صحيفة المثقف

الحراك الجماهيري إلى أين؟

talal algawarالحراك الجماهيري الواسع الذي شهدته بغداد وبعض المدن العراقية يعّبر عن حالة نفاذ صبر طال أمده منذ أكثر من عقد عاشه العراقيون في ظل أوضاع شاذة وغريبة في كل مجالات الحياة، وإذا كان انقطاع الكهرباء المتزامن مع حرارة الصيف الملتهبة دفع بالعراقيين للخروج إلى الشارع والمطالبة بتحسينها ومحاسبة المقصرين فهم يدركون جيدا أن أزمة الكهرباء ليس هي المشكلة الوحيدة الذي يعانون منها فهي جزء من أزمة كبيره تعصف بالبلاد وعلى كل الأصعدة من أقصاه إلى أقصاه فضلا عن ما نواجهه من إرهاب منظم يخرب ويدمر في مساحة واسعة من العراق وما تمخض عنه من وضع مأساوي يعيشه النازحون اليوم وانعكاساته على الوضع العام

أن هذا الحراك الجماهيري الواسع والذي تعدى بمطالبيه تحسين الكهرباء إلى الكشف عن المفسدين وبؤر الفساد المختلفة إلى المطالبة بحل البرلمان ..الخ قد وضع الحكومة وأطراف العملية السياسية في الزاوية الحرجة مدركين أن هذه الجماهير محقة وصادقة وكذلك أيضا تحسبا منهم من أن هذه المظاهرات ربما ستستمر ويخشون من أن العراقيين لن يتراجعوا إلا بالإصلاح الجذري الذي سينتزع منهم ما استأثروا به وما نهبوه وإنهم من أشاعوا الفساد وهم معرضون للمحاسبة يوما، لهذا نجد اغلبهم من نزل إلى الشارع مع المتظاهرين وهناك من يصرح عبر القنوات الفضائية ليعلن تضامنه معهم وكأنهم ليسوا في موقع المسؤولية عن كل ما حدث من فساد وخراب وتقصير طيلة هذه السنوات، وان في تصرفهم هذا لا يمكن أن ينطلي على أحد وانه احد أساليب المخادعة والتضليل التي تعلموها وتدربوا عليها ومارسوها خلال وجودهم في مواقع السلطة.

أن الاستجابة لمطاليب المتظاهرين بإصدار بعض القرارات متعلقة بإقالة هذا الوزير وتعين ذاك ومحاسبة بعض المقصرين والمفسدين يندرج ضمن محاولات امتصاص غضب الجماهير وان لم يكن كذلك فأنها تبقى إجراءات ترقيعية لا تنهي الأزمات ولا تفضي إلى الطريق الصحيح الذي يوصل العراق إلى الاستقرار، فمن وجهة نظرنا أن انعدام الخدمات واستشراء الفساد بأنواعه المختلفة وكثرة المفسدين والسارقين في كل مفاصل ومؤسسات الدولة وانعدام الامن والتخريب الذي طال كثير من البني الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مرده الأساس المغلوط الذي بنيت عليه العملية السياسية القائمة على (المحاصصة الطائفية )التي لا يمكن لها أن تبني مؤسسات ومرافق الدوله بمضمونها الوطني والمهني مهما حالوا تجميلها بمسميات كثيرة كالشراكة أو التوافق وغيرها وبالتالي لا يمكن لها أن تؤسس دولة وطنية تقوم على مبدأ المواطنة ويجد الجميع بمختلف معتقداتهم وتنوعهم الثقافي ضالتهم فيها وهذا ما أراد لها المحتل في تأسيسه لها أن تكون كذلك،فالمحاصصة على أساس الطائفة والمذهب والأثنية يضعف عمل المؤسسات بل ويشلها بسبب انكفاء المتحاصصين على الذات وعلى انتمائهم الطائفي والأثني مما يغيب نظرتهم إلى المواطنة والوطن ناهيك عن ما تنتجه الانتخابات القائمة هي الأخرى على الاصطفافات الطائفية والأثنية والمذهبية من برلمانين يفتقدون إلى الرؤية الوطنية والوعي الثقافي الذي يؤهلهم لان يكون في السلطة التشريعية ، حيث نجد من يمثل أحزاب وكتل هذه المكونات بتنوعها إلى الاستئثار بالسلطة ومغانمها هو ومن يمثلهم حتى نكاد أن نرى بروز شريحة أن لم نقل طبقة غنية ومترفة وذات سلوك متعالي يمكن أن نطلق عليه (البرجوازية الحزبية) على حساب حقوق الناس واستحقاقاتهم الإنسانية، وقد دفع العراقيون ثمن ذلك من حرمان للخدمات وفقدان للأمن بسبب هولاء وثلة من المفسدين ليصبح العراق الأول من الدول المصنفة بالفساد.

أن خروج العراقيين إلى الشارع والتظاهر من اجل التغير والإصلاح بالطريقة السلمية الحضارية أصبح حالة ضرورية فرضها هذا الواقع المرير منذ 2003 والى يومنا هذا وان لا يتوقف عند حدود مطالب معينة بل ليكن سقفه الأعلى هو الإصلاح الجذري واستئصال لكل مسببات هذا الخراب الذي حل بالبلاد،كأن المطالبة بحل البرلمان وتشكيل حكومة تنكقراط وتعديل قانون الانتخابات تغير أو تعديل الدستور إصدار قانون الأحزاب لنضع العراق في الطريق الصحيح ويؤسس لدولة المواطنة، ولكي يستمر هذا الحراك لا بد من أن يفرز قيادات وطنيه ومخلصه غير محكومة بالانتماءات الضيقة المقيتة تقود هذا الحراك الشعبي وتساهم في تحصينه من محاولات الاختراقات التي يحاول أكثر من طرف ركوب موجة هذا الحراك من اجل توجيهه بالاتجاه الذي يخدم مصالحها فقط .

 

بقلم: طلال الغوّار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم