صحيفة المثقف

مصر الدور المسلوب

ali jabaralfatlawiكانت مصر قبل نكبة حزيران 1967 من أقوى الدول العربية، وكانت القوة التي تخشاها إسرائيل، لكن معادلة التوازن والقوة تغيرت بعد النكبة لصالح إسرائيل، كانت إسرائيل تعد مصرالخطر الأول على وجودها، لذلك كان الهدف الرئيس من حرب حزيران مصادرة دور مصر الريادي في الوقوف بوجه العدو الصهيوني .

تحتل مصر مكانة مهمة في قلب الوطن العربي، وكان لمصر قبل نكبة حزيران دور قيادي وريادي في كثير من المواقف، ولمصر مكانة خاصة في قلوب المسلمين من خلال وجود الازهر كمؤسسة دينية وعلمية لها تأريخ ودور في القضايا الإسلامية، وقضية فلسطين خاصة، واحتلت مصر مكانة ستراتيجية عندما بدأت قناة السويس بالعمل كممر تجاري عالمي، وكانت مصر رائدة للمشاعر القومية العربية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هذه الامتيازات حملت إسرائيل العدو الأول للعرب والمسلمين أن تخطط للعدوان على مصر وسوريا حليفة مصر في العداء لإسرائيل، فكانت حرب الأيام الستة التي خسرت فيها مصر سيناء وقناة السويس وقطاع غزة الذي كان تابعا من الناحية الإدارية لمصر، وخسرت سوريا هضبة الجولان، والأردن الضفة الغربية الفلسطينية، أرى أن اشتراك الأردن في الحرب يثير الشكوك، وربما اشتركت باتفاق مسبق، لأن الأردن لن تخرج عن طوع أمريكا ولن تعادي إسرائيل، ربما دخولها الحرب جاء لمصلحة المشروع الأمريكي الصهيوني، إذ سيطرت إسرائيل على باقي الأراضي الفلسطينية وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، لقد حقق عدوان حزيران 1967 أهدافه، بفضل الدعم الأمريكي للعدوان، وتواطئ الحكام الأعراب مع أمريكا لسلب مصر قوتها ودورها، جاء في أحد التقارير في ذلك الوقت، أن ملك المغرب السابق قدم معلومات استخبارية مهمة إلى إسرائيل قبل العدوان الإسرائيلي، إذ سرّب القرارات السريّة لمؤتمر القمة العربي الذي عقد قبل العدوان في بلده إلى إسرائيل .

بعد نهاية حرب الأيام الستة توفي الرئيس جمال عند الناصر، فخَلفه الرئيس أنور السادات، وفي عهد السادات شنّ الجيش المصري هجوما على الجيش الاسرائيلي بالتنسيق مع سوريا في تشرين 1973، لاستعادة قناة السويس وأجزاء من سيناء، فنجح الجيش المصري في تحقيق هذا الهدف، ولو أنه لم يتمكن من استعادة جميع سيناء، كذلك استعادت سوريا جزءا من الجولان مع مدينة القنيطرة، توقفت حرب تشرين، بعدها بسنوات قام السادات بزيارة إلى إسرائيل عام 1977، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس عربي بشكل علني، لأننا لا ننفي زيارة المسؤولين العرب بشكل سرّي إلى إسرائيل، بعد زيارة السادات عقدت اتفاقية (كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل عام 1979، تبادلت مصر فيها السفراء مع إسرائيل، ورفع شعار تبادل الأرض مقابل السلام، ومنذ ذلك التأريخ الذي أسس له السادات بدأ الحكام العرب إقامة علاقات مع إسرائيل في السرّ والعلن.

في عام 1993 تفاوضت منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في مدينة اوسلو النرويجية وعقدت اتفاقية بين الطرفين، وفي عام 1994 انتقلت السلطة في غزة إلى حكم ذاتي فلسطيني بموجب اتفاق غزة أريحا، ولم تنسجب إسرائيل من غزة إلا في عام 2005 فسلمتها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الآن تحت سلطة منظمة حماس بسبب الخلاف بين حماس ومنظمة التحرير، وللأسف نشاهد اليوم بعض الفلسطينيين يعملون في صفوف الإرهاب في سوريا والعراق ومصر، ونتمنى أن يذهب هؤلاء لقتال الصهاينة ليحرروا وطنهم فلسطين، ويشبه هؤلاء الفلسطينيون بعض سكان المناطق الغربية في العراق التي احتلتها داعش، إذ اصطفوا معها لقتال أبناء جلدتهم ووطنهم، وتركوا مدنهم وبيوتهم نهبا لداعش، وبعضهم ترك داعش تعيث في مدنهم فسادا، وأتوا إلى محافظات الوسط والجنوب بصفة نازحين، ليقتلوا سكان الوسط والجنوب بأعمالهم الإرهابية، رغم ما يقدم سكان الوسط والجنوب من دماء لتحرير مدن هؤلاء المنحرفين، وهذه الحالة سببها شيوع ظاهرة التكفير الذي ترعاه السعودية وقطر وتركيا ومنظومة دول الخليج الأخرى عدا سلطنة عمان التي ترفض فكر التكفير المنحرف .

دخول الإردن حرب حزيران 1967، أدى إلى خسارة الضفة الغربية الفلسطينية، ولم تُرجِع إسرائيل الضفة الغربية إلى الإدارة الأردنية، رغم إتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل وتبادل السفراء عام 1994، السؤال ما جدوى إتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن إنْ لم تقبل إسرائيل إرجاع الضفة الغربية إلى الإردن أو إلى منظمة التحرير الفلسطينية؟

أرى أن عرّاب بناء العلاقات العربية مع إسرائيل هو الأردن، وفي تقديري أن اشتراك الأردن في حرب حزيران جرى وفق اتفاق مسبق مع أمريكا وإسرائيل، لأن حكومة الأردن أداة أمريكية، سكوت الأردن عن الضفة الغربية وعدم مطالبته بها يؤشر على موافقة الأردن بقاء الضفة الغربية تحت الإحتلال، وهذا يوحي أن هناك صفقة مع الأردن، العلاقات الأردنية الإسرائيلية موجودة حتى قبل 1994 لكنها في هذه السنة انتقلت من السرّ إلى العلن، وهؤلاء هم الحكام العرب، يعملون وكلاء عن أمريكا وإسرائيل في المنطقة، ومهمتهم تمهيد الأجواء لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كي ينسى العرب والمسلمون أن فلسطين مغتصبة، ودخل معهم على هذا الخط تيار التكفير الذي أشاع الإرهاب في المنطقة خدمة للأهداف الأمريكية والصهيونية .

منذ اتفاقية (كامب ديفيد) إلى يومنا هذا لم تخرج حكومات مصر المتعاقبة عن مسار تحسين العلاقات مع إسرائيل، وبدأت مصر منذ ذلك التأريخ تعمل باتجاه معاداة الدول والاحزاب والحركات التي تعلن عداءها لإسرائيل وتدعو لمقاومتها، وقد أيد مصر في هذا الإتجاه المحور السعودي القطري التركي، وجاءت أحداث ما سمي (الربيع العربي) وأسميه (الربيع السلفي) أو (التكفيري) المصّنع في دوائر المخابرات الأمريكية الصهيونية وحلفائهم وأدواتهم، جاءت أحداث هذا (الربيع) المزيف لتكريس وتثبيت محور الإستسلام والصلح مع إسرائيل، وبعد أحداث هذا الربيع المصطنع الذي خدعوا به الشعوب، ظهر حلفاء إسرائيل التكفيريون بقوة وفرضوا وجودهم على الساحة السياسية، فأصيبت الشعوب بالخيبة والألم والحسرة، كان من نتائج (الربيع السلفي) السيء الصيت أن استلم جماعة الأخوان الحكم في مصر بمساعدة وتمويل قطر ودعم صهيوني أمريكي تركي، هذا الدعم ساعد جماعة الإخوان للفوز في الانتخابات، إضافة إلى أن الشعب المصري وقع ضحية التضليل الإعلامي من المحور الداعم لجماعة الإخوان، لكن الشعب المصري بعد سنة من حكم الإخوان برئاسة محمود مرسي كشف نوايا وحقيقة جماعة الإخوان من مصادرة للحريات، ومحاولة تغيير آليات الانتخابات والقوانين حتى تؤول في النهاية لصالحهم، وتصفية للأحزاب وحركات المعارضة، وأهم شيء كشفه الشعب المصري علاقات الأخوان مع الإرهاب ودعمهم لبعض الفصائل الإرهابية المنتمية للمنظومة الفكرية لجماعة الأخوان مثل (داعش)، كذلك كشف الشعب المصري العلاقات الطيبة للإخوان مع إسرائيل، وصدور فتاوى التكفيريين بتحريم قتال اليهود الصهاينة في فلسطين، في حين أوجبوا قتال المسلم الآخر المختلف عن توجهاتهم الفكرية سنيا كان أو شيعيا، هذه العوامل وغيرها دفعت الشعب المصري للثورة على جماعة الأخوان المسلمين، فاستغلت السعودية التي تتنافس مع الإخوان في قيادة التكفير في المنطقة حراك الشعب المصري، فدعمت عبد الفتاح السيسي الذي تزعم هذا الحراك، والظاهر أن السعودية ضمنت موقف السيسي في المستقبل .

علينا أن نتذكر أن هناك تياران يقودان التكفير في المنطقة، وهما متنافسان على المصالح والنفوذ، لكنهما يتوافقان ويتفقان على العمل معا في حالة إشتراك الهدف، ومن المشتركات بين التيارين تكفير الشيعة إذ يوجبون قتلهم وسبي نسائهم والاستيلاء على أموالهم، أما السني الذي لا يتوافق مع فكرهم التكفيري يجب هدايته، أي عليه أن يتحول إلى التكفير، وإلّا فهو مرتد يجب قتله، ومن مشتركاتهم التي لا اختلاف حولها تحريم قتال اليهود في فلسطين، لأنهم أصحاب كتاب كما يقول شيوخ الفتوى في التيارين، ويرتبط التكفيريون اليوم بعلاقات جيدة مع إسرائيل، إذ تقدم لهم مختلف أنواع الدعم خاصة في سوريا.

هذان التياران التكفيريان المتفقان على المشتركات والمختلفان في المصالح، والمتنافسان على النفوذ الأول تقوده السعودية، والثاني يقوده جماعة الإخوان المسلمين المدعومين من قطر وتركيا، ولكل خط منظماته الإرهابية التي تمثله، أما أمريكا والصهيونية فإنهما يدعمان كلا الخطين، في تقديري ومن خلال مؤشرات ميدانية أن أمريكا والصهيونية يرجحان هذه الأيام التيار الثاني على الأول، ويخططان لسحب البساط من التيار السعودي بالتدريج، لأن المحور السعودي القائم على الحكم العائلي الوراثي قد تجاوزه الزمن، والمحور الأمريكي الصهيوني يبحث عن بديل يحقق المصالح والأهداف غير الحكومات الوراثية، وفق هذه المعادلة سمحت أمريكا للسعودية بالعدوان على اليمن، كذلك سمحت لداعش بالحراك داخل السعودية لتقريبها إلى حتفها مع حلفائها من دول الخليج الأخرى، وقد صرحت هيلاري كلنتون في كتابها (خيارات صعبة) ببعض هذه الافكار التي عرضناها .

بات معروفا أن التيارين في حالة صراع على النفوذ والمصالح، والسعودية ترفض أن ينافسها أحد حتى لو كان تكفيريا على مركزها في قيادة تيار التكفير في المنطقة، ومن صور الصراع بين التيارين، ما نسمع أحيانا من قتال وذبح بين داعش والنصرة في سوريا، وهكذا جميع منظمات الإرهاب الأخرى فهي تتوزع على هذا المحور أو ذاك، ومن صور الصراع ما شاهدنا في مصر عندما استولى الأخوان على السلطة، إذ دعمت تركيا وقطر حكومة الإخوان برئاسة محمود مرسي، وكذلك أمريكا وإسرائيل دعمتا حكومة الإخوان لأنهم البديل عن السعودية ومحورها، وتعدهم أمريكا اليوم التيار الإسلامي الأكثر اعتدالا من التيار السعودي، طبعا حسب المفهوم الأمريكي عن الاعتدال، لذا رأينا انحياز أمريكا إلى محمود مرسي أكثر من انحيازها إلى عبد الفتاح السيسي لأن الأخير هو الأقرب إلى السعودية، إضافة إلى ذلك تعد أمريكا المحور السعودي قد تجاوزه الزمن وانتهت صلاحيته، مع وجود البديل المقبول الذي له جماهيره في الوسط السني وهم جماعة الأخوان المسلمين.

أما الشعب المصري صاحب المصلحة في الثورة أو ماسمي (الربيع العربي) فقد صُدِم بأداء الإخوان المسلمين بقيادة محمود مرسي، فثار من جديد ودخلت على الخط السعودية، ويشتغل سلاح السعودية في مثل هذه المواقف وهو (الدولار) وبدأت تضخ الملايين منها لدعم عبد الفتاح السيسي الذي وقع في الشراك السعودية، وفعلا نجح السيسي في الاستحواذ على الشارع المصري بدعم من السعودية ومحورها الخليجي، وظهر المحور التركي القطري عدم رضاه عن هذا الحراك، لكن السعودية دفعت بالحراك إلى الأمام، ونجحت في ذلك إذ جرت انتخابات في مصر وفاز عبد الفتاح السيسي بالرئاسة، ومن هنا بدأت تتكشف خيوط اللعبة.

بدأت السعودية وهذه طريقتها في شراء المواقف، دفع ملايين الدولارات إلى مصر، ليس السعودية فحسب كذلك دول الخليج الأخرى كالأمارات والبحرين والكويت، ولم تكتف السعودية بشراء موقف حكومة مصر، بل اشترت موقف الأزهر من خلال شيخ الأزهر (أحمد الطيب) وبدا الشيخ الطيب يعطي المواقف السياسية التي ترضي السعودية، وآخرها هجومه على الحشد الشعبي في العراق، لكن موقف الشيخ الطيب لا يعكس موقف جميع شيوخ الأزهر بل هناك الكثير من الشيوخ الذين يرفضون التكفير ويرفضون بيع المواقف، وأذكر منهم الشيخ (أحمد كريمة)، والشيخ حسن الجنايني الذي خاطب الحشد الشعبي ((ستنتصرون لأنكم أبناء الحسين وعلي عليهما السلام والمجاهدين الأحرار)) ، أما الشيخ (أحمد كريمة) فقد أبعد من الأزهر بسبب مواقفه الفكرية التي لم تعجب السعودية، وبذلك صار الأزهر تتقاذفه الأهواء السياسية، مرة الأخوان المسلمين وأخرى السعودية.

اليوم موقف الحكومة المصرية برئاسة عبد الفتاح السيسي رهين الإرادة السياسية في السعودية، لأن الثمن مدفوع مسبقا، وعندما شنت السعودية عدوانها على اليمن، لا يستطيع السيسي إلا أن يعلن تأييده للعدوان، وهذه سابقة خطيرة في تأريخ السياسية المصرية أن تكون رهينة بيد إرادة سياسية خارجية، وبهذا الموقف من السيسي، وموقف محمود مرسي قبله، بقيت مصر مسلوبة الإرادة، وفاقدة لدورها العربي والإسلامي الريادي الذي كانت تتمتع به قبل عدوان حزيران 1967 م ، وبقي الشعب المصري مصدوما بسبب الدور المسلوب لمصر، والمستفيد الوحيد من كل هذه الأوضاع الشاذة هي إسرائيل، فأي الخطين التكفيرين السعودي أو القطري التركي الأردوغاني ينتصر هو في خدمة الأهداف الأمريكية والصهيونية، أما الشعوب فإنها تتطلع كي تستعيد مصر دورها الذي سلبته إرادات خارجية لا تخدم مصلحة الشعب المصري.

 

علي جابر الفتلاوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم