صحيفة المثقف

السردية التعبيرية

anwar ghaniالسرد لا بقصد السرد، السرد الممانع للسرد، السرد لا بقصد الحكاية والقصّ، السرد بقصد الايحاء والرمز ونقل الاحساس والعاطفة، هذه هي (السردية التعبيرية) .

لقد صار واضحا انّ السردية التعبيرية مقوم أساسي لقصيدة النثر المعاصرة ذات الكتلة النثرية الواحدة (One block)، حيث ينبثق الشعر من رحم النثر ويحصل الشيء العجيب، بسرد واضح قريب مليء بالايحاءات والرموز والاحساس، كتلة نثرية ما إن تصل القارئ حتى تتحول الى كم هائل من الايحاءات والدلالات والرموز والعواطف والاحساسي، مخترقة موطن الشعور والاحساس بالجمال.

 

الشعر التصويري والشعر السردي

مما لا شك فيه ان الشعر والى فترة قريبة كان معتمدا في قوامه على عنصرين مهمين هما المجاز والصورة الشعرية،فبعد تخلي الشعر عن الموسيقى الشكلية والاوزان برزت الصورة الشعرية والمجاز كمميز ومعرف للشعر .

ببروز الشكل المميّز لقصيدة نثر ما بعد الحداثة بالكتلة النثرية الواحدة وخصوصا في القصيدة الامريكية المعتمدة على السرد،اصبحت وظيفة المجاز كمحور ضعيفة، وصارت الصورة الشعرية كمقوم للشعر في وضع اهتزاز وحرج، بل ان مظاهر تخلي الشعر عن الصورة الشعرية صار واضحا.

اذن بالسردية التعبيرية يدخل الشعر مرحلة جديدة وتجديدية حقيقية وذلك بالتخلي عن الصورة الشعرية والتقليل من مركزية المجاز فيه، وبروز السرد التعبيري كمظهر وعنصر ومعرف شعري .

من المهم التأكيد اننا هنا لا نتحدث عن الجمالية التي هي شيء اخر عن الفنية بل نحن نتحدث عن الفنية وعن الشرط الذي يجعل الكلام المعين شعرا . ببروز السرد التعبيري لم تعد الصورة الشعرية هي الشرط في تعريف الشعر، ودخل مقوم اخر ومعرّف اخر هو السرد التعبيري . ومن هنا فبدل التمييز القديم بين الشعر الموزون وشعر النثر، صار الان تمييز اخر هو الشعر التصويري والشعر السردي، يعتمد الشعر التصويري على الصورة الشعرية بينما يعتمد الشعر السردي على السردية التعبيرية .

 

قصيدة النثر بالكتلة الواحدة وقصيدة النثر الحرة

بالسردية التعبيرية، صار وجه القصيدة اكثر نثرية، وصارت الرغبة ملحة بالكتابة بلغة واضحة سهلة بلغة يومية، وبالنثر اليومي، الا ان وسط هذه السهولة والقرب والنثرية والسردية، وبفقرة واحدة متصلة من دون تشطير، تحدث الشعرية ويتحقق الامر العجيب، فما ان ينفتح الصندوق الخشبي الا ورأيت الجواهر فيه، انه الشعر في قلب النثر انه الشعر في داخل النثر، هذا الشكل المتميزة بمقطوعة نثرية واحدة من دون تشطير ولا ابراز للنَفَس والسكونات اللفظية . وبهذا تختلف عن القصيدة الحرة التي تعتمد على التشطير والشكل المعهود .

 

السردية التعبيرية والسردية القصصية

ان ما يقابل الشعر هو النثر وليس السرد كما يعتقد البعض،السرد يقابله التصوير، والشعر حينما يكتب بشكل نثر فانه بالنهاية سيكون شعرا، والمميز بين النثر والشعر ليس الوزن كما هو معلوم، ولا الصورة الشعرية والمجاز العالي كما اثبتته قصيدة النثر السردية بالكتلة النثرية الواحدة، انما المميز بينهما ان الشعر يشتمل على السردية التعبيرية ولا يقصد الحكاية او التوصيل، بينما النثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي بشكل خطاب ورسالة. بمعنى اخر ان الفرق بين الشعر والقص واللذين يشتملان على السرد، ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية والوصف ولو خيالا،بينما السرد في الشعر تعبيري هو سرد لا بقصد السرد هو السرد الذي يمانع ويقاوم السرد،انه السرد بقصد الايحاء والرمز ونقل العاطفة والاحساس لا الحكاية والوصف.

 

السرد الشعري والسرد التعبيري

قصيدة القصة قديمة وتمثلها الملاحم وقد توصف ايضا بمصطلح حديث بالقصيدة السردية، وهي من مظاهر الشعر السردي ومثله النظم الذي يحكي قصة، اما السرد الشعري فغالبية هذا الوصف هو للنثر الذي يطعم بتقنيات سعرية من مجاز ونحوه للعذوبة وهو نثر في النهاية وقصة،و استعمل مصطلح السرد الشعري للتعبير عن سردية القصيدة المعاصر، الا ان هذا الاستعمال غير جيد مع النظر لاستعمالها الاول في السرد الحكائي المنظوم، بل السردية في قصيدة النثر هي السردية التعبيرية بقصد الايحاء لا الحكاية .

 

قصيدة نثر الحداثة وقصيدة نثر ما بعد الحداثة

يينما لازمت قصيدة نثر الحداثة العطاء والريادة الفرنسية وخصوصا برتران وبودلير وتأثير الرمزية والتصويرية بقصيدة نثر حرة، فان قصيدة نثر ما بعد الحداثة تجتلت بالابداع الامريكي وخصوصا رسل ادسن وسيميك، بالسرد التعبيري الواضح والقريب بكتلة نثرية واحدة.

 

 

د أنور غني الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم