صحيفة المثقف

أحضان ساتي

sardar mohamadمن أرض لا يسمح بها للبشر إلا أن يكونوا كالجذور تولد في الطين وتعيش في الطين وتموت في الطين

هرب

ولوقدّر له أن يكون غصنا فلن يجد غير الفضاءات التي لوثها الساسة بالكلمات الرخيصة

سيهرب أيضاً

وكان بوده لويرى الأعالي ويعيش فيها كالطيور المهاجرة التي تمر فوق منزلهم قاصدة المستنقعات

تطير ولا شيء به تلطم وأجنحتها نقية الأطراف فإن ضاقت بها الأرض فلا يضيق بها الهواء

بيض تسري كما الشهب في الظلام

أوكما الطرز في أثواب الحسان

وإذا مرت فوق المروج تراقص العشب لخفق أجنحتها كأنها تغازلة ويغازلها .

لكنه لم يكن أكثر من دجاجة لا تحلق إلا لأمتار وربما سطح الدار.

وهناك قفزت جارته المراهقة السياج الفاصل بين سطحي داريهما المتلاصقين وراودتة عن لعب لعبة العروس والعروسة ولاحظ أنها وصلت أعالي اللذة ، وبعيد أيام كان في أحشائها شيء ينمويجهله ، وأحست الأم فما كانت إلا رفسة واحدة على بطنها أجهضتها فماتت وفرح الأب فقد غسل عاره دون ضجيج .

هويستطيع تسلق السرير وزميله في المدرسة يتسلق الأشجار لإصطياد فرخ حمام

وطالما أنّبه مدرسوه ولم يأبه لهم فسقط يوماً ودق عنقه

وأبوه مثله لم يستطع الوصول إلى سطح الأرض إذ زهقت روحه في سراديب المخابرات ووصل السطح جثة هامدة

وجارهم الفلاح سقط من أعلى النخلة وهويجني رطبها بعد أن فلت جسده من الحزام الذي يربطه بها ووجدت أضلاعه مشتبكة مع بعضها فدفن على هذه الحال

 

2

حلقت به عاليا ًالطائرة التي تقله بعيدا ًعن مواطن القهر وأعلى مما وصلت اليه الطيور المهاجرة لكن الطيور تتخذ طريقها بحرية مطلقة وتحط أينما تريد وبدون تأشيرات تتحكم فيها السياسات واجتاز الغيم وظل يحدق في أشكال ومقرنصات لم يرها بهذا القرب

أوحت له بتشكيلات غريبة يمكن توظيفها بلوحاته وشبك على القلادة المعلقة في رقبته كالفتاة الموريسكية التي ظلت تمسك مفتاح بيت غلق أملا بالرجوع اليه بعد ان فقدت غرناطة

تمنى لو انه يبني له عشا ًعلى الغيم آمنا مطمئناً

مع نفوس طاهرة صفت وتهذبت من ادناس العالم السفلي

وصرف النظر عن هذه الفكرة فلا يعقل أن يعيش بعيداً عن المجتمع فلمن إذ ذاك سيعرض فنه

كان مع كل تشكيلة غيم تتوهج مقلتاه وتتوسع فتحات منخريه كأنما يشم المنظر الخلاب ويعلو حاجباه مع ابتسامات جعلت المرأة التي تجلس بجواره تسأله

- هل أنت سائح؟

- لا إنما هارب

- ممّ؟

- من الجبابرة

- وهل تنوي الإستقرار في الهند؟

- ربما .... لا أعلم

- وما هوعملك؟

- فنان تشكيلي

- أنت محظوظ فأنا صاحبة غاليري ويمكنك أن تعمل معي ....أقصد أن نعمل معا

واين ستسكن؟

- في أي مكان مناسب

- عندي اقتراح ... في داري وفي سطح الطابق الثالث غرفة فارغة وملحق بها غرفة صغيرة يمكن أن تستغلها مرسما ً ومطبخا ً وحمام ، وبأجرة زهيدة ويمكنك اختيار غيرها إن لم تعجبك

- أختار ....وتبسم ضاحكاً ياسيدتي لم يكن لنا يوما ًحق الاختيار... أنا موافق

 

3

سطح الدار واسع يطل على غابة واسعة فيها شتى الأشجار الباسقة والتي نهاياتها تصل السطح والهواء فيها عذب عليل

لم يكن حبه لساتي عطفا ًورفقاً بحيوان إنما كان بمثابة دواء لداء كقول الشاعر وداوني بالتي كانت هي الداء وفي المهابهارت ملحمة الهند لدغات الأفاعي للصبي المسموم الغريق تعاكس في جسده السمان فتشاجرا وصحا الطفل

أشارت (لاكشمي) بسبابتها الرقيقة التي تشبه عود البخور رائحة ولونا ً

الخاتم النحيف الذي يتسورها يختلف عن بقية الخواتم التي تطوق بقية الأصابع هي التي جلبت انتباهه

لا وجود لخاتم الزوجية أثر لا في كفها اليمنى ولا اليسرى

- ألا تنظر مسكنك الجديد

- ارتبك فقالت بجراة

- أتراها ناشزة مع كفي السوداء

لا يهم فزوجي وجد في سواد جلدي ذريعة فهرب بعد ان انجبت طفلا وكانه كان بلا عيون حين خطبني وحين تزوجني وحين ألقى في أحشائي ما نما وصار انساناً

كان زوجي يشبك أصابعي حين تثار غرائزه لدقائق وهذه الخواتم تشبك أصابعي ليلا ًونهارا ًدون جهد لاثارة غرائزها

4

تصورت أن الوشم الذي ينتشر على جلدها مبتدئا من رسغها كغصن شجرة ويتفرع على سيقانها وبطنها ويلتف حول خصرها ويشكل دائرة حول سرتها هو الذي سيثير انتباهه وتخيلاته وقررت أن تمر شفاهه عليه من القمة حتى الجذور

لذا فإماطة الخجل عن الغريب لا بد له من بداية تبادر هي بها

وكانت (سيتا) القردة الناظرة عن كثب تقرأ ما يدور في ذهن (لاكشمي) إذ تعرفها لا سيما وهي تراقب لاكشمي حين تستحم وحين تتزين وكيف تمثل أدوار الحب في المرآة وكيف كانت لينة رقيقة أمامها تخلع الحشمة والوقار المفترض على عكس ما تبدو عليه حين تخرج من الحمام إذ تخلع وجهها الإنساني وتلبس وجه مديرة البيت ومالكة الغاليري

5

صباح أول يوم له فوق السطح سمع لغطا ً ففتح باب الغرفة فأذهله ما رأى

سيتا ومعها مجموعة من القردة الإناث يحطن بها ويحدقن به فخاف وظن أنه ربما سيكون أسيرا ًللقردة بدلا ً من جبابرة السلطة وآخر المطاف النهاية نفسها

لولا أنه رأى تبسمهن ونظراتهن الرقيقة

بادر ولوح بحبة موز فدفعتها التي كانت خلفها القردة الأكبر سناً والأضخم جسدا ً ذات الثديين المتدليين محفزة إياها للتقرب منه وأخذ حبة الموز

تقدمت خطوة فما كان منهن إلا أن تقافزن وغادرن يتراقصن ويغنين فرحاً ويصدرن أصواتاً مبهمة

ترررر ترررر ترررر

يا يا يا هوهوهوررررررر

لحظة تناول ساتي حبة الموز أطلت لاكشمي فقالت

قردة ككل القردات طماعة لا تشبع لا تهبها بعد الآن موزاً فتعتاد عليك

إنها حيوان لا يفقه شيئا ًعدا امتلاء المعدة

6

الخجل الذي يملكه هذا الرجل يفوق الحد ولا بد أن يزال حيث يقتضي ذلك .

وكما قالت له أنه بحاجة إلى موديل نابض بالحياة ولم يفهم أو يبادر للسؤال كيف يمكن الحصول عليه فتقدم نفسها وشكت في أنه سيطلب منها ذلك بداعي الإحترام فما كان لها إلا المبادرة

- وعدتك لأكون موديلا ً، وها أنا جاهزة وكما قالت امرأة العزيز هيت لك قالتها موعدنا الثامنة مساء

ولم يكن ذلك ليسعد ساتي التي تسترق السمع لكنها قررت أن تعرض نفسها برغم الفارق الذي يجده فيها كإنسان وفنان

راقبتها ساتي كيف كانت تتزين وتبدل ثوبا بعد ثوب لتستقر على اكثرها فتنة واثارة وقبيل اللقاء اكثرت من رش العطر على كل زاوية ومكان من جسدها ووصلت الرائحة المنعشة إلى أنف ساتي ومع كل شمة كانت تزم شفتيها ويزداد حنقها

ساكسر هذه القنينة لا إنها غالية الثمن لم لا أسرقها وأحرمها منها وأستعملها أنا عند الحاجة فهو لا يعتقد بأنوثتي التي أستطيع أن أبرزها وقت شئت

7

على هذا السطح ستتلاعب أنثيان بمشاعر فنان

لا بالحب يقطر عسله ولا بالحنان يذوب شهده ولا بالعاطفة ينتثر قندها في بستان الجسد

غلالات الحرير الرقيقة لا حاجة لبصر النسور ليتبين منها مكحول الجسد واستدارة النهود وانبعاج الخصر

تسبي العقل وتهيمن عليه تسبي العقل

قوام غزال انفلت من فخ صياد

بذؤابات تسيل كشلال وفم يهمس بدواء لم يسمع به ولم يسم ، ولقد أبطأ الجواب، (فالفؤاد؟ طائر، والقلب عازب، والنفس والهة، والفؤاد مختلس، والنوم محتبس، ولو كان إلى الصبر حيلة، وإلى العزاء سبيل، لكان أمرا جميلاً)

ثم أطرق طويلاً، ثم رفعت رأسها. فقال:

إنسية أنت أم جنية؟ سمائية أم أرضية؟

فقد أعجبني ذكاء عقلك، وأذهلني حسن منطقك. فسترت وجهها بكمها كأنها لم تره، ثم قالت: ما أوحش الساعة بلا مساعد، والمقاساة لصبٍ معاند.

فوالله، ما أكلت طيباً إلا غصصت به، ولا رأيت حسناً إلا سمج في عيني .

 

كم رقصت بذكرك ومن الأحياء من يعشق على السماع ويفني في محبة من لا رآه

وتعقبت أثرك ولم يدركك بصر

(ومن يعشق أثراً رآه يحكى أن رجلاً عشق أثر كف امرأة رآه في حائط فلما آيس أهله من صلاحه تركوه حتى مات) ومنهم من يعشق باللمس قيل وهو رأس الشهوة والعين تعشق ما تهوى وتبصره

ومنهم من دخل إلى حمام فرأى فيه شعرة طويلة سوداء لبعض النساء ولم يعلم لمن هي فأخذها وأقامت عنده زماناً وأصابه من حب صاحبتها، ما أشرف به على التلف

فما يمنع من يعشق امرأة من الجن تتشكل على وفق رغباته قردة في أعين الناس فاتنة في عينيه

هذا الذي يقال في حقه الجنون فنون

 

سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم