صحيفة المثقف

الفيلسوف تشومسكى

ibrahim telbasilkhaعرف أفرام نعوم تشومسكى Avram Noam Chomsky بآرائه السياسية حول قضايا الاقتصاد والتجارة والنظام العالمى الجديد الآخذ بالبزوغ . ففى حديثه عن نظام التجارة الدولية ذهب إلى أن الولايات المتحدة تدعو إلى إطلاق الخدمات وتحريرها فى العالم الثالث، الأمر الذى يكون له الأثر الفورى فى إغراق وغمر بنوك العالم الثالث، ومؤسساته المصرفية كلها من قبل البنوك والمؤسسات الغربية باعتبارها أكثر غنى وأكبر قوة. وهذا سيؤدى إلى إزالة إمكانيات وجود أى برامج تنموية صناعية وطنية فى العالم الثالث. وهذا ما تؤيده الولايات المتحدة وتقف بجانبه، وهو يعنى أن اقتصاديات العالم الثالث سوف تتم إدارتها من قبل البنوك الغربية.(1)

وفى حديثه عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن يقول أن الولايات المتحدة كان لها دائما صوتان تلقائيان فى مجلس الأمن وعادة ثلاثة أصوات. فبريطانيا تابع مخلص لأمريكا، أما فرنسا فتقوم بشىء من الضوضاء ولكنها تتعاون فى النهاية، وبذلك فإن الولايات المتحدة كانت تمتلك ثلاثة أصوات من أصل خمسة . ومع انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح لعا أربعة أصوات، إذ أصبحت روسيا تابعا أكثر ولاء من بريطانيا، أما الصين فهى تعتمد كثيرا على التجارة الأمريكية، وهى فى الغالب تأخذ موقف الامتناع، وهذا يعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تضع مجلس الأمن فى جيبها .(2) وقد عمل ذلك، وبشكل قوى جدا، على تقويض أى شكل من أشكال استقلال العالم الثالث . فالولايات المتحدة قوة عالمية تقوم بالتدخل فى كل مكان : جنوب شرقى آسيا، الشرق الأوسط، أمريكا الوسطى وفيتنام، وفى أماكن أخرى لا يوجد لها مصلحة تقليدية فيها. ولذلك تجدها دائما تتخذ مواقف مرعبة إلى أبعد حد لتضمن أنه ما من أحد يقف فى الطريق . وهذا ما يجعلها تسعى إلى وجود ما يسمى ب " المظلة النووية " : قوات ذات أسلحة استراتيجية قوية لإلقاء الرعب فى قلوب الناس .....الخ . (3)

ومهما يكن من أمر فإن أراء تشومسكى السياسية وخاصة نقده الصريح لمواقف أمريكا هى التى أكسبته شهرة واسعة بين المفكرين المعاصرين، هذا فضلا عن مكانته البارزة بين علماء اللغة وفلاسفتها .... لذلك يرى جون ليونز أن نظرية تشومسكى اللغوية وفلسفته السياسية لا تنفصل إحداهما عن الأخرى كما قد يبدو للوهلة الأولى . فهو يؤكد أن اختلاف الإنسان عن الحيوان والآلة لابد أن يؤخذ فى الحسبان سواء فى العلم أو الحكم والسياسة. وهذا الرأى هو الذى يكمن خلف فلسفته اللغوية والسياسية ويوجد بينهما، ومن ثم فإن فلسفة تشومسكى هى فلسفة إنسانية لأنها تجد استجابة تلقائية فى نفوس الذين يؤمنون بالإخاء الإنسانى ونبل الحياة الإنسانية وكرامتها .(4) ثم إن تشومسكى أساسا هو فيلسوف وعالم لغوى أمريكى ولد فى عام 1928، وعين – بعد حصوله على درجة الدكتوراه – أستاذاً لعلم اللغة واللغات الحديثة فى معهد ماسا تشوستس للتكنولوجيا Massachusetts institute of technology ومن أعماله الرئيسية فى حقل دراسة اللغة:

1-" التراكيب النحوية " عام 1957

Synactic structures ( 1957 )

2-" جوانب من نظرية النحو " عام 1965

Aspects of the theory of syntax ( 1956 )

3-" علم اللغة الديكارتى " عام 1966

Cartesian linguistics ( 1966 )

4-" اللغة والعقل " عام 1968

Language and mind ( 1968 )

5-" التركيب المنطقى للنظرية اللغوية " عام 1975

The logical structure of linguistic theory (1975).

6-" خواطر حول اللغة " عام 1975

Reflections on language ( 1975 )

7-" اللغة ومشكلات المعرفة " عام 1988

Language and problems of knowledge ( 1988)

8- " مشكلات المعرفة والحرية "

Problems of knowledge and freedom

وبهذه الأعمال وغيرها أصبح تشومسكى من أبرز اللغويين             المعاصرين وأكثرهم عمقا وأصلة فى المسائل اللغوية .. فالموقف           الفلسفى العام الذى اعتنقه فى علم اللغة، والنظريات التى نشأت عن أفكاره ومذهبه ومؤلفاته المنشورة قد شغلت كثيراً من العقول الأكثر نشاطا وتفكيرا فى علم اللغة على مدى الثلاثين عاما الماضية . (5)

لهذا يقول جون ليونز : " أن نظرية تشومسكى النحوية تعد بلا شك أكثر النظريات اللغوية حيوية وتأثيرا بحيث لا يستطيع أى عالم لغوى يريد أن يساير التطور فى علم اللغة أن يتجاهل وجود هذه النظرية، بل لقد أصبحت كل مدرسة لغوية الآن تحدد موقفها بالنظر إلى تشومسكى فى قضايا لغوية معينة" (6). ويقول سمبسون فى كتابه " مدارس علم اللغة ": "أنه يجب على دارس للغة أن يحدد مجالات بحثه فى ضوء فكر تشومسكى اللغوى" . (7)

فلقد ثار تشومسكى على علم النفس السلوكىbehaviorist psychology وأكد فى دراسته للنحو أن استعمالات اللغة تنطوى على مقدرة إبداعه أو خلاقة لإنتاج وفهم عدد لا متناه من الجمل الجديدة . بمعنى أن اللغة تتميز بقدرة عجيبة على ابتكار جمل جديدة لم يسبق إليها أحد من قبل، وهذه القدرة موجودة فى مخ كل متكلم أو عقله . وعلية فإن دراس.(8)     

وتأثر تشومسكى فى دراسته لعلم اللغة بالموقف الفلسفى خاصة بتلك الخلافات القائمة بين التجريبيين والعقلانيين، وذهب إلى أن البنى التحتية للغات متشابهة وأننا نولد بالضرورة مزودين بمعرفة عن تلك القواعد العامة .(9) أى يكون لدينا معرفة فطرية بتلك القواعد أو الأسس العامة التى تحكم تركيب جميع اللغات .

ولتوضيح ذلك يركز تشومسكى فى مؤلفاته على دراسة طبيعة اللغة وعلاقتها بالعقل أو الفكر ومسألة اكتسابها أو تعلمها، وخاصيتها الإبداعية، وقواعدها العامة، وبنيتها السطحية، وبنيتها العميقة .. الخ.

 

ا.د. ابراهيم طلبه سلكها

رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة طنطا

مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم