صحيفة المثقف

مائدة الخمر تدور

bushra albustaniأكتبُ في الأسفار الأولى

ما لم يكتبه البحرُ على أطراف الصحراءِ

 


 

مائدة الخمر تدور*/ بشرى البستاني

 

مائدة الخمر تدورْ..

يمحو اللؤلؤ ما سطّره الياقوتُ على الأغصانْ

لا أستثني وجع السمك القابعِ

في كهف البرق الأخضر

مات السمك الأخضر مقتولاً في ثقب الإبرةِ،

قال الليلكُ:

ثقبُ الإبرة أوسعُ من بحرٍ

تبتلع الحُمى مرساهُ

وتأخذه نحو ذراع الزبد الطاعن بالصدْ

ينفرط العقدُ،

وأهوي نحو القاعْ..

***

ـ مائدة الوجد تدورْ

يهجرُ سقفُ الكلماتِ الجدرانَ

تلوب الغزلانْ

بحقول الموتى

فاقرأْ كفي كي تمتدّ خيوط العرضِ

يصيرُ لها أجنحةٌ

فتفرُّ البلدانْ

نحو خرائطَ أخرى

تتشكل نحلاً،

نملاُ،

غيماً

وقوافل ماءٍ في واحٍ تحرسه الأجراسْ

هل قلتَ:

أحبكِ.!

كي ينهضُ نخلُ الأرضِ،

ويشتعلَ الكونْ

***

جنيات الصحراءْ

تعدو

جنيّاتُ الأرضِ تطير بأجنحة من نارْ

تدنو الأغصانُ،

وتشربُ وجدي

ألهثُ خلفَ أصابِعها

ويجفّ دمي..

***

ـ مائدةُ الحربِ تدورْ..

جبلٌ فوقَ صدرِ الفلاةْ

صخرةٌ فوقَ صدرِ الفتاةْ

قمرٌ مربكٌ،

ويقينٌ يشكُّ بأبراجهِ،

وصلاةْ.

تستريبُ

وسجادةُ الرملِ مرجانةٌ ذابلة

ليلةٌ آفلة..

من جنوح يديكَ إلى مفصل الروحِ

سكينةٌ قاتلة

يا وعودُ،

خذيني إلى إفك ليلِ الشتاتْ

خذيني لأسرجَ قلب الخطايا

خطىً لغدٍ لا يجيءُ

ونرجسة ونواعيرَ مطعونةً بالندى

وبجرح النداءْ

خذيني..

التماثيلُ تجتاحُ مرجَ الشعابِ

وتوقظُ بردَ المساء

خذيني،

ورشي دموعَ النساء

قلائدَ فوقَ البوادي..

وقبعة للدماء

خذيني، الصواريخُ مفتونة بالليالي

ترشّ رذاذ الخراب على الشرف الواجفة

مقلة خائفة

تراودُ أسرارَها

وتلمُّ أصابعَ عشاقها من مخابئِ

تفاحةٍ عبرت نحو كهفِ السماءْ

قمراً للبراري.

وأروقةً للدماء..

***

مائدةُ الحبِّ تدورْ..

أكتبُ في الأسفار الأولى

ما لم يكتبه البحرُ على أطراف الصحراءِ

وأمحو ما لم تمحُ الموجة في الريحِ

وأفتح صدري لذراعيْ نجم مخمورْ

أصطادُ خرافة ليلٍ أخرسَ،

أهوي بذرةَ حبّ في الوديانْ.

***

ـ مائدة الوجد تدور

ينهض نخل الأرضِ،

تلوب على السعف عناقيد الدمعِ

أدور مع الشجر اللائبِ

أجثو عند جذور الصحف الأولى

أعلنُ بهجة قلبي

المجروحِ بورد الحبِّ

وأفعلُ ما لم تفعل حواءُ

أشدّ بأغصان الرمانْ

عنقي..

ثم أموتْ..

***

ـ مائدة الخمر تدور..

تشرق في عينيكَ فصوصُ المرجانْ

تتوهج وجنة قلبي

يتثاءبُ خمرُ النافورات على الأغصان

بالنسمة كنت أدفئ قلبكَ

تشهقُ كفيَ بين يديكَ

أكفّي كانت تومضُ

أم حبة رمان تسرقُ دفءَ القمرِ

المتلعثم في عينيكَ،

وتغفو

***

ـ مائدة المسك تدورْ

نامت أقمارُ الغاباتْ

فوق ذراعيَّ

هديلُ الحلم يناول كأسكَ خمرَ الناي

الصبّ على عزف سنابل قلبي

خذني قبل ولوج الخيط الأبيض في المسكْ

كي يشهد ذاك الليلُ..

خلاصي.. !

***

ـ مائدة الصبر تدورْ..

نام الحبّ على صدر الروضاتِ المنسيّةِ

أدغالُ الأرض تفيقُ

على همس الرمانِ..

البركانُ يلمّ شِباكَ الليل ليرسو

في كهف الفتيةِ

ضاع الفتيةُ،

وأزور الكهفُ

وأُوصدت الأبوابْ..

المقعدُ ينهضُ،

ينبض في أعمدة المقعدْ

جبلٌ أجردْ

جبلٌ.. لمّ غبار الطلعِ،

وسوّاه امرأةً من نارْ

مشكلة المقعد أنّ النّار ستصطادُ

جروح القلب الرابض خلف الجرف الداكنِ

مشكلة المقعد أنّ الجرف إذا اصطادتهُ

الحوتُ سيهوي نحو سهولٍ ظمأى

ويظلُ يدورُ

في قرن غزال مكسورْ

مشكلتي..

أنّ الرمانَ يظلُّ عصياُ في الأغصانِ

وأنّ اللون الأحمرَ لا يعطي شارته في الليلِ

وأنّ الحلم الأخضرَ يقطينٌ

والظلمة حوتْ

رجلٌ وامرأةٌ في التابوتْ

والبحرُ يجرّحهُ السمكُ الوحشيُّ

البحرُ يلمّ حقائبهُ،

ويموتْ

***

ـ مائدة الحرب تدورُ

أشقُّ عصا الموتِ

وأفتح نافذة للغزلانِ

السمكُ الأخضرُ يعدو في الفلواتْ

يبتلع الأوثانَ

يبدل خارطة الألوانِ

ويرسم أخرى تنفرُ من أنملةِ الريشةِ

تهوي في قاع اللوحةِ

تربكها

وتكسِّر ما خطته الأطرُ الغبراءْ

***

مائدة الصبر تدورْ

مجداف صدئٌ

بحر تشربه الأسماكُ

ضفاف موحلةٌ

أشلاء حديد غازٍ

قبعة الجندي تدورْ

عاصفة تذرو الرمل على التَيه المنشورِ

على دولاب تمسكه الأرض براحتها

السعفةُ حبلى بالشمسِ

الصحراءُ تشقُّ مخابئها الناريةَ

تبتلع الصخرَ الأسودَ

يطلع وردٌ في الصحراءْ

***

مائدة الموت تدورْ

أدخل من كفيها

أخرج من برقعها

مائدة الخمر تديف الحلمَ الموغلَ بالغصةِ

والقابع بالأوصابِ

بريش الحزن يحلّق صبرُ المائدة الظمأى

أخرج يابسةً من جوف الحوتِ

وأدخل جذعَ التوتِ

التفاحةُ تهوي يتلقفها الغربانُ

التفاحةُ تغدو كرةٌ

يفتح نهر بابَه

ويغيّبُها

ترسمُ فوق الموج سحابة

وتنامُ على صدر الريح

 

مائدة الخمر تدور

يذوي شجر الليل

فيُخرجنى الحلم من الحلم

وأستعصي بيديهِ

الريحانُ يلمُّ فتات الصوتْ

يا ويلي من طرقي يأتيني الموتْ

من بوابات البستانْ

تقتنص الطلقاتُ الرمانْ

يطلع ليلٌ من أردان الحلمْ

ويلوب معي..

***

مائدة الحرب تدورُ

يبعثرني النوم على أشلاء الفجرِ

أكسّر عصفَ الصاروخ القادم من طائرة الكابوجي،

أشرب ذعر الأطفال وأمنحهم عطري

يسترخي الطفل المذعورُ

بفوح العطرُ الفادحُ بين ذراعيّ

ويطبق عينيهِ

فيوقظه الدمع المتفصدُ من قلبي

فوق الدغل الخائف ِ

أخجل من نظرته الخضراءِ

وأذوي …..

***

مائدة الحبّ تدور

أنقاض الليل تفوح بنبض البرقِ

بتوق النرجس يجفلُ في دغل الروحِ

مخاض الليل يبوحُ

عباءة غيمته ترقب نوراً

يطلع من كفينا

من وجنة نبع النار الطافح بالتفاحِ

الواصلِ قلبي بجذور الخلجانِ

بأردان الصاعقة الجذلى

بأساورَ تكسِر معصمَها

كي ترقى لجلال الحُمّى

***

مائدة الخمر تدور

كفي تمسك ومضَ البستان ْ

كفي تمسح بالنور الأغصان

كفي باركها الحبُّ

واطلع فيها الكافورْ

يوجعني عسلٌ ورديّ،

يتفتق في الديجورْ

توقظني خصلُ التاج النافرِ

فوق هضاب اللغة الخرساءْ

توجعني السيمياءُ،

فأغفو في خصر الريحِ

وابتكر الزرقة في وشوشة الأشياءْ

تعدو الأنهار على صدر الصحراء

قلبي فُلكٌ،

والعطرُ الفادحُ مرساةْ

وحصاةٌ قلبي تطفر من قافلة ٍ

وتصير دليلْ..

والأرضُ رهانُ الليل على قنديل

وترابُ الأرض مكاحلُ عينيّ،

وعطري،، الأرضُ شجىً،

وتراتيلْ

والأرض ذراعايَ المرفوعان لصوت الرعدِ،

وحُمى المطر الأخضرِ،

مأدبةٌ هذي الأرضُ

وصيدٌ موعودْ

***

ـ مائدة الصبر تدورْ

استلقي تحت سرير الريحِ

فتخرجني الأرضُ من الأرضِ

وأخرجها من كأسي

ترقبني عين الصيادِ،

وتقتنص الكاسْ

أكتبُ بالخمرة فوق الأقداحِ:

أُحِبُكْ..

 

....................

* بدأت كتابة هذه القصيدة ليلة بدء العدوان على العراق بعد إعلان يؤكد أن كل الطرق المائية والجوية في المنطقة قد تم فتحها لقتل شعب العراق، فدارت المائدة، وسكر الجميع حتى الذين جاؤوا على الدبابة الغازية.

20-21/3/2003

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم