صحيفة المثقف

شاعر الامس قناعا عند الشعراء العراقيين

sadam alasadiتفنن الشعراء المعاصرون في انتقاء أقنعة تميزهم عن غيرهم ومبتكرين أقنعة بغية التستر اولا والاختفاء ثانيا،فالشاعر الأمس غاب ظله ولم يغب دوره فعاش رمزه في ذهنية المتلقي وقد اسرع المعاصرون بلم الشظايا المفتتة من تلك الأقنعة وحفروا قرب الساقية قناعا يكفل لهم خوفا منشودا وذبحا على مقصلة السياف هاربين الى تاطير القناع، وأولهم الشاعر يوسف الصائغ في قناعه (اعترافات مالك بن الريب) وثانيهم عبد الأمير الحصيري (مذكرات عروة بن الورد)وثالثهم محفوظ داود سليمان(يوميات طرفة بن العبد) ورابعهم حسب الشيخ جعفر (يوميات أمرئ القيس في بيزنطة) وقد جسد بعضهم أفكاره في أكثر من قناع وهذا ما نراه يشتت بفهم افكاره ويفقدها القيمة الفنية التي تحيط بدائرة التوليف الفني والفكري خللاً على مستوى القناع .

ومن الشعراء الذين أجادوا في رصد القصة التاريخية وتحويلها إلى رؤية فنية الشاعر سامي مهدي في قصيدته (خبر لديك الجن) والقناع الذي أراده سامي شخصية شاعر توفى 235 وقد عده النقاد استاذا ً لأبي تمام وقد اشتهر بديك الجن برثائياته لزوجه التي قتلها ظلما

رأيت ابنتي في حلب

خرجنا إلى السوق كانت معي

قتلت ابنتي في حلب

لقد كان في يدها وردتان

وكان عبد الأمير الحصيري صاحب موقف متازم مع شاعره عروة حين اطلق قناعه على ذاته

أنا عروة الورد

شيخ الصعاليك

منذ ابتداء الزمان

وقد اتكأ بعض الشعراء على شخصية ثالثة هي (طرفة بن العبد) قال الشاعر محفوظ في مجموعته (يوميات طرفة بن العبد)

أنا ربيب الكأس والزمان والفيافي

اسكر في قصيدتي أنام في مطلعها أمزق القوافي

في داخلي الاخر يستقي الصدى والشيطان يخترق الجحيم والاعراف او ينادم النيران

انا ربيب الكأس والندمان

هرمت في البيداء بالأخبار من لم تزود

ان الشاعر محفوظ ينهل من لسان طرفة بيته المشهور (ويأتيك بالأخبار) وهو يطرحه عل لسانه محاورا ً ذاته .

وقد أفاد الشاعر ثامر سعيد آل غريب من تجارب هؤلاء فانتقى عنوانه (حدثني الملك الضليل) والضليل كما نعلم لقبا ً للشاعر الجاهلي امرؤ القيس الرجل الذي ظل تائها ً باحثا ً عن ثأر ابيه قائلا ً (اليوم خمر وغدا ً امر) حتى وقع السيف مع قبيلة اسد فقتل العديد من رجالاتها .

ولعله يخفي خلف هذا القناع سرا ً مفاده ان من يملك السيف يملك السلطة معتبرا الى شخصه شعرت بالبطش القبلي بحجه الانتماء الى القبيلة حتى باتت لدى ثامر حالة البطش السياسي لم تقف عند حد المروق بل الاختناق قائلا ً

وحدود الرمل لا تفتح إلا بجواز عبور

يؤكد من خلال القناع مسارا بركانيا دالا على التمرد في القصيدة ظاهرا على لسان الشاعر

فدماء أبي ما زالت تستصرخ في دمي الثأر

ولم يكتف الشاعر ثامر بقناعه ألشاعري (البطل النموذجي) بل تعدى إلى رصف مجموعته بأقنعة منوعة منها الدينية (يوسف / قابيل)والأسطورية (انكيدو/ يانو/عشتار/ بابل) والطبيعة جاءت قناعا   مركزا فيها على نهر (شط العرب) والنخلة البصرية والنوارس قائلا:

طوبى لزهوك شط العرب

بأنهم ينبتون على ضفاف شط العرب

أيها النابع من قلبي والمسكوب فيه

النوارس التي تعمد نفسها في مائك

وادري أن القصيدة التي لا ترتوي منك تبقى ظمأى

ولم يكن ثامر أول من اختار تلك الشخصية قناعا بل سبقه عام 1988الشاعر حسب الشيخ جعفر في قصيدته (يوميات أمريء القيس في بيزنطة)ضمن مجموعته الشعرية(حنو الزوبعة) ولم يكن ثامر أول من اختار شخصية يوسف فقد سبقه شاعر البصرة الفنان محمد سعيد الصكار في قصيدته (يوسف في غيابة الجب) والذي انفرد به ثامر قضية الأداء الصوتي والمحاورة الفردية بل المنولوج الداخلي الذي يشخص شخصية الشاعر الأول المعني به ذاته، ولم يعتمد ثامر على تدوير قصيدته ضمن سردية أفقية بل استخدم أسلوبا تحقيقيا يفصل بين المقاطع (قد اغمض – قد طاش) ولعلي اذكر القارئ بقول ايليوت (ان التراث اغلى ممتلكات الشاعر التي يجب ان يحافظ عليها،والتي يستمد منها جزءا من نفسه وعليه ان ينمي بابتداعه لأسلوبه الفني الخاص ويكون سيد ما ابتدعه وخادمه في آن معا)

ولا ادري ما جديد ثامر سعيد وهل هناك شيء مخفي عن الملك الضليل ونحن على اطلاع بين لما كابده وكيف انتهت رحلته ميتا ً بسم القيصر ودفن في جبل عسيب (اجارتنا ان المقام عسيب) وحين نتصفح كل المجموعة فلا نجد مفتاحا ً يرمز اليه هذا القناع مهما قلبنا العبارات وتداخلنا في خضم رموزها وجمعنا الشطحات المتباعدة والعبارات التي تحولت الى لاصقات متباعدة تنقل ما شئت وتضعه خلف وامام هذا المقطع في بداية القصيدة، وسطها، خاتمتها اينما شئت عدا قصيدة واحدة كانت عين القلادة في المجموعة كلها وهي (ضفاف)

وكان بإمكان كل واحد لم يكن شاعرا ً ان يجمع الماسة والنجمة والملح الذائب ويسطرها في عبارات متباينة ويسميها شعرا ً خاليا ً تماما ً من البناء والنشيج المترابط زد الى ذلك تلك التقليدية المتأثرة بيوسف الصائغ في (اعترافات مالك) واليوتوبيا الفائضة من ديوان ذي النون الاطرقجي (الترجل عن صهوة البراق) وكأني اشم به حسرات مظفر النواب ولا ادري هل يظن ثامر بأن الوحدة العضوية او التنامي العضوي قشرة لغوية فيتيه في عالم القدحات فلا بد من كيان ولا بد من تجانس فمن تلك القصائد والمقاطع .

فمن تلك اللاصقات المزروعة داخل جسد القصائد (رسيس الرغبة للشطآن) وقد وجدته في مجموعة خطية النائب (رسيس الحب) واستف من الرمل وهذه لغة الدكتور مصطفى جمال الدين والترجل عن صهوات قروحي عنوان لمجموعة ذي النون (اترجل عن صهوة البراق) وغيرها مثل (سيل القطر، تتار العصر، طرق النجاة) ولا نكن بعجالة ونعترض على ما سمعت مني زد الى ذلك التناقضات الفكرية التي حملتها المجموعة بين رفض البداوة (ابحث عن خالي كليب) والخروج عن دوائرها ثم الانتماء اليها في نص اخر بنهايات غير متوقعة لا تقف على منطق مقلوب مضاد كأني اقول لكم (الصياد يتشبث بالطير خائفا ً) والمراد العكس فأنظر قوله:

حين تصير جيشا ً لقبلات الشمس التموزية

 

د. صدام فهد الاسدي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم