة بطعم حلو ليغسل مرارات عديدة في دفقة عسل واحدة؟.

راحوا يتقاتلون على ذلك الشعاع الخيطي. أخرج الناس أوعيتهم يملأونها.

إنه ليس مكان تحقيق الأمنيات!.

تكاثفت السحب الأرجوانية حتى غطّت السماء بأكملها.. أخذت تتهاطل منها سيول كراميل ساخنة.. لا شيء أشدّ إيلاماً من الكراميل الساخن.

غطى الكراميل المارين بين هاربٍ وجالسٍ ومتقٍ للسائل.. حتى توقف فجأة وأمطرت عليهم السحب صيباً بارداً.. تكلسّ الكراميل .. تحجّر على أصحابه.

ظلت الأجساد حبيسة هيكلها الكراميليّ الباهت.. تتحرك أعينهم من الداخل.. يضيق بؤبؤها كلما تقلص الهواء.

ربما كانوا ينتظرون غفراناً ما أو لا ينتظرون!!.

 

دينا نبيل / مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم