صحيفة المثقف

فعاليات للنحت وتشكيليون من العالم وبرنامج ثقافي وفني وترفيهي

778-aouniالمحرس تنسج فضائها البيئي .. هذا هو شعار الفعالية حيث تنتظم الدورة 28 للمهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس من 23 جويلية الى غاية 03 أوت بدعم من المندوبية الجهوية للثقافة بصفاقس .. وتخصص فعاليات هذه الدورة للنحت بعد أن كانت الدورات السابقة متنوعة في عناوينها ومحاور ندواتها ..

المحرس المدينة والناس والذاكرة .. تستعد للاحتفاء بفعاليات الدورة الجديدة للمهرجان حيث تخصص جانبا من أنشطة هذه الدورة للمجالات الفنية والجمالية المعهودة للمهرجان. ويشارك في الدورة عدد هام من الفنانين التشكيليين والنقاد ونشطاء الفن من عديد البلدان العربية والأجنبية من تونس- ليبيا- الجزائر- المغرب- العراق- لبنان- فلسطين - الاردن - سوريا - مصر - السودان وبلدان غربية وهي فرنسا وايطاليا واسبانيا .. .و غيرها ..

الفن التشكيلي .. هذا هوالعنوان الكبير لفعالية المحرس التشكيلية الدولية والسنوية التي تتواصل بعد رحيل باعثها الفنان الراحل يوسف الرقيق لتحتفي به عبر التذكر والابداع المفتوح على الود والابتكار والجمال بين احضان الساحرة .. التي نسميها المحرس .. في تناسق وتفاعل وجداني وثقافي يعمل عليه الفاعلن التقليديين السيدان محمد قدوار واسماعيل حابة وعدد من الحريصين على تألق ونجاح الفعالية التي تملك شهرة عالمية بين المهرجانات الشبيهة والمتخصصة في الجماليات ..

منذ حوالي ثلاثة عقود .. .. انطلق المهرجان .. لتظل آثار الرسامين والنحاتين والحرفيين عالقة بالذاكرة .. ذاكرة المكان الحيّة والمتحرّكة .. . هكذا هي الحال في المحرس. هذه المدينة التي ترقب البحر بعينين من جمال وودّ .. .

هي الدورة 28 بكثير من الحيوية .. حيوية الرسامين وعموم التشكيليين .. حيوية الألوان والمواد من حديد وحجارة ورخام .. لقد تحولت المحرس خلال اكثر من ربع قرن الى ورشة عالمية للإبداع .. للقول الجمالي .. لحوار النظر واللّمس والتذوّق .. .. .في الدورة احتفاء بالنحت والنحاتين و.. .

في الدورة الفارطة كان الاحتفاء بالأطفال وبفنان منهم ومنغزة الصامدة وكذلك ببول كلي .. .حيث أن المنابر الفكرية التي شهدها المهرجان تركّزت مداخلاتها حول علاقة بول كلي بفن الأطفال وهوالذي كان يدمج رسوماته وهو طفل في أعماله الفنية الى جانب مباحثه في رسومات الاطفال ومحاولة التماهي مع لغتها البصرية ومدلولاتها التشكيلية والحسية. في هذا الاطار كانت منابر المهرجان تحت عنوان «بول كلي المولود الجديد الدائم» حيث قدم عدد من الضيوف مداخلات في هذا الشأن نذكر من بينهم رشيد (العراق) ايمانويل بوتاي (فرنسا) ماريا بالايا (رومانيا) معز سفطة ورؤوف الكراي وخالد عبيدة من تونس .. .

نذكر المحرس فتتراءى لنا أعمال جمّة تركها أصحابها هناك .. هنا .. شاهدة على المكان بل دالة عليه .. الحصان في مكانه .. المرأة التي أمسكت بالفرشاة لترسم من أعلى السّلم شيئا غير مكتمل بل غير مرسوم .. الى غير ذلك من التنصيبات والخامات والأجسام .. هكذا إذن .. يحق لمدينة المحرس أن تفخر بنجاحها في لم شمل العائلة التشكيلية والفنية .. . جاؤوا من جهات الكون .. تقودهم فكرة باذخة .. القول بجمال العناصر والأشياء رغم حرقة الأسئلة وألم الكينونة ووجيعة الدواخل .. الفن في مواجهة التنميط وعولمة كلّ شيء .. الاقتصاد .. الثقافة .. الأشكال .. الوجوه .. وكل ما هوحميمي وخصوصي .. هكذا إذن تكلّم الفنانون على اختلاف ملامحهم بصوت واحد .. المجد للانسان ينحت غده بكثير من الشجن والحلم والأغنية .. وما اللون في النهاية إلاّ ذاك العزاء الجمالي الذي نلوذ به في هذا الكون .. وفي هذه الحالة، كانت تونس/ المحرس مفردة تشكلية أخرى لابدّ منها .. هي أرض عمّار فرحات، الحبيب شبيل، نجيب بلخوجة، الخياشي والضحاك .. عبد الرزاق الساحلي .. يوسف الرقيق وغيرهم .. جاء الرسامون والفنانون من بلاد بعيدة وأخرى قريبة .. جاؤوا من المغرب والجزائر وليبيا ومصر وسوريا والأردن واليمن والبحرين ولبنان والسعودية والكويت والعراق وفرنسا والسويد وألمانيا والنرويج وايطاليا وكوريا ورومانيا وتركيا وصربيا وسويسرا وفنزويلا وكولمبيا واليابان والكامرون .. .

إنّه بحق، مؤتمر الجمال العالمي حيث صخب الألوان والحوار الكامن في المتعة التي لا تضاهى .. متعة الحواس .. ومن تونس كان الحضور مهمّا لعدد من الفنانين من مختلف التجارب والتلوينات والتيارات في هذه التظاهرة التونسية .. العربية .. الافريقية .. والعالمية .. انها رحلة التذكر في رحاب الاصدقاء .. .

في دورة سابقة تم (على سبيل العرفان والجميل) تكريم المرحوم يوسف الرقيق حيث تبرز اللوحة العملاقة التي انجزها الفنان والمعلم في البورتريهات علي البرقاوي .. بورتريه مغاير يلمس فيه الناظر تلك النظرة والابتسامة ليوسف الرقيق وهو يتابع المهرجان ويلقى الاصدقاء والاحبة والضيوف .. انها الحياة .. لقد تحولت المحرس إلى واحة من التلوينات والأعمال التشكيلية العالية حيث نذكر المعرض الكبير لأعمال المسيرة .. مسيرة28 سنة من الإبداع .. لقد برزت ألوان زرقاء ساخرة متدرّجة في مربّعها لأندرس ليدن كما شاهدنا دقائق التشكيل في عمل للفنان عادل مقديش ضمن خصوصيته الفنية أيضا هناك أشجار وكائنات لكاسي كاليدو .. زجاجيات يوسف الرقيق وأسطورة الألوان والبلور .. خرائط الدهشة الزرقاء لرضا بالطيب، تجريديات صفراء لردا تزانكوفا، صمت الخطوط في باحة الأزرق للهادي ا لتركي، عوالم علي رضا الشرقية ، نساء عزالدين بن عمر وأحوال المدن الشرقية ، معمار عمار علالوش وألوان الجزائر، منسوجات القماشة واللون لجونكوام .. هكذا عرضت أعمال كبرى لتحكي مسيرة مهرجان عبر حضور ضيوف مهمين في المشهد التشكيلي العالمي .. .

منابر المهرجان فكرة أخرى تتواصل مع الحوار المفتوح والنقاش الصّريح حول كل ما يتعلّق بالفن والانسان والقيم.

الدورة واعدة يحضر فيها الطرب كما يحضر فيها الجانب الترفيهي للضيوف للتعرف على جمال المحرس وما جاورها .. والشعر .. وما يمكن أن يوحي به من جمال وعمق انساني وأصالة وحياة .. . وألوان أيضا ..

لقد ظلت مدينة المحرس وطيلة سنوات المهرجان الدولي للفنون التشكيلية حديقة مزدانة الألوان مفتوحة على أطياف الجمال ومشتقاته ذلك أنّ العدد الهام من الفنانين العرب والعالميين الذين سبق لهم أن شاركوا في هذه التظاهرة العالمية جعل الأعمال المتروكة والمنجزة في المحرس من القيمة بمكان باعتبار الأسماء وتجاربها ومنجزاتها في قطاعات الفنون التشكيلية بصفة عامة.

الآن .. . يمضي المهرجان الى دورة جديدة .. . ويبقى الصدّى .. اللوحات .. المنحوتات والتنصيبات والمسافة الفاصلة بين الجنان والبحر .. بين الزرقة والخضرة .. إنّ الفن عادة جامع ألوان وثقافات ورؤى وهذا ما حصل مع المحرس هذه المدينة التي آمنت بالحلم وجعلت منه حكاية لأطفالها وللعائدين من الغربة بعد أشهر من العمل وللكهول والعجائز الذين خبروا منطق المحرس المأخوذ بأبجدية اللون.

هكذا هي المحرس .. تدخلها فتأخذك الألوان والأجسام التشكيلية إلى واحة من خيال وعلى إيقاع البحر في هذا الصيف التونسي الجديد، يمرح الأطفال في حدائق المنتزه الذي تزينت أرجاؤه بأعمال رائقة فيها حركة الحصان في جموحه والبنت التي تصعد السلم لترسم شيئا في الهواء والباب المفتوح على شارع الناس .. . هؤلاء الناس الذين يمعنون النّظر في هذه الأعمال ويلتقطون لها صورا للذكرى وللإيغال أكثر في عوالم الفن التشكيلي بعيدا عن ضجيج الحياة.

السيد محمد قدوار رئيس المهرجان يقول وككل دورة بحب وحرص على النجاح .. بخصوص هذه الدورة " .. لكل مهرجان نقاط الضعف والقوة نحاول فى كل دورة التقييم والأخذ بما يدعمنا ويزيد من اشعاع المهرجان وتطويره .. الدعوة مفتوحة لكل الاصدقاء لزيارة المحرس فى هذه الفترة وكذلك لدفعنا لمزيد العمل والابداع .. ".

هذا المهرجان جعل من مدينة المحرس الصغيرة والواقعة على البحر، قلعة من قلاع الفن التشكيلي في هذا العالم المرتاب وسريع التغيرات والتحولات بل والذي يعيش على ايقاع الصراعات والحروب وما يتهدد البشرية، ولا سيما من عولمة تكاد تأتي على كل شيء قتلا للخصائص والهويات ومنها الثقافية.

أضفت الدورات السابقة ضربا من الجمال والسحر علي المدينة وضفاف شاطئها من خلال منجزات تشكيلية: خزف، تنصيبات، منحوتات، أنجزها عدد من الرسامين والفنانين العرب والعالميين ومنهم الهواة وطلبة الفنون، مما جعل حدائق المحرس تبرز في أبهي حللها لتعانق العالم عبر عصارات التشكيليين العالميين الذين وفدوا اليها من جغرافيا مختلفة.

المشاركات في الدورة متنوعة ونجد رسامين وفنانين من عديد البلدان العربية والاجنبية ..

المحرس تظل المكان والمكانة حيث عطور الألوان وموسيقى المساءات والأفكار الفنية تبتكر تفاصيلها بين منتزه الجواهر .. والجواهر هنا تلك الأعمال المنبثقة من تربة تحاذي البحر يمرح فيها الأطفال الجدد .. وبلا ذاكرة .. سوى ذاكرة اللون والكلمات .. .. .

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم