صحيفة المثقف

رسول علوان .. من اقطاب الفن العراقي المعاصر (15)

khadom shamhodاحيانا يكون هناك تقصير او اهمال ونظرة احادية لبعض الفنانين العراقيين الذين خدموا لحركة الثقافية والفنية وكان لهم باع كبير في التعليم والتدريس وتخرج على ايديهم مئآت الطلبة وتركوا بصماتهم العميقة الغراء على الحركة الفنية المعاصرة، ذلك ان اكثرنا مع الاسف عاطفيين لا نحكم بميزان العقل انما بنوازع القلب، فمن له علاقة حب معنا او مع فكرنا نكتب عنه ونقوم الدنيا ولا نقعدها والا فلا .. ورغم ان احدا لم يكتب عن الاستاذ الفنان رسول علوان كما هو حاصل مع الفنانين العراقيين الرواد الا ان ذلك لا يعني انه ليس في قاموس الفن العراقي، فقد كان له تاريخ ساطع ومشرف في تدريس مادة الرسم وتاريخ الفن في معهد الفنون الجميلة منذ عام 1967 .. قرأت قبل فترة عن رسالة او مقالة لناقد عراقي يمدح احد اصدقائه من الرسامين .. (... رسام مكرس للصعب لجماليات تفوق حتى الآن على الذائقة العربية السائدة (ومن اين لها) هذا هو منطق النقد الذي مع الاسف جند لغير الفن .. وهنا انا اتكلم على الناقد وليس على الفنان . وقد وصفهم تولستوي بمفسدي الذوق العام ...

كان رسول علوان استاذا ممتازا، واسع الثقافة تتدفق منه المعارف والافكار كالينابع الفراتية العذبة، كل ذلك نابع من مشاهداته واطلاعاته وثقافاته التي جناها من دراسته في المانيا. وكان مقداما في عمله وتدريسه وجريئا في تقنياته الفنية.

 84-rasolalwan2

حياته الفنية:

ولد رسول علوان عام 1928 في بغداد ’و تخرج من كلية التجارة والاقتصاد عام 1952، ومن معهد الفنون الجميلة عام 1954 ثم سافر في زماله الى المانيا وتخرج من كلية الفنون الجميلة في ميونخ والمعهد العالي للفنون الجميلة في برلين 1958- 1959 // 1959 -1963 -// 1964 ودرس على يد كبار اساتذة المدرسة التعبيرية الالمانية منهم - كارل شمت روتلوف 1884-1976 – وهو احد مؤسسي - جماعة الجسر – الالمانية التي ظهرت عام 1905 وكانت هذه الجماعة اتخذت الفنان ادوارد مونخ 1863 استاذا ونموذجا لها وفي طرازها وتقنياتها الفنية، وهؤلاء همErnest Kirchner، Fritz Bleyl،Erich Bechel، Karl Schmidt : ومن المعروف ان مونخ يعتبر مؤسس المدرسة التعبيرية في الفن يضاف اليه الفنان فان كوخ .. وقد عاش مونخ في المانية فترة من الزمن وعرض اعماله في برلين سنة 1892.. وكانت المدرسة التعبيرية الالمانية لم تكتفي بتسجيل الانطباعات المرئية، والتي وجدت بها نوع من السطحية بل عمدت الى البحث عن ما وراء الاشكال .. وكانت التعبيرية ظاهرة المانية خاصة وسمة ثابتة واساسية في الروح الالمانية .

 84-rasolalwan1كان رسول علوان قد تاثر بهذه المدرسة بشكل كبير وانطبع بطرازها وظهر ذلك في لوحته المعنونة – امرأتان – حيث تظهر في الوان صارخة وتحريف في الشكل من اجل التعبير، وهي تذكرنا باعمال استاذه كارل شمت وكذلك مونخ . وقد اقام رسول معرضا في برلين عام 1963 لاعماله التعبيرية ونال اعجاب الالمان .. وبعد عودته الى العراق اهتم بصيغ جديدة معبره بالقدر الذي يوصل احساسه ومشاعره للمتلقي الشرقي . كما انساق رسول الى الاشكال المختزلة وافسح المجال لالوان حارة حرة ومسطحة وخطوط طلقة وبصيغ تناغمية متأثرا بالبيئة البغدادية بعد عودته من المانيا . وتمثل في لوحته المعنونة – المحلة – وهو ايضا اسلوب تعبيري ناضج . وعلى الرغم تعبيريته فانه ايضا رسم اشكالا ذات خطوط وتكوينات هندسية ظهرت بصيغ لطخات مستطيلة ومربعة وبالوان ساطعة جميلة، وتمثل ذلك في لوحتيه - الزقورة الزرقاء - و- برج بابل –

ولكن ما يؤخذ على رسول هو قلة اعماله الفنية واعطاء كل وقته الى البحث والتدريس النظري لمادة التاريخ في معهد الفنون الجميلة، وكان استاذا حاذقا وخطيبا بارعا تنطلق منه المعارف كالسيل الذي لا يرد لسعة ثقافته ولدقة معلوماته.. وكان يحمل معه حقيبة سوداء ضخمة فيها انواع الكتب الفنية ترافقه اينما حل ورحل وكأنه يحمل معه مكتبه (اليوم هذه المكتبة تحولت الى جهاز صغير يحمله الانسان معه - بورتاتل) ... واثناء التدريس كان يعرض اعمال الفنانين الكبار بواسطة جهاز عرض . ويتحدث بين الحين والآخر عن تجربته وحياته الدراسية الفنية في المانيا . ومن القصص التي ذكرها هي: عندما كنا في درس الالوان كان الاستاذ كارل شمت يمر على الطلبة ليستعرض اعمالهم فاذا رأى شيئا غريبا في اللوحة خاطب الطالب بعصبية: (اقتل هذا اليهودي ..) ويعني تلك اللطخة الغريبة في جسم اللوحة . وهي ثقافة كانت تعيشها المانية في تلك المرحلة الصعبة بعد الحرب العالمية الثانية. .. واتذكر يوما كنت ارسم في حديقة المعهد منظرا طبيعيا، فمر علي استاذ رسول وناداني من بعيد : يا كاظم عندما ترسم تذكر عظمة تشيمابو وكيف كان يرسم - والمعروف ان الفنان الايطالي تشيمابو كان رسام المناظر الطبيعية وكان استاذ الفنان الكبير جوتو Giotto 1266 - ويذكر المؤرخون ان عصر النهضة لم يولد الا عندما بدأ تشيمابو يرسم في القرن الثالث عشر ..

كان استاذ رسول وديعا ومحبوبا من قبل طلابه وكانت لكلماته وتدريسه صدى في ذاكرة الطلبة بحيث نبقى دائما نناقش ما يطرحه من معارف تاريخية في الفن يومذاك . كما ترك في وجداننا حبا كبيرا وفضلا لا ننساه ابدا (من علمني حرفا ملكني عبدا) .. تحية لاستاذنا الكبير والرحمه عليه الى الابد ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم