صحيفة المثقف

"لا يكفي أن تجن بي" .. ديوان الشاعرة السورية المغتربة سلوى فرح كتلة شعرية من الأحاسيس بلغة شفيفة

ahmad fadelلا شيئ كالشعر يبدد المنفى والغربة، هكذا هم الشعراء ناقوس الحس البشري الذي يدق في الكون عله يسمع أصواتهم، وهكذا هي شاعرتنا السورية المغتربة سلوى فرح في ديوانها الجديد (لا يكفي أن تجن بي) الصادر عن دار نشر الفرات في دمشق هذا العام هو كتلة من الأحاسيس جسدتها في خمسة وعشرين قصيدة من النثر الحديث، أولاها " سيد الصمت " وآخرها " اليقين "، وكأن هناك حبل سري يمتد بينهما يتوسطهما وطن مرسوم على خارطتها هو الأب أو الأم أو الحبيب، لا فرق بينهم لأنهم الحدود الآمنة لها التي رسمتها وحملتها معها مذ وطأت كندا كمستقر بديل عن وطنها الشام .

وهي منذ ديوانها الأول " أزهر في النار " تزداد تجربتها الشعرية ألقا فوق ألق ونضوجا أفضى إلى ابتكار معان وصور متداخلة أطرتها لغة شفيفة خالية من الرموز، لكنها تحمل اسم الإشارة فيها لتصنع منها غواية شعرية محببة كما في " سيد الصمت " أولى قصائد المجموعة نقرأ منها:

اقترب أكثر .. أكثر لا تخف

732-slwaفجر جدران كهفك

وأطلق عنان الشوق

ليحلق بنا نحو الفضاء

هناك أهدم جدار صمتك

حتى تقول :

اقتحم لا تخش

على جبين القمر

ولدت لأجل فرحك

نجم حنيني أنتَ

فاصعد على عرشي

اصعد لا تخف

أنا بانتظار صعود روحك إلى جنتي

هل ستراقصني على خيوط الشمس ؟

خارطة فرح الشعرية التي أشرنا لها أول ما حملت هي هذه العاطفة المشبوبة في إشارة لمن تحب حيث تداخلت الصور والمعاني استنطقت من خلالها روحها الملتاعة له في محاولة مبتكرة منها لكسر الجمود الشعري بقوالبه المعهودة وفق مزيج متناغم من الصور الشعرية المفعمة بالموسيقى التي جعلتها مفتاحا لعوالمها قبل أن تتحول إلى خيال جامح لتحلق معه بعيدا عن عالمها المحسوس، قصائدها هذه تذكرني بالموسيقي المجري الأشهر فرانز ليست (1811 – 1886) الذي عمل على تأليف القصائد السمفونية وهي طريقة لم يسبقه إليها أحد نجدها عند شاعرتنا التي تنبهت إليها وأنا أقلب قصائدها فهي واحدة من ابتكاراتها العديدة بعد أن علمت أنها تحمل دبلوما في التربية الموسيقية والفنون أصلا عكست حسها ذاك على عديد قصائد الديوان كما في قصيدتها " قبل أن يؤرقني الحلم " نقرا منها :

ما زال للشمس مهد في روحي

سأسترجع ذاتي

كي يعرش الآس

داليات الحب في قلبي

الندى يقطر منها

لا ترحلي أيتها العصافير

لنكمل ترنيمة الصباح

الحلم يؤرقني

رويدا شقائق النعمان ..

مهلا ياسمين الشام

ما زال للحب بقية

وكما امتلك الشاعر الكاريبي ديريك والكوت (1930- ...) نصه المكتوب كصلاة وليست قصيدة كما يعبر عن ذلك الناقد والمترجم السوري تحسين الخطيب حينما يكتب عن هذا الشاعر بقوله :

" ليست القصيدة لدى والكوت، مجرد كلمات فحسب، بل هي " صلاة " ونداء داخلي حيث يشعر الجسد بأنه يذوب في ما قد رآه، وتصبح " الأنا " مجرد شيئ ثانوي فائض عن الحاجة، تصبح القصيدة – الصلاة هي النشوة التي تجتاح كينونة الشاعر، وتعرج بها وراء التاريخ والمكان واللغة " .

وهكذا نجد نصوص شاعرتنا عبارة عن صلاة وتهجد لوطنها ولكل من تحب كما في أغلب قصائد ديوانها، لكننا اخترنا قصيدتها " وطن اليقين " كاملة عنوانا ومقصدا لما قلناه عنها لاحظ كيف امتزجت فيها موسيقى "فرانز ليست " وصلاة " ديريك والكوت " في مونولوج داخلي قل نظيره بين القصائد، نختتم فيها قراءتنا التي مهما قلنا فيها عن ديوان شاعرتنا المبتكرة سلوى فرح فلن نعطيه حقه، علما أن هذه النصوص كتبت في الأعوام 2012 و2013 في غربتها بكندا ، تقول فيها :

الياسمين يبكي الياسمين

الليل يجلد النهار الحزين

وأنا أميرة شامية لا عرش لي

أرقد كيمامة في حضن الغروب

أرتجف من سيل الشقائق

اغتالوا فضائي عشية أمس

قمري ينتحب

السماء غدت قريبة جدا

لا لون لي .. لا ظل لي

تساقطت عناقيدي

وجف نبيذي

يا قمري الدامع

يعتصرني الحنين إلى تلك الليمونة

الغافية على كتف أمي

إلى خصلات الأكدينا

تغازل العصافير

وهزات الزنبق

في حقول الغيوم الثائرة

أين أنت أيها الحلم ..

سأجسدك رغما عنك

أريد عرشا في زوايا عينيك

كناسك أتعبد فيها

لا تتسع الأرض لي

سأتحول إلى نسر شعاعي

نصفي ملائكة

ونصفي الآخر امرأة

شيئ ما يسحبني نحو السماء والخلود

أين أنت أيتها الملائكة ؟

سأنتزع خنجر الغربة من خاصرتي صارخة

هبيني أجنحتك لأعيد لوطني اليقين

 

كتابة / أحمد فاضل

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم