صحيفة المثقف

الدلالات اللغوية في شعر النابغة الذبياني .. دراسة فنية (2)

sadam alasadiوفي قصيدة اخرى يقول:

وقفت بربع الدار قد غير البلى معارفها والساريات الهواطل

اسائل عن سعدى وقد مر بعدنا على عرصات الدار سبع كواحل [55]

ونلاحظ جمع الشاعر بين الدار والسحاب فالدار وصف ثابت والسحابة متغيرة تروح وترجع ثم يعبر عن ذاته متسائلا عن عدم حصوله على الاجابة .

وما زال الشاعر مؤكدا على الرقم سبعة كما مر بنا في قصيدة سابقة وقد تتكرر كلمة المنازل في افتتاحيت النابغة انظر قوله:

اهاجك من السماء رسم المنازل بروضة نعمي فذات الاجاول

اريت بها الارواح حتى كأنما تهاوين اعلى تربها بالمناضل [56]

ونلمس في البيتين المارين الجمع بين المنازل والسماء ثم تحديد المواضع (الاجاول) ثم اشارته الى ديمومة تهدمها حتى تحولت الى تراب ينخل بالمناخل .

وهكذا تتكرر الاشارات الوصفية عنده مطلقا عليها المواضع انظر قوله:

بانت سعاد وامسى حبلها انحذما واحتلت الشرع فالاجزاع من اخما[57]

ان الشاعر يبدأ بالبعد والنأي لسعاد ولكنه لم ينس الاشارة الى الاجزاع وهي مواضع في منتهى الوادي وقد سمي الشاعر احد الوديان (اخما) وهكذا اعتاد النابغة على افتتاح لوحته بالطلل كغيره من الشعراء الجاهليين الذين ساروا مع ذلك النمط والسياق التقليدي .

 

4- الرثاء: لن يتحدد هذا الغرض الشعري عند النابغة برثاء الشخوص او الموتى والابطال فحسب بل كشف عن حالته النفسية المؤلمة بعدما حصل ما بينه وبين النعمان حيث نلاحظ نبرة الحزن واضحة في قصائده من خلال اسفه على اهل الرأي والمشورة من ابناء قبيلته او الوشاة اللذين نقلوا الفتنة بينه وبين النعمان وهو يتألم على تصرفات هؤلاء ويسمون انفسهم بشرا، وقد ظهر للعيان ذلك البكاء الى الاطلال التي درستها الايام وغيرها الزمن حيث يقول:

فكفكت مني عبرة فرددتها على النحر منها مستهل ودائع[58]

و كان يحمل حكمة الخوف من الموت ولابد منه حيث يقول:

فلا تبعدن ان المنية موعد وكل امرء يوما به الحال زائل [59]

و كانت دلالات اشارته الى المرثي تتعلق بالقبور حيث يقول:

سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم بغيث من الوسمي قطر ووابل [60]

و له قصيدة مشهورة تعد من مرثياته الخالدة والتي رثى بها النعمان بن الحارث وهي قصيدة تتكون من ثلاثين بيتا قال في مطلعها:

دعاك الهوى واستجهلتك المنازل وكيف تصابي المرء والشيب شامل[61]

و قد كان المطلع يدلل على ان المنازل التي كان يسكنها النعمان وهي لا تذكره وقد رحل عنها وهكذا حال الايام ثم يعود الى رثاء نفسه ويتعذلها على التصابي بعد الشيب:

وقفت بربع الدار قد غير البلى معارفها والساريات الهواطل

و حين بدأ بالدار التي هي المكان الثابت واشار الى السحاب والهواطل من الامطار الغزيرة لابد وان يعرج على العنصر الثاني من عناصر القصيدة الجاهلية وهي المرأة اذ قال:

اسائل عن سعدى وقد قر بعدنا على عرصات الدار سبع كوامل

و كذلك لم ينس الناقة التي هي واسطة تنقله:

فسليت ما عندي بروحة عرمس تخب برحلي تارة وتناقل

و بعد ان انتهى من عناصره الثلاثة (الارض، المرأة، الناقة) عاد الى غرضه الاساس وهو الرثاء فينطلق الى شخصية المرثي قائلا:

فان تك قد وعدت غير مذمم اواسي ملك ثبتتها الاوائل

فلا تبعدن ان المنية موعد وكل امرء يوما به الحال زائل

و يعظم الشاعر من سمات مرثيه حيث يصف المكان باكيا على الشخص الراحل اذ يقول في القصيدة نفسها:

بكى الحارث الجولان من فقد ربه وحوران منه موحش متضائل

قعدوا له غسان يرجون اوبة وترك ورهى الاعجمين وكابل

و يظهر لنا البيتان ان الشاعر اشار الى المكانين الحزينين وهما (الجولان وحوران) واصبحا موحشين اي ذو وحشة ثم عرج على وصف ماء غسان في الشام الذي نزل به يوما ماء السماء بن الحارثة جد الغساسنة ليشرب منه وعند رحيل الملك ضاع ذلك الامل الذي يرجوه العرب والترك والعجم .[62]

ان النابغة اتخذ من الرثاء مدخلا للحكمة لاستجلاء اعماق الذات في قصيدته ليكشف عن تلك الحيرة بعواطف صادقة وجياشة تتدفق دائما تلك الحيرة من الحياة وجدوى التصاق الناس بملذاتها وهم يرون ذلك الفناء والرحيل الذي اخذ الالاف من امثالهم فلماذا لا يتعظون ويصلحون حالهم اذ يقول:

من يطلب الدهر تدركه مخالبه والدهر بالوتر ناج غير مطلوب

ما من اناس ذوي مجد ومكرمة الا يشد عليهم شدة الذيب

حتى يبيد على عمد سراتهم بالنافذات من المنبل بالمصاييب

اني رأيت سهام الموت معرضة بكل حتف من الاجال مكتوب [63]

و تظهر لنا الابيات تلك الحكمة والعظة والارشاد للذين يطلبون الدهر بالمزيد وهو مثلهم غير ثابت وقد ذهب اصحاب المجد والمكارم وصرعتهم الاقدار وقد ذهب سراة وزعماء القوم بالمواقف الصعبة وربما المفاجئة وقد يضع موقفه الاخير بان سهام الموت مكتوبة على جبين الانسان ولا تخطيء احدا .

 

5- الهجاء: ان للنابغة القدرة على الارتجال والرد السريع فقد روي عنه (اول ما تكلم به النابغة من الشعر انه حضر مع عمه عند رجل وكان عمه يشاهد به الناس ويخاف ان يكون عبسيا فوضع الرجل كاسا في يده وقال:

تطيب كؤوسنا لولا قذاها ويحتمل الجليس على اذاها

فقال النابغة بسرعة:

قذاها ان شاربها بخيل يحاسب نفسه بكم اشتراها[64]

و من هجائياته الى زرعة بن عمرو الذي توعده فقال النابغة:

نبئت زرعة والسفاهة كأسها يهدي الي غرائب الاشعار

فحلفت يا زرع بن عمرو انني مما يشق على العدو فراري

ارايت يوم عكاظ رايتني تحت البجاج فما شققت غباري

انا اقتسمنا خطيتنا بيننا فحملت برة واحتملت فجاري[65]

لقد اشار الى سفاهة زرعة وعدم حلمه وهو يستغرب كيف يحسبونه شاعرا وهو ليس من اهل الشعر ويقسم الشاعر بان نده ليس كفوءا ليضره ويخشى منه وقد يذكره يوم عكاظ حينما التقيا وتبارزا في الشعر فما استطاع زرعة ان يشق غباره في ميدان السباق ثم يذكره ببرة وفجار وهما معرفتان من اعلام الاجناس والبرة والفجار من الفجور .

و في قصيدة اخرى يهجو زرعة ايضا قائلا الى بني عامر:

فدع عنك قوما لا عتاب عليهم هم الحقو عبسا بارض القعاقع[66]

يقول لزرعة دع العتاب في بني اسد فانهم اهل عز وفخر ونخوة وانك لست مقدرا احوال الناس الاعظم منك قدرا .

و قد هجا النابغة النعمان قائلا:

حدثوني بني الشقيقة ما يمنع فقعلا بقرقر ان يزولا

قبح الله ثم ثنى بلعن وارث الصائغ الجبان الجهولا

و من يضر الادنى ويعجز عن ضر الاقاصي ومن يخون الخليلا

يجمع الجيش ذا الالوف ويغزو ثم لا يرزأ العدو قتيلا[67]

لقد ابتدأ النابغة بهجاء قوم النعمان (الشقيقة) اشارة الى شقائق النعمان اما الفقع البيضاء الرخوة من الكمأة التي تخرج في الارض دون زراعة فلا قيمة لها وهكذا يريد تبرمه، ثم يستخدم الهجاء (قبح الله) ثم اللعنة (بلعن) وقد اراد بالصائغ عطية ابا سلما ام النعمان، ثم اكثر صفات مهجوه فهو يقدر على اذى الضعيف وليس القوي والقريب ليس البعيد .

و قد هجا رجلا اخر وصفه بالأفعى وصل الاصلال قائلا: ما رزئنا به من حية ذكر نقاضة بالرزايا صل اصلال

لا يهنيء الناس ما يرعون من كلأ وما يسقون من اهل رمن مال[68]

و قد بدا البيتان واضحين في دلالتهما فقد ذكرها (نقاضة) التي تحرك لسانها ولا تستقر في مكان والتي اذا لسعت احدا قتلته بساعتها، اما اشارة الصل فهو فرخ الحية السامة الفاتكة وقد جمعه لتضخيم صورته (اصلال) وبهذا الغرض نجد النابغة يستخدم لسانا جارحا وسهما قادحا فيقضي على من يتحداه ويتعدى عليه وهكذا حال الشعراء دائما .

6- الاعتذار: الاعتذاريات اشهر شعر النابغة بلا خلاف، قالها يعتذر بها للنعمان بن المنذر عن تركه اياه ورحيله الى غسان وحين قرأ النابغة تلك الاعتذارية رضي عنه النعمان وتعد اشهر اعتذارياته الدالية المشهورة التي عدها التبريزي من القصائد العشر وقد تصرف فيها الشاعر بفنون مختلفة من وصف وقصص ومدح واعتذار كما قال.

1- وصف الاطلال:

يا دار مية بالعلياء فالسند اقوت وطال عليها سالف الامد

وقفت فيها اصيلا كي اسألها عيت جوابا وما بالربع من احد[69]

2- وصف الناقة والصراع بين الثور والوحش والكلاب

مقذوفة برخيس الخض بازلها له صريف صريف القعر بالمد

3- مدح النعمان:

فتلك تبلغني النعمان ان له فضلا على الناس في الادنى والبعد

و لا ارى فاعلا في الناس يشبهه ولا احاشي من الاقوام من احد

4- طلب التروي من النعمان:

احكم كحكم فتاة الحي اذ نظرت الى حمام شراع وارد الثمد

5- تبرئة نفسه من الذنب:

ما قلت من سيء مما اتيت به اذا فلا رفعت سوطي الي يدي

اذا فعاقبني ربي معاقبة قرت بها عين من يأتيك بالقتد

هذا لابرأ من قول قذفت به طارت نوافذه حرا على كبدي

انبئت ان ابا قابوس اوعدني ولا قرار على زأر من الاسد

6- التراحم والدعاء الى النعمان:

مهلا فداء لك الاقوام كلهم وما اثمر من مال ومن ولد

لا تقذفني بركن لا كفاء له وان تأثنك الاعداء بالرفد

فما الفرات اذا هب الرياح له ترمي اواذيه العبرين بالزبد

7- تقديم العذر وطلب السماح:

هذا الثناء فان تسمع به حسنا فلم المرضى ابيت اللعن بالصفد

ها ان ذي عذرة الا تكن نفعت فان صاحبها مشارك النكد

و نحن نحلل تلك الاعتذراية نجد ذلك الترتيب والتنظيم في نسق البناء الشعري كي يفهم السامع عند انشاده المطلوب وهذه القدرة على تنظيم بنائية القصيدة معروفة عند النابغة، وليست هذه الاعتذارية وحدها ما قدمها الى النعمان بل هناك بائية قال فيها:

اتاني ابيت اللعن انك لمتني وتلك التي اهتم منها وانصب

فبت كأن العائدات فرشن لي هراشا به يعلى فراشي ويقشب

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني خيانة لمبلغك الواشي اغش واكذب

فلا تتركني بالوعيد كأنني الى الناس مطلي به القار اجرب[70]

و يظهر لنا افتتاح القصيدة باستغراب الشاعر مما تاه من خبر مؤلم حتى بات مريضا كان النساء تتردد على زيارته وقد قدم قسمه طالبا ان يصدقه النعمان لما افترى عليه من ذنب لم يرتكبه وقد طلب منه الا يتركه يائسا بل يعطيه الامل والسماح ويدركه بالمغفرة منه وهنا حال الاسترحام وتخفيف الغضب كي لا يشمت به الناس واذا تركه على الحال هذه يصبح كالبعير الاجرب المطلي بالقطران اذ لا يتأمل احد شفاؤه بعد .

 

الدلالات اللغوية في شعر النابغة

اللغة الشعرية:

تعد اللغة بألفاظها وتراكيبها المعين الثر الذي ينهل منه الشاعر في توصيل تجربته الشعرية ضمن مفردات لغوية منسجمة مع الحدث الموضوعي وترابط الصلة في ابيات القصيدة بين الالفاظ والمعاني .

1- تحليل الالفاظ المفردة في شعر النابغة:

لقد تكررت الالفاظ الدالة على الحركة والايحاء كقوله:

اعطى الفارهة حلوا توابعها من المواهب لا تعطى على نكد

و الساحبات ذيول الربط فنقها برد الهواجر كالغزلان بالجرد

و الادم قد خيست فتلا مرافقها قدوءة برحال الحيرة الجداد[71]

تظهر لنا في الابيات الثلاثة الالفاظ الدالة على حركة الحدث الذي اراد توصيله الشاعر (اعطى، فنق، خيست) وكلها تتوائم مع المعنى الذي اراده ولو اراد الشاعر ان يستبدل الفعل خيست لكان ذلك كما جاء في شرح القصيدة عند التبريزي والذي نراه ان الايقاع والوزن الشعري قد قيداه ذلك حيث ان القصيدة من وزن البسيط وقد يحصل خلل لو قال ذللت وقوله ايضا في المخيسة واراد الناقة:

و هوي للمخيسة النواجي عليها القائات من الرحال [72]

و قد اكد النابغة على استخدام تلك اللفظة (خيس) في قصيدة اخرى اذ قال:

و خيس الجن اني قد اقرنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد[73]

و من الالفاظ المكررة عند النابغة (حلفت) في قوله:

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مطلب[74]

و قوله في اللفظة نفسها:

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة وهل يأتمن ذو امة وهو طائع[75]

و من الالفاظ المكررة (ابيت اللعن) قوله:

اتاني ابيت اللعن انك لمتني وتلك التي اهتم منها وانصب [76]

و قوله:

اتلني ابيت اللعن انك لمتني وتلك التي تستك منها المسامع [77]

و لان النابغة يعاني من تلك المشكلة بينه وبين النعمان فقد اكثر من افعال الزعم والظن انظر قوله:

زعم الهمام ان فاها باردا عذب مقبله شهي المورد

زعم الهمام ولم اذقه انه عذب اذا ما ذقته قلت ازدد

زعم الهمام ولم اذقه انه يشفي بريا ريقها العطش الصدي[78]

و يظهر لنا الحاح الشاعر على تكرار لفة يحس بها المخاطب الذي اخص به النعمان لكي يغير الشك به وقد كرر ذكر ما يرمز اليه في ثلاثة ابيات متناوبة قاصدا النعمان الهمام .

و من الفاظه المفردة المتكررة (لعمري) في قوله:

لعمري لنعم الحي صبح سربنا وابياتنا يوما بذات الرواد[79]

و قوله:

لعمري لنعم المرء من ال فجعم تزور ببصرى او ببرقة هارب[80]

و قوله ايضا:

لعمري وما عمري علي بهين لقد نطقت باطلا علي الاقارع [81]

و من الفاظه المفردة المكررة (ابلغ هذا) فعل امر يريد به سرية وصول الخبر الى الشخص انظر قوله:

الا ابلغ لديك ابا حريث وعاقبة الملام للمليم [82]

و قد راينا سبب استخدام ابلغ لانه يهجو ابا حارث وهو زيد بن عمرو الذي طعن بشخصه وكأن الشاعر يقترف امرا فيستخدم الفعل ابلغ للسرعة والرد على عدوه .

و قوله في قصيدة يرد بها على بدر بن حزاز:

الا من مبلغ عني خزيما وزبان الذي لم يرع صهري[83]

ان الشاعر يذكر خزيما وزبان وهما ابنا سيار بن عمرو لانه قد عرف بهما قد اعانا بدرا على صهره ولذلك اشار بالابلاغ امرا (ابلغ).

و لم يقل للنعمان ابلغ بل يتخذ جانبا من الاحترام والتقدير قائلا:

لقد قلت للنعمان يوم لقيته يريد بني حسن ببرقة صادر[84]

و في باب العتاب قال النابغة معاتبا يزيد بن سيار وبني مرة على تحالفهم على قومه:

الا ابلغ ذبيان عني رسالة فقد اصبحت عن فيهم الحق جائر [85]

و قد استخدم (مبلغ) في قول اخر:

من مبلغ عمرو بن هند اية ومن النصيحة كثرة الانداء[86]

و حين يبكي النابغة على بني عبس حين فارقوا بني ذبيان وانقطاعهم الى بني عامر يستخدم الفعل نفسه:

ابلغ بني ذبيان ان لا اخا لهم بعبس اذا حلو الرماخ فاظلما[87]

و كم كرر النابغة لفظة (الكني) ومعناها ابلغ رسالتي اذ قال حين قتلت بنو عبس فضلة الاسدي:

الكني يا عينين اليك قولا ساهديه اليك اليك عني [88]

و قوله:

الكني الى النعمان حيث لقيته فاهدي له اللم الغيوق البواكرا[89]

و هنا اشار ان الرسالة يعني (البركة) وخص الشاعر البواكير لان الغيث اذا تأخر عن وقته بطل كثير من المنافع لتأخره وهكذا يلح على الرسالة الاخبار .

و يستخدم الشاعر لفظة (تمزع) في قوله:

و الخيل تمزع غربا في اعنتها كالطير تنجو من الشؤبوب ذي البرء[90]

لقد استطاع الشاعر ان يؤدي المعنى بلفظة تمزع لانها حملت الى السامع اقصى ما تستطيع من مكنوناتها فقد ادت السرية اداء موفقا يختلف اشد الاختلاف مما تؤديه كلمة اخرى (غربا) كذلك اضافت الى السرعة لونا من النشاط والحركة .

 

2- التراكيب والاساليب المتنوعة في شعر النابغة:

ثمة اساليب متعددة ومتكررة جاءت في شعر النابغة منها:

1- الاستفهام: ويريد به التوصيل ولا يشترط الاجابة وهنا يدخل ضمن الاستفهام المجازي الذي لا يحتاج جوابا كقوله:

الم تر ان الله اعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب[91]

و قوله مستخدما همزة الاستفهام:

ارسما جديدا عن سعاد تجنب عفت روضة الاجداد منها فيثقب[92]

و قوله باستخدام ما لغير العاقل:

و ما حاولتما بقياد خيل يصول الدرد فيها والكميت [93]

و كذلك قوله باستخدام همزة الاستفهام:

اهاجك من سعداك مغنى المعاهد بروضة نعمي لا فذات الاساود[94]

و قد يستخدم الهمزة الداخلة على النفي في قوله:

الم تر خير الناس اصبح نفسه على فتية قد جاوز الحي سائرا[95]

2- اسلوب الشرط وقد جاء اكثر كل الاساليب في شعر النابغة وخاصة في اغراض الحكمة والوعظ والارشاد ومن ذلك قوله:

فمن اطاعك فانفعه بطاعته كما اطاعك والله على الرشد

و من عصاك فعاقبه معاقبة تهني الظلوم ولا تعقد على ضمد[96]

و يظهر لنا بوضوح استخدام من للعاقل واشارة الطاعة والعصيان في باب الارشاد والنصح .

و قوله:و من يتربص الحدثان تنزل بمولاه عوان غير بكر [97]

و يظهر لنا اسم الشرط للعاقل من وفعل الشرط يتربص وجواب الشرط تنزل وقد اشار الى الداهية القديمة اي حوادث الدهر وهو يتمنى الا ينزل الشر بقومه .

و من الحروف الدالة على الشرط (ان) فقد قال النابغة:

و ان يرجع النعمان نفرح ونبتهج ويات معدا ملكها وربيعها [98]

و يظهر لنا في البيت الحرف ان وفعل الشرط يرجع وجواب الشرط نفرح وعطف عليه كذلك الفعل نبتهج واستخدم الحرف اذا ايضا جامعا بين (ان واذا) في قوله:

اذا جاهدته الشد جد وان ونت تساقط لا وان ولا متخاذل[99]

و يظهر لنا الحرف اذا وفعل الشرط جاهدته وجواب الشرط جد وكذلك الحرف ان وفعل الشرط ونت والجواب تساقط .

3- اسلوب النداء: ويريد به الخطاب المباشر والغائب وقد خاطب النابغة المكان (الدار) قائلا:

يا دار مية بالعلياء فالسند اقوت وطال عليها سالف الابد[100]

و قد استخدم الشاعر النداء المرخم بحذف اخر حرف من الاسم مثل (مالك – مال، سلمى – سلم، بثينة – بثين،) او قد جاء في قول النابغة عامر فقال عام انظر قوله:

يا عام لم اعرفك تنكر سنة بعد الحزين تتابعوا بالمرصد[101]

و يخاطب قومه قائلا:

يا قوم ان ابن هند غير تارككم فلا تكونوا لادنى وقعة جزرا[102]

4- اسلوب النهي بالاداة لا وقد تنوعت الافعال المجزومة وقد طلب من النعمان ان لا يتركه بالامل يائسا دون الرضا:

فلا تتركني بالوعيد كأنني الى الناس مطلي به القار اجرب[103]

و يطلب من الناس ان تتعظ بالحياة ومقالب الدهر لذلك ينهى عن نسيان الموت ويذكر به قائلا مستخدما لا الناهية الداخلة على الفعل المضارع المبني (تبعدن):

فلا تبعدن ان المنية موعد وكل امرء يوما به الحال زائل [104]

5- اسلوب الامر بالأفعال والمصادر وقد جاءت كثيرة في شعره ومنها ما جاء بالأفعال قوله:

عرجوا فحيوا لنعم ومنة الدار ماذا تحيون من نؤي واحجار[105]

و قد تكرر الفعلان (عوجوا، حيوا) ويظهر لنا الاستفهام واضحا في (ماذا):

و قوله:

تجنب بني حسن فان لقاءهم كريه وان لم تلق الا بصابر[106]

و هنا يظهر الفتح تجنب الدال على التحذير والتنبيه .

و قوله:

ودع امامة والتوديع تحذير وما وداعك من من قفت به العير[107]

و قوله:

فدع عنك قوما لا عتاب عليهم هم الحقرا عبسا بارض القعاقع [108]

و من استخدامه المصدر قوله:

صبرا بغيض بن ريث انها رحم حسبتم بها فاناختكم بجعجاع[109]

فالمصدر صبرا جاء من الفعل اصبر صبرا .

و كذلك قوله:

حذارا على ان لا تنال سقارتي ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا[110]

و قد استخدم اسم الفعل حذار مراد المصدر حذارا اي احذر .

و قوله:

مهلا فداء لك الاقوام كلم وما اثمر من مال ومن ولد[111]

و المصدر النائب مهلا .

6- اسلوب القسم وقد اشرنا اليه في دلالات الالفاظ المفردة في قوله:

حلفت يمينا غير مشتوية ولا علم الا حسن ظني بصاحب[112]

و قوله:

لعمري لنعم المرء من ال ضجعم تزور ببصرى او ببرقة هارب[113]

و قوله: لعمري لنعم الحي صبح سربنا وابياتنا يوما بذات الراود[114]

7- اسلوب التوكيد بادوات مختلفة منها ان ولام الابتداء والتكرار اللفظي ومن امثلة ذلك:

ان الرميثة مانع ارواحنا ما كان من سحم بها وصفار[115]

و قوله:

ان القفول الى حي وان بعدوا امسوا ودونهم شهلان فالنير [116]

و قوله:

لانك موضع القسطاس منها فتمنع جانبيها ان تميلا[117]

و التوكيد بالحرف قد:

قد عريت نصف حول اشهرا جددا يسفي على روحها بالحيرة المور[118]

و بلام الابتداع الداخلة على فعل المدح نعم:

لعمري لنعم الحي صبح سربنا وابياتنا يوما بذات المراود[119]

8- اسلوب النفي وقد كثرت حالاته منها لا النافية للجنس في قوله:

فلا بد من عوجاء تهوي بمراكب الى ابن الجلاح سيرها الليل قاصد[120]

و كذلك قولهم:

لا عيب فيهم غير ان سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب[121]

و تظهر الاداتان لا داخلتين على (بد، يحسب) .

و من النفي بـ (الداخلة) على الافعال قوله:

و لا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب[122]

تكررت لا ثلاث مرات (منها الاولى والثالثة دخلت على الفعل المضارع المتكرر لا يحسبون اما الثانية فهي لا نافية للجنس ومن دخول لا على الفعل ايضا قوله:

و كذلك دخول ما على الفعل الماضي:

ما قلت من سيئي مما اتيت به اذا فلا رفعت سوطي الى يدي[123]

و يظهر في البيت المنفي فيما قلت وجاء الدعاء ايضا بلا النافية الداخلة على الفعل الماضي رفعت .

 

ا. د. صدام فهد الاسدي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم