صحيفة المثقف

حوار مع الشاعرة سوزان عون

souzan aounس١: من هي سوزان عون؟

ج١: سوزان عون، الأصل من لبنان وبالأحرى من جنوبهِ المعطاء، مقيمة في أستراليا.

أم ومدرّسة وناشطة إنسانيّة، أهوى العلم والتعلم، وما زلتُ أنهل من ينابيع العلم إلى الآن وفي أستراليا أيضاً، لم ولن أتوقف ولو لآخر رمقٍ في حياتي.

إنسانيّة الهويّة، عاشقة للوطن والأرض والإنسان،

أرفض الظلم والقهر والاستبداد.

 

س٢: حدّثينا عن بداياتكِ مع الشعر وكيف بدأتِ مشوار الكتابة؟

ج٢: بدأ مشوراي مع الكتابة في الصف الخامس ابتدائي خلال اقامتي في دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما اكتشفتْ ذلك مدرّسة اللغة العربية، فقامت على تشجيعي مما أثّر ذلك إيجاباً في داخلي ودفعني للمزيد من الكتابة.

وجدتُ نفسي أحملُ القلم والدفتر، في سن المراهقة، وأخطُ أول رواية أسميتُها هكذا الرحيل، وهي عبارة عن قصة حب واخلاص ووفاء.

وتوالت كتاباتي، كتبتُ سيناريو وحواراً لقصةٍ جديدةٍ عنوانها، (تاه عن بالي).

زواجي المبكر أثر سلباً على موهبتي، فاختلطتْ الأمور بعضها ببعض، ولم أعدْ أمتلكُ وقتاْ كافياْ للكتابة بين صخب الحياة وظروف لبنان الأمنيّة ومتطلبات البيت والأولاد.

حملتُ مسؤوليّة عائلة في سن مبكر، ولكن كنتُ أسجلُ يومياتي وأكتبُ قصائد بين الحين والآخر، حسب تأثري بما يجري حولي أو حسب الظروف.

فالحروب التي شهدها لبنان، ما فارقت ذاكرتي، كانت الدافع الرئيسي لأكتب عن وجعي والخوف الذي كنتُ أعيشه مع أولادي.

دفتر يومياتي كنزٌ لا زلتُ أحتفظُ به، كلما قرأتهُ، أشحذُ همتي من جديد وأنطلقُ أكثر.

صقلَ موهبتي الكتابيّة، تجويدي وعشقي للقرآن الكريم، فمنحني ذلك، مفردات جميلة، وسِعة في المعلومات اللغويّة.

دراستي الدينيّة منحتني الكثير من الثقة، فخرجتْ أفكاري من قالب العادات والتقاليد والأعراف إلى ميدان فسيح من العلم والمعرفة.

 

س٣: كيف ترى سوزان عون الشعر في بلاد الغربة؟

ج٣: الشعرُ في الغربة أم في الوطن، يظلُ وديعة الشاعر أو الكاتب.

وأرى أن الشاعر المهاجر لا يكلّ ولا يتعب، يودُ أن تصل كلمته لكل الناس.

ولكن ظروف الحياة للشاعر العربي المقيم في الغربة أصعب من ظروف الشاعر المقيم في بلده.

حيث يجد الشاعر المغترب صعوبة كبيرة في وجود مستمع عربي يفهم ما يوّد قوله، وهذا يؤثر على استمراره في العطاء.

عدا صعوبة الطبع والنشر والتوزيع، والأمرّ من كلّ ذلك، عدم وجود قارئ عربي يفتح كتاباً، وما زاد الطين بلّة، ثورة الأنترنت الظالمة والناجحة معا.

الأنترنت المفتوح ووجود كل أماكن اللهو، جذب الكثير من الشباب، فبات الكتاب الورقي موضة قديمة، وربما سيصبح تحفة أثريّة يوماً ما، للأسف.

هذا الكلام لا ينطبق على الشباب في مواطن الاغتراب فحسب، بل في كل بقاع الأرض.

قلّة الوعي والإدراك لخطر الأنترنت وسرعة انتشاره، واستعماله بدون رقابة وتنظيم، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على ثقافة المجتمع.

فانتشرت المعلومة الصحيحة والخاطئة بالوقت نفسه.

وأيضاً انشغال الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي، وابتعادهم عن اكتساب المعرفة والعلم، ناسيين مسؤوليّاتهم الكبيرة تجاه أنفسهم ومجتمعهم.

انخفض بشكل كبير مستوى بلاغة الكلمة الواردة في النص الشعري، كانخفاض مستوى القراءة والكتابة والنبوغ الشعري وضاعت المواهب الحقيقية في لجّة لا نعرف متى ستنتهي.

الشعر وليد الأيام واللحظات، لذا نرى كل الشعراء المغتربين، يكتبون الوطن والأرض والتراب والقمح والسنابل.

يكتبون وجع بلادنا من الحروب والمؤامرات وفساد الأنظمة الحاكمة.

يكتبون حلم العودة إلى أحضان الوطن يوماً ما، بعد أن يتحقق حلمهم في وجود وطن خالٍ من الفساد، ليعيشوا في ربوعه همْ وكلّ الناس، حياة مميزة ناصعة، تليق بإنسانيّة البشر.

 

س٤: ماذا اضافت الغربة في بلاد المهجر لشعر سوزان عون؟

ج٤: الغربة أو أستراليا لها فضلٌ كبير، نعم وقد أثّرتْ الغربة بشكل كبير على كتاباتي الشعريّة.

الحياة المجتمعية المستقيمة التي يعيشها الفرد الأسترالي، جعلتني أشعر بالقهر على أهلنا في بلادنا العربية.

وأحدّثُ نفسي يوميّاً وأقول: ماذا ينقصنا لتكون بلادنا العربية منظّمة ومرتبة ونظيفة كما أستراليا؟

ماذا ينقص الفرد العربي ليحيا حياة تحفظ له حقوقه المشروعة التي تُرضي طموحاته وتدخل الفرح والسرور لقلبه؟

لماذا نُقلّد الغرب في كلّ أموره السيئة ونترك الحسنة، فلا نقلّده بحفاظه واحترامه لشعبه وتوفير كل مستلزمات عيشه من طبابة ودراسة مجانيّة؟

متى يكون سعر المسؤول في بلادنا بسعر أي واحد من عامة الشعب كما في أستراليّا؟

متى يتواضع حكامنا العرب كما يتواضع المسؤولون أمام القانون ومطالب الجماهير بدون تمييز أو عنصريّة؟

هذه الأمور تركت ألماً وحفرتْ في قلبي ومشاعري أثراً عميقاً، جعلتني أبكي بحرقة على أهل بلادنا العربية، وكيف لا أبكي وأنا أسمع وأرى قهرهم وظلمهم يومياً.

كيف لا أبكي همّ شعوبنا العربية المقهورة المسلوبة الإرادة والحريّة السياسية والتعبير عن الرأي؟

كل ذلك أثر في نوعيّة كتاباتي، التي باتَ أغلبها تحاور الأرض والسماء والجبال، تستعطف ربّ الكون كله ليرحم أهل الأرض من الحروب والقتل والدمار.

 

س٥: ما هي رسالتكِ الشعرية في أستراليا؟

ج٥: رسالتي الشعريّة تتضمن معظم ما ذكرته في السؤال السابق، عدا عن رسالتي الأسمى للإنسان، ألا وهي الحب.

الحب الذي نؤسس به كوناً خالياً من الكراهيّة والعنف.

حب الإنسان لأخيه الإنسان، أن يكون الدين فيما بيننا رسالة حب، أن يكون تعاملنا مع الآخرين رسالة حب.

فالحب لا يكون علاقة غراميّة بين رجل وامرأة فحسب، لا أبداً، الحب أجمل وأسمى وأوسع وأشمل.

فعلاقتنا مع الله حب، وعلاقتنا مع أنفسنا حب، وعلاقتنا مع كل فرد حولنا هي نوع آخر وفريد من الحب.

لذا تجدون في نصوصي الكثير من الدعوة إلى الحب.

وأجلُّ الحب، أن نرى الله بعين القلب، فنحب خلقه.

 

س٦: لمن تكتب سوزان عون؟

ج٦: أكتبُ أولاً لكل امرأة على وجه الأرض تعيش ظلماً في قالب العادات والتقاليد البالية.

أكتبُ لكل صوت مخنوق وعنه، لعل صوتي يصل.

أكتبُ لكل العاشقين والمخلصين، أكتبُ لصناع الحريّة والديمقراطيّة، أكتبُ للمجاهرين بأصواتهم والمستشهدين في سبيل الوطن لإعلاء كلمة حق لم تكن مسموعة.

أكتبُ وأستجدي المتعلمين ليهبّوا ويقفوا تجاه التاريخ الظالم الأسود وعدم تكراره.

نتعلم منه لننساه ونغيّره، لا لنعمل به من جديد.

أكتبُ بلسان أوطاننا الموجوعة التي تنزف دماءً وشهداءً يومياً.

أكتبُ للحب وفيه أعيش وبه أحيا.

 

س٧: كيف ترين واقع الشعر والشعراء العرب اليوم؟

س٧: الواقع العام هو واقع الشاعر، فينعكس عليه ويتأثر به.

فالشاعر، هو المترجم الحقيقي لمَ يجري من أحداث، والشاعر الذي لا يعيش واقع وطنه وأرضه، وينقل معاناة شعبه وآلمه، لا يكون شاعراً حقاً.

فالمعروف عن الشعراء بأنهم كتلة من الاحساس والمشاعر، فكيف يرى الشاعر كل ما يجري حوله ولا يتأثر به؟

لذا، الواقع الشعري العربي والمغترب المعاصر عموماً، ينزف ألماً ووجعاً.

 

وهذا ما نراه في الكثير من القصائد لمعظم الشعراء.

وأما إذا أردت أن تعرف واقع الحراك الشعري، فأنني أراه نشط.

وتتفاوت جدارة كل شاعر وكاتب حسب ظروفه المكانيّة والتعليميّة ووجود معاناة أو هدف أم لا.

المشكلة الكبرى، وأظنها وليدة الحياة القاسية التي يعيشها الفرد العربي، ألا وهي الحروب والمشاكل الاجتماعية، مما أثر ذلك على عدد القرّاء، فنرى تقلص مبيعات الكتب والدواوين الشعرية.

وإذا عدنا لسؤالك رقم ٣، سنجد أيضاْ تتمة جواب هذا السؤال.

 

س٨: بمن تأثرت سوزان من الشعراء ويعتبرون لكِ قدوة ومثال تقتدين بهم؟

ج٨: تأثرتُ في مراهقتي بالشاعرة العربية الخنساء، حيث قمتُ في الصف الأول ثانوي بتمثيل دورها في مسرحية خلال اقامتي في دولة الإمارات العربية المتحدة الحبيبة، أمام زوجة الشيخ زايد رحمه الله.

كان عليّ تمثيل دورها قبل وما بعد الإسلام، وحفظ قصائدها ورثاءها لأخيها صخر.

وبعد ذلك فرحتها باستشهاد أولادها الأربعة في الحرب في سبيل الله.

كله طُبِعَ في ذاكرتي، وكان له الفضل الأكبر، في تأسيس موهبتي الشعريّة.

عدا ولعي في القراءة، فكنت لا أتركُ كتاباً إلا وأتيتُ عليه.

ولا زلتُ أذكرُ كتاب النبي للراحل جبران خليل جبران، وكتب الأديبة غادة السمان، والأدبية مي زيادة والكثير الكثير من الكتب والقصص والروايات.

وأكثر من أحببتُ كتبها، الراحلة المجاهدة بنت الهدى، حيث تأثرتُ جداً بأسلوبها الشيق الراقي النظيف المحترم، رحمة الله عليها.

 

س٩: ديوان ليلى حتى الرمق الاخير، حدثينا عن اختيار العنوان وما يحمله الديوان من معانٍ وإشارة؟

ج٩: أنا ليلى حتى الرمق الأخير، أعلّقُ بعضاً من ألواني على شجرة زيتون، قناديلاً للعاشقين.

هذا مقطع من قصيدتي ليلى حتى الرمق الأخير، ومنه استوحيتُ الاسم لديواني الثاني الجديد، بعد ديواني الأول إليك الرحيل فاذكرني.

ديواني ليلى حتى الرمق الأخير قام بالإشراف عليه الشاعر الكبير الأستاذ يحيى السماوي. وهو من اصدار: مؤسسة المثقف العربي، سيدني – أستراليا، ونشر وتوزيع: دار العارف، بيروت –لبنان

تقديم: د. رشا غانم-مدرس النقد الأدبي-الجامعة الأمريكية-مصر.

 

وأعتبر ديواني الثاني ليلى حتى الرمق الأخير، نقلة نوعية كبيرة في أسلوبي وتعاملي مع النص الشعري.

ابتعدتُ عن النص الموزون، بنصٍ حرٍ، يؤرخ كل لحظة من الصورة الشعريّة التي أعيشها، مما منحني تحليقاً خاصاً بي، أحبّه وأرتاح فيه، أجد نفسي وأجد صوت سوزان عون الحقيقي، بعيداً عن التزييف والخداع أو المبالغة.

كتبتُ ما تريد سوزان عون إيصالهِ للقارئ، ربما يحب القارئ ذلك وربما لا.

أنا ليلى الحبيبة الأزليّة، المتوارثة من كتب التاريخ، ليلى التي أحبّت فخلدها التاريخ، بدون حصر ذلك الحب في قصة العشق الخاصة التي عاشتها مع قيس.

بل أعني ليلى العاشقة لحبيبها ولوطنها ولأرضها ولشعبها وللغتها.

ليلى ستظل ليلى لآخر نفس وآخر رمق.

ليلى الأنثى ابنة حواء حبيبة آدم الأبديّة.

حواء المخلصة لشريك حياتها ولأولادها ولأرضها ولوطنها.

حواء التي تجد في الرجل وطناً وفي قلبه عاصمتها.

 

س١٠: هل يحمل شعركِ معاناة الشعوب العربية، ونقل تراث وحضارة البلاد العربية إلى الغرب أو إلى استراليا بالتحديد؟

ج١٠: من يقرأ حواري السابق وأجوبتي، سيعرف حتماً جواب هذا السؤال، الوطن هو القضية الأساس والركيزة الأولى والمدماك الشعري لأي شاعر.

لذا لن أكرر هنا ما كتبته سابقاً.

 

س١١: ما هو سر انتشار او تغلب الشعر الشعبي على الفصيح؟

ج١١: لم ألحظ ذلك، أرى المسيرتين تسيران بجانب بعضهما البعض، ربما تسبق واحدة الأخرى.

الشعر العامي بكل الأحوال، هو لسان الشعب المقهور، لسان صاحب الأرض، لسان العامل والفلاح والفقير والغني. الخ.

الشعر العامي جميل جداً لمن يمتلك هذه الموهبة الإبداعيّة الخلاقة، ولا يستطيع أي شاعر أن يمتلكها.

ولكل شعر أكان فصيحاً أم عاميّاً جمهوره.

ولكن حتى في أحلك الظروف، يجب ألا ننسى اللغة الأم، اللغة العربية الفصيحة.

فلا نركّز على العاميّة على حساب أجمل لغة شعريّة غنيّة ألا وهي اللغة العربية.

 

صراحة، ما أراه من كلمات في بعض القصائد، يوجع القلب، وأشعر من خلاله بالقلق على لغتي الحبيبة.

البساطة في النص الشعري جميل ومريح، ولكن هناك خطر محدق بأروع لغة إذا استمر الوضع على هذا الحال.

 

س١٢: هل نجحت الشاعرة سوزان عون في تحقيق ما تطمح اليه من خلال شِعرها؟

ج١٢: الشعر والكتابة كانا ولا زالا، موهبتي التي أحب.

والطموح عند الإنسان لا يقف إلا بموته، وأنا أرى نفسي لا زلتُ في أول الطريق، والمسيرة لا زالت أمامي طويلة.

لا أنكر أن الكتابة منحتني الكثير والكثير من الآمال والأمنيات، تحقق بعضها، وأنتظر تحقيق المزيد.

مهما تعلمنا ودرسنا وارتقينا في الحياة على درج العلم، نكتشف يومياً كم نحن مقصرون وقاصرون.

العلم بحر لا نستطيع أن نستوعبه، كلما خضنا فيه، ازدادت الصعوبة الملقاة على عاتقنا، ووجب علينا مسؤوليات أكبر.

 

س١٣: لكل شاعرة رسالة توجهها من خلال قصائدها، ماهي الرسالة التي تودين ايصالها للمرأة العربية؟

ج١٢: رسالتي أولاً للمرأة، أقول للمرأة لا تخضعي إلا للذي خلقكِ، لا تكسري كرامتكِ أو تصمتي.

ارفعي صوتكِ وقولي للجميع بأنكِ الأكثر عطاءً وصبراً.

ارفضي كل أشكال الاستغلال الجسدي والنفسي، تعلّمي واقراي واخرجي للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

عبّري عن همومكِ وحققي كل طموحاتكِ.

أنتِ شريكة الرجل في بناء الوطن، ولستِ تابعاً أو ظلا لأحد.

لكِ من الحقوق الكثير، فتعلّميها وقرّي عينا.

وأقول للرجل، المرأةُ بين يديكَ أمانة، فانظر كيف تحفظ هذه الأمانة.

 

حاورها: عزيز البزوني

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم