صحيفة المثقف

إشكاليات التجنيس بين الخطابين الشعري والنثري

abdulelah alsauqاشكالية التجنيس منفردةً في اجندة النقد الادبي العربي هي اشكالية التعقيد والتشابك! فكيف اذا سحبت الى خطابي الشعر والنثر والفجوة بينهما والقواسم الرابطة؟! وقد هبطت المخلوقات الفضائية مرة اخرى لتشوش الرؤية العلمية الموضوعية للحدود بين الأصول والفروع!كما شوشت من قبل الوطنية الحقة والنضال الصدق! تقول له قال فان تيغم يقول لك من هذا الحمار؟ هل هو اهم مني؟ تقول له هناك مناهج لدراسة النص الأدبي فيجيبك بأن الأكاديميين لعنة على اجتهاد المجتهد!! ثمة دائما من يهرفون بما لايعرفون! وثمة دائما القراء الكسالى المنبهرون بـ (جُعلان) الدرس النقدي فمن لايعرف ويزعم انه يعرف فذلك احمق فاجتنبوه (القول للامام علي بن ابي طالب عليهما السلام) ومحاولتي هنا ليست من اجل ان اثبت انني اعرف ما لايعرفه الآخرون! فبعداً لي وتعساً اذا كان هاجسي ذلك الإدعاء الفارغ وشيخي الكسائي الكوفي الذي غلب سيبويه في المسألة الزنبورية قال حين حضرته الوفاة (يموت الكسائي وفي نفسه شيء من حتى) فمن هو الصائغ لكي يزعم خلاف ما ادبه عليه استاذه الكبير الكسائي؟! اذن محاولتي هنا هي بلورة المفهوم النقدي لوضع الحدود الجامعة المانعة للمصطلح الإجناسي قدر معرفتي ومروءتي وجهدي واجتهادي في آتون محنتي مع الغربة و العمر والعقوق وتفرق الخلان والأقران بعد مصائب الوطن والمواطن التي ادخلتنا في النفق السرمدي الهندس! عموما لن اطيل الشكوى! فإلى تشريح إشكالية التجنيس ايهذا القاري الجميل :

أشار افلاطون ت 347 ق.م إلى التجنيس الأدبي، لكنه لم يحدد مفهوماً واضحاً لمقولة الجنس، بينا قال ارسطو ت 322 ق.م شيئاً في الإجناسية الأدبية!‍‍! فإذا كان الشعر محاكاة أو محاكاة المحاكاة، فهو قبل هذه وبعدها أجناس من نحو: شعر الملاحم؛ والمأساة، والملهاة، والديثرمبوس[1]

وقد استبعد أرسطو الشعر الغنائي؛ لأنه رآه أدخل في جنس الموسيقى‍‌‌‍‍‍‍!! وحسناً فعل!! بيد أن التقسيمات الأرسطية مبنية على الحدس والجدل، وقد لا يجد القارئ المدقِق ذلك الوضوح المطمئن الذي يعتده ضالته؛ لأن الفن الذي يحاكى باللغة، عند ارسطو نوعان: نثر وشعر[2] إن الجنس (genre) عند انيتاكفن حالة مختلفة؛ فالأدب عندها اثنان: حسي وروحي[3]

وهذا الرأي يمثل قسر المثال على القاعدة؛ فالحسية والروحية داخلتان في الفروع بعيدتان عن الأصول!! وربما اتضح المقصود بالجنس في الربع الأول من القرن العشرين الصاخب؛ مع ظهور الاصوليات العرقية المتجلببة ب‍: الوطنية أو القومية أوالعقيدية، التي اسس لها ودشنها الحزبان: النازي الألماني بقيادة معتوه داء العظمة هتلر والفاشي بقيادة ملتاث داء الكراهية موسوليني!! وهي اصوليات دمَّرت حضارة قرن بتمامه، قائمة على الصفاء المزعوم للدم والأرومة، وإن لكل جنس خصائص ينماز بها، تحدد مقدار شرفه بين الأجناس وعلوّه فوق مراتب الآخرين (كذا‍‍!!) فاستعيرت هذه الأصولية للأدب!! والحق ان اصول النظرية العرقية قديمة قدم الحضارات القديمة، فقد ساد الإعتقاد لدى اليونان والإغريق وسكان وادي الرافدين ووادي النيل، أن دماء السادة تختلف

عن دماء العبيد، فالدماء التي تجري في عروق النخبة المؤلفة من الآلهة وأنصاف الآلهة والملوك والكهنة غير الدماء التي تجري في عروق الشعب ودماء البيض غير دماء السود (كذا‍‍!!) وكانت نظرية تشارلز روبرت دارون (1809-1882) العالم البريطاني التي ضمّنها كتابه الشهير (في اصل الأنواع)

On the Origin of Species الصادرة عام 1859 تصويباً لكثير من الأفكار المسعورة عن الجنس! فاستعيرت الأصولية العرقية للأدب، ثم تجلببت بلبوس العلم والمنطق الأكاديمي لإسكات الأصوات القائلة بوحدة الفنون!! الشعر إذن جنس، والنثر جنس، وهما مثل خطين متوازيين قدّر عليهما أن لا يلتقيا مهما امتدّا!! وكما يسمح للجنس الألماني بالتجاوز والتزاوج داخل حدوده فقد سمح مثلاً لأنواع الشعر بالتداخل والتكامل، وسمح لأنواع النثر الفني بمثل ذلك[4] واشتدت العصبية للتجنيس حتى غدا الجنس الأدبي، علماً له مقدماته، وقوانينه، وتطبيقاته،بل غدا موجها من موجهات القراءة.[5] وإذا تصالح الدارسون على أهمية التمييز بين الأجناس؛ فقد اختلفوا في ملفوظ الجنس ومحمولاته، فأيهم الأكبر؟ وأيهم الاصغر؟ وأيهم الأقرب؟ وأيهم الأبعد؟ الجنس genre أم الفن art أم النوع kind أم الشكل form أم الفرع branch or limp ….الخ؟؟

إن تعدد مفهومات الجنس حالة لا تشكل خطراً على المؤسسة الاصطلاحية إذا نهضت على تأسيس نظري يوضح الغاية؛ فالدكتور عبد الله الغذامي يقول تحت عنوان: التكاذيب بوصفها جنساً أدبياً (وتأتي التكاذيب لتكون فرعاً لذلك الاساس وهي هنا جنس أدبي ينافس الأجناس الأخرى كالشعر والرواية وكلها فروع لاصل واحد). وقد استقرأ الدكتور الغذامي حشداً من آراء خبراء الجنس ومبدعي الأجناس الأدبية قبل أن يقيم اقتراحه!![6] واستناداً إلى هذه المشكلة تمثل (قصيدة النثر) حالة مروق لا تشاكل الشعر؛ ولا تشاكل النثر؛ وهي تأسيس يمثل جلداً مُتْلِفاَ لجسم الشعرية الحي، حتى زعم أن قصيدة النثر جنس مخنث منفعل بنفسه مثل زهرة الجوري؛ فيها صفات الذكر والأنثى معاً!! وقصيدة النثر فيها صفات الشعر وصفات النثر معاً… وتنبّه الشاعر الرائد حسين مردان رحمه الله مطلع الخمسينات الى هذه الإشكالية الصعبة فأطلق على قصائده النثرية (النثر الفني المركز) وحين عاتبه مريدوه في إحدى جلسات مؤتمر الأدباء العرب السابع التي عقدت في قاعة الخلد بغداد أيلول 1969م أجاب على مسمع ومرأى منا واعضاء الوفود العربية وبطريقته الساخرة المرتبكة المعهودة (يا ناس أنا أب قصيدة النثر ومن حق الأب ان يقترح اسماً لمولوده!! بصراحة هي بردعتي أضعها على أي حمار شئت..)!! وتنبّه كذلك الشعراء الحداثيون إلى الإشكالية ذاتها، فرضوا باطلاق (نصوص) على قصائدهم النثرية و(قصائد) على قصائد التفعيلة، وإذا كان التجنيس ممكناً دون منغصات في شعرية الأنواع الأدبية في الغرب؛فإن أمره مستعص على أدبنا العربي، الباذخ!!وقد ورد في لسان العرب (جنس): الجنس: هو الضرب من كل شيء؛ والجمع أجناس وجنوس؛ والجنس أعم من النوع؛ ومنه المجانسة والتجنيس. ويقال هذا يجانس هذا أي يشاكله، والحيوان أجناس؛ فالناس جنس والإبل جنس والبقر جنس!! وثمة مرادفة بين جنس وسنخ فالسنخ (اللسان –سنخ) الأصل من كل شيء والجمع أسناخ وسنوخ!! أما مجمع اللغة العربية في القاهرة فقد نص على أن الجنس هو الأصل، وهو النوع في اصطلاح أهل المنطق، وهو أعم من النوع، فالحيوان جنس والإنسان نوع[7] ووجد مجدي وهبة وكامل المهندس أن الجنس genre هو أحد القوالب التي تصب فيها الآثار الأدبية؛ فالمسرحية مثلاً جنس أدبي وكذا القصة وهكذا…. ومن عهد النهضة بأوروبا حتى أواخر القرن الثامن عشر، كان الإعتقاد شائعاً بأن كل جنس يتميّز تميّزاً واضحاً عن غيره من الأجناس الأدبية كما أنه يخضع لقواعد خاصه به لا بد للأديب أن يتقيد بها، وفي أواخر القرن التاسع عشر طبق الناقد الفرنسي فرديناند برونتير، نظرية التطور على الأجناس الأدبية. وقد أفرد د.أحمد كمال زكي الفصل الثاني من كتابه (دراسات في النقد الأدبي) للحديث عن (أجناس العمل الأدبي) وتطرّف في موالاته لنظرية برونتير الملغومة! وسيأتي تفصيل الحديث عن ذلك لاحقاً[8] ونرجح أن هذه الإشكاليات المحيقة بالتجنيس قد سوّغت لبعض النقاد فكرة تحديث الأجناس الأدبية بيد (أن الوعي بهذه الأجناس على مستوى النقاد العرب والقراء العرب لم يبلغ بعد درجة مرضية وكافية للإقدام على تحديث الأجناس)[9] ولعل الجاحظ هول أول من استعار مصطلح الجنس للمقولات الأدبية بعد أن نفّض عنها الغبار القاموسي حين قال (الشعر صناعة وضرب من الصياغة وجنس من التصوير)[10] ولم ترد (جنس) بشحناتها الجمالية والدلالية في أدبيات العصر الجاهلي في حدود علمنا المتواضع وانطلقت أكثر الدراسات التي تصدّت لأجناس الأدب من مفهومات غربية تبلورت عبر مناقشات طويلة لمقولات أفلاطون وأرسطو… وهي مقولات اشتغلت على طبائع الآداب القديمة زمنذاك، فالأجناس الأدبية الكبرى هي ذاتها الأجناس المتوفرة على صيغها التعبيرية المتميزة مثل الخطابة والشعر الغنائي والمسرحية إذ أن كل جنس يشير إلى إجناسيته من جهة شحناته التأثيرية وجاذبياته الخاصة المتأصلّة عن الألفاظ والأخيلة والمعاني والمجازات، واليونان يميزون بين نمطين من الأدب: الأول ذاتي

ويتكفّل به الشعر الغنائي والآخر موضوعي وتتكفلَ به المسرحية والقصة وما يدور معهما وحولهما، ثم تتبلور الخطابة بوصفها جنساً مركباً بسبب اشتراطاته النفعية،وقد يبدو ثمة شبه بين الخطابة والأجناس الأدبية الأخرى: المسرحية مثلاً!!ولكنه على أية حال شبه سطحي!والقصيدة الجاهلية مثلاً (مركبّة)أيضاً لأنها تشبه الشعر الغنائي من حيث انطلاقاتها الذاتية وتشبه بالمقابل

الخطابة أيضاً لأنها تعدّ لتلقى أو تنشد، والإلقاء حالة خطابية تقترب من آليات النثر، وهذه الإشكالية عرفت نظائر لها في الأدب اليوناني القديم فالمسرحية (وهي شعر في أصلها) تعد لتلقى، ويعيب أرسطو على كتاب المسرحية أو مخرجيها انهم يجعلون الممثلين المسرحيين خطباء، والخطبة تقترب من النثر بقدر ابتعادها عن الشعر مما يزهّد الجمهور في مثل هذه المسرحيات التي تخلط دون إرادتها بين جنسي الشعر والنثر.[11]

ويستنبط د. نبيل راغب من دراساته الأدبية أربعة مستويات في الشكل الفني 1-تنظيم عناصر المضمون وتحقيق الإرتباط العضوي. 2-عناصر المكوّنات ليست المكونات الحسيّة فقط، وإنما هي أيضاً المكونات التعبيرية..3-ويختص بالأشكال الخارجية مثل الملحمة والسونيت والمسرحية والرواية والقصة القصيرة في مجال الأدب أو السوناتا والفوجا والسيمفونية في مجال الموسيقى. 4-ويلخص المستويات الثلاثة ويحدد شكل النص وآفاق الرداءة والجودة فيه (وعمل فني بلا شكل يعني أنه ليس عملاً فنياً) ويرى د.راغب أن الوحدة في التنوع هي بأهمية الوحدة العضوية فالانفصال بين الأنواع والاتصال قائم على ضرورات لا تبدو إلا نادراً[12] فالحاجة ماثلة اذن لدراسات عربية قائمة على استقراء الذهنية النصوصية القريبة من أجل الوصول إلى جدل الإجناسية والشعرية (العربيتين) بحدود الممكن والمتاح!! فقد بدأت الشعرية الأدبية في بواكير العصر الجاهلي سجْعاً يتداوله الكهّان والخطباء والزعماء؛ ثم ضاق المتلقون ذرعاً برتابة السجع وهلهلته، فدشنت الشعرية عهد ذاك خطوة جديدة نحو الأفضل، فجاء الرجز الذي يمثل تطوراً نوعياً للسجع، وإنما سمي رجزاً لاضطرابه؛ وقد التفتت الذهنية الجاهلية الى إشكالية الرجز بوصفه شعراً، وهو يخرج من رحم السجع بوصفه نثراً!! فطردت الرجز عن بيت الشعر، ليقرّ الأدب الجاهلي على رجز وقصيد ونثر فني، فالرجز منـزلة بين منـزلتين ، وهو ليس شعراً (معتبراً) فالشعر معتبر ومهمل، فالمهمل هو الرجز والهزج والمعتبر هو القريض، والعربي لا يعد الراجز شاعراً، حتى قيل أن التراجز هو التشاتم بين الشخصين بالرجز أو سواه.[13]، وحين لجأت قريش إلى أفضل بلغائها ومتكلميها ليسكت بخطابه الأرضي خطاب النبي (ص) السماوي فسألوه أهو مجنون؟ قال لا! أهو ساحر؟ لا! أهو كاهن؟ قال لا!! ثم اتفقوا على اتهام النبي الأمين بالشعر… فاعترض الوليد بن المغيرة وحين سألوه عن سبب اعتراضه قال (ماهو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه، ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشاعر.. والله إن لقوله حلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لجناة)[14] ويتبنى ابن منظور فكرة: الرجز ليس شعراً: (وقد اختلف في الرجز فزعم قوم أنه ليس بشعر وأن مجازه مجاز السجع)، وأضاف ابن منظور: وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر… ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي وجرى على لسانه (ص): (أنا النبي لا كذب _ أنا ابن عبد المطلب) وقال (والرجز كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر… والرجز ليس بشعر عند أكثرهم)[15] والناس عهد ذاك تميّز بين (المقصد) رفع الميم سكون القاف كسر الصاد، وبين الراجز!! فالمقصد شاعر لأنه يقول القصيد والراجز ليس بشاعر لأنه يقول الرجز.. قال الراجز: (قد وَرَدَتْ مثل اليماني الهزْهاز –تدفعُ عن أعناقها بالأعجاز –أعيتْ على مقصدنا والرجّاز)[16] والعربي يقلب أحياناً الزاي سيناً فيقول رجس وهو يريد رجز فتماهى المعنيان (الرجز والرجس) وبات معنى الرجز هو الذنب والعذاب والصنم والوسوسة!! جاء في القران الكريم:

1- (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك). 2-(وينـزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان).

3-(إنا منـزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون) 3-(فأنـزلنا على الذين ظلموا رجْزا من السماء بما كانوا يفسقون) 4-(أولئك لهم عذابٌ من رجْز أليم.)

5-(وثيابك فطهِّر والرجْز فاهجر.)[17]

وحدث التداخل الآخر بين الأنواع حين تماهى المثل السائر مع الشعر، فالشعر يفكك نثرية المثل (الشفاهي) ويصبّها في قوالبه، والمثل بهذه نثر في حاضنة الشعر، أما المثل فهو ذو فاعلية أكيدة جذبت الشعر إلى حقل النثر!! فإذا اشرق الإسلام وأضاء القران الكريم عتمات المكان والزمان والنفس حصلت إشكالية جديدة!! إشكالية إجناسية، فالقرآن ليس شعراً وليس نثراً ولا زمزمة كما يقول الوليد بن المغيرة!! وهكذا توفرت الخبرة الأدبية على ثلاثة أجناس هي: الشعر والنثر والقرآن، ثم ظهرت في العصر الأموي.. الفترة المندغمة مع العصر العباسي إشكالية الموشحات الاندلسية.. وبؤرتها (الخرجة) وهي كلام نثري لهجوي أو أعجمي يقفل به الموشح أغصانه، مما ضيَّق الفجوة بين الشعر والنثر مرة أخرى.. والسؤال: أي غرابة في أن يضم الشعر (قصيدة النثر) في حاضنته، وتراثنا فعل هذا قبلها دون حرج؟! وثمة دائماً الشعرية التي تقرّ في ضمير النص بؤرة للجمال والإبتكار، ولسنا مضطرين إلى تنصيص مصطلحها الناتئ (قصيدة النثر) فقد رأينا شعراً بلا شعرية مثل ألفية ابن مالك، وشعرية بلا شعر مثل اللوحة التشكيلية الجميلة أو القطعة الموسيقية، فإذا لم يكن التنصيص موافقاً لتقاليد القصيدة الجاهلية (عمود الشعر) فهو موافق لحرية الشعر الحديث، وبخاصة نمط الشعر الحر free verse وهو أمر يمثل حالة من الانـزياح عن مصطلح الشعر الحر؛ والشعر المنثور prose poems أو النثر المشعور poetic prose.[18] وربما يكون المصطلح العربي أدخل في روع الأجناس من المصطلح الإنجليزي!!

لقد تأيد لنا أن علماء الشعر الجاهليين لم يعرفوا نظرية الأجناس الأدبية بحدودها الاصطلاحية المعاصرة، وقصارى ما عرفوه هو أن هناك فنين هما: فن الشعر وفن النثر، وهم بذلك لم يبلغوا في التجنيس شأو اليونانيين، وربتما وضحت الفروق بشكل أدق في العصر العباسي، فوضع عدد من نياقدة الأدب حدوداً بين الشعر والنثر بما يقرب تلك الحدود من طبيعة التجنيس، فانبرى أبو عمروبن العلاء ت 154ه‍ وحماد الرواية ت 155ه‍ والمفضل الضبي ت 168ه‍ والخليل الفراهيدي ت 175ه‍ وسيبويه ت 180ه‍ وخلف بن حيان (الأحمر) 180ه‍ وسهل بن هارون ت215ه‍ والأصمعي ت216ه‍ والفارابي ت239ه‍‍ والجاحظ ت255ه‍ وابن أبي عون ت322‍ه‍ والسجستاني ت380ه‍ ومحمد بن الحسن الحاتمي ت388ه‍ وعبد الكريم النهشلي ت403ه‍ وابن هند الكاتب ت420ه‍ والمرزوقي ت421ه‍ والتوحيدي ت421ه‍ والجرجاني ت471ه‍ وابو القاسم الكلاعي ت543ه‍ وابن الأثير ت637ه‍، انبرى هؤلاء وسواهم لدراسة الشعر والنثر والنظر في أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما، واستمرت جهود النياقدة العرب في تأصيل نوعي الشعر والنثر حتى بعد سقوط الدولة العباسية عام 656هـ[19]‍ فتصدى ابن خلدون ت 808ه‍ لهذه الإشكالية ففصل فصلاً تاماً بين الشعر والنثر[20] ولم تسلم فكرة التجنيس من الخلط واللبس الأمر الذي دعا فان تيغم إلى التحذير من أضرار الخلط بين مفهومات الأجناس: قارن قوله:

1- ويمكننا أن نطلق على دراسة الأنواع الأدبية –جينولوجيا- أي الأنواع النثرية والشعرية والمسرحية وفن القريض الذي يشكل وحده موضوعاً قائماً بذاته. 2- وهذا المبدأ، مبدأ النوع ليس موضة اليوم.. انه يشكل بالنسبة للأدب المقارن مقياساً ذا قيمة كبيرة.. والأنواع الأدبية ليست ضرورية لعلاقتها بالمواهب الفردية فحسب، بل لأنها كذلك تعطينا أفضل ترتيب للإنتاجات الطبيعية. 3- أن القول بالنوع الأدبي يعني إثارة سلسلة من الأشباح، ويتعرّض لانتقادات شديدة، وما زالت فرنسا تعاني ألم الذكرى السيئة، ذكرى نظرية فرديناند برونتير (1849م-1906م) في تطور الأنواع، تلك النظرية القائمة على مؤسسة نظامية يشوبها التمويه، قائمة على أوجه الشبه بين الأنواع الأدبية، والأنواع البشرية.. إ.ه‍ . ويلاحظ الدارس حرص فان تيغم على الصفة العلمية للأجناس الأدبية مع درايته التامة بأن شعوب غرب أوروبا تتوجّس خيفة وتتشاءم من مقولة الأجناس التي قادت أوروبا والعالم إلى مذابح مجنونة ذهب ضحيتها ملايين البشر الأبرياء! وتيغم يحذر من مخاطر النظر إلى التجنيس الأدبي على أنه غير مهم في الدراسات النقدية أو أنه موضة يتباهى بها النقاد لزمن محدد ثم يتخلصون منها؛ وكأن تيغم يلمح إلى أولئك النقاد الشاملين الذين يتذمرون من الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية ويطالبون بإلغاء تلك الحدود جهلاً منهم أو رغبة في التخريب كدأب بعض النقاد العرب اليوم الذين يتوهمون أو يوهمون أن الحداثة تقتضي الخلط بين الأجناس الأدبية!![21] ويفرد د. احمد كمال زكي (كما مرّ بنا) الفصل الثاني من كتابه (دراسات في النقد الأدبي بعنوان [أجناس العمل الأدبي] مشدداً على أهمية الأجناس الأدبية ويرى أن هذه النظرية تقوم أساساً على عنصر الزمن لتكشف عن تأثر اللاحق بالسابق بحيث يكون على الناقد معرفة خصائص النص الذي ينقده.. وعلى هذا لا يمكن ان نفهم تماماً قصيدة من الشعر المرسل لشاعر محدث دون ان نربطها بكل مجهودات الشعراء الذين سبقوه، بل ربما وجدنا فيها ما قد يلزمنا بالتعرف على بدايات الشعر التي تتوغل في عصور سحيقة)!! وإذا أردنا ان نحكم على مسرحية معاصرة فلابد أن نلم بماضي الدراما وهل بدأت شعراً أم نثرا، فندرك أنها كانت تراجيديا ثم نشأت الكوميديا غير معتنى بها كما يقول أرسطو وبعد ذلك اختفت في العصور الوسطى إثر ظهور الدراما الدينية!! ثم يعرّف بفرديناند برونتير (كان هذا مدرساً بمدرسة المعلمين العليا ومديراً لمجلة المعلمين ونشر في النقد وتاريخ الأدب ثماني مجموعات كلها تشهد بحرصه على أن يؤكد دائماً العلاقة بين العلوم الطبيعية وتاريخ الأدب ورأى استناداً إلى نظريات دارون ولامارك سبنسر في بعض ضروب الأدب ما يشبه الأنواع في مملكة الحيوان، من حيث تطورها وتسلسلها المعروف) والدكتور زكي لا يرى أن برونتير كان أول من اهتم بنظرية الأجناس الأدبية مع أنه طبقها على ثلاثة أجناس أدبية هي المسرح والشعر الغنائي والنقد الأدبي! فلقد قسّم ارسطو في فن الشعر- الأدب تقسيماً عقلياً هندسياً ليميز القصص والغناء والتمثيل ويقسّم التمثيل إلى تراجيديا وكوميديا! (ولكن برونتير نبه إلى أن نظرية التطور في الأدب لا ترمي إلى بعث الماضي لمجرد بعثه -بقدر ما تستهدف استنباط قانون يمكن ان يفسّر مجموعات المعاناة الفنية في مراحل التطور الاجتماعي، انها توضح تسلسلات العوامل وردود فعلها في الكائن الأدبي طوال رحلته عبر الزمان والمكان آخذة أومعطية؛ متحركة أو واقفة، موجدة في آخر الأمر نوعاً جديداً يجمع عناصره من بقايا نوع سابق؛ ليجسّد علاقة جمالية جديدة تلائم طبيعة النظام الاجتماعي للعصر)[22] ثم يلاحظ د. زكي ذكاء برونتير من إحكامه لنظريته التجنيسية! لكن الذكاء جانبه حين رفض كل إنتاج أدبي (مهما كان خطره) لا يتفق مع فكرته!! ويسوّغ د. زكي موقفه من نظرية برونتير الملغومة (واذا كنا ندعو إلى التمسك بنظرية برونتير فإنما على سبيل ألا تكون دراستنا ذات طابع وصفي وبتعليلات لا نفترض أن تكون ملزمة على طول الخط مع تقرير أن الأعمال الأدبية العظيمة تظل محتفظة بقيمتها الفنية بعد انقضاء وضعها التاريخي الذي نشأت فيه كاستجابة من الأديب لحاجة مجتمعه) م.ن ص 27، إن تقسيم الأدب إلى نثر وشعر لم يحسم المشكلة فقد ارتبط النثر مثلاً بالخطبة والمثل والقصة والسيرة الأدبية (وبدرجة أقل المسرحية التي نشأت شعراً)؛ كما ارتبط الشعر بالملحمة والغنائيات والمسرحيات الشعرية وبصفة أقل الأمثال والقصص الشعري الذي حل محل الملاحم الكلاسية الكبرى! فالقسمة الثنائية تقرّب ولا تحسم (وهي لا تعني شيئاً كثيراً في صياغة الجنس الواحد الا بمقدار ما يكون هناك من فرق بين الأداء الشعري في المسرحية مثلاً والأداء النثري) والدكتور زكي يؤول أن استقرار الأنواع الأدبية (مؤيد لفكرة برونتير، أي أن قوانين التطور في عالم الأحياء لها ما يماثلها في عالم الفنون، فالملحمة مثلاً تشبه الكائن البيولوجي في أنها تنشأ وتتطور ثم تنقرض وانقراضها لا يعني فناءها وإنما يعني أن بعض عناصرها جعل أساسا لنوع آخر كالمسرحية مثلاً أو الرواية النثرية) م.ن ص 28 ويتلبث د.زكي عند (الأجناس الأدبية لأدبنا العربي) بيد أنه تلبث عجل ومضطرب معاً!! ويفسر ذلك بأن الاضطراب ناجم عن اضطراب الرؤية العربية إلى الفنون النثرية وعجزها عن قبول فكرة الجنس المزدوج، (مثل حكايات الأبطال التي ترد في سياق القصيدة الجديدة بتفصيلات تبعدها عن الشعر؛ ومسرحيات البطولة والمواقف التاريخية اللافتة التي تزدحم بالغنائيات والوصف الحسي والخطابية الجوفاء) والخط الفاصل بين الجنس والآخر دقيق جداً إذ لا يكفي أن يكون عروض القصيدة (بحر-وزن-قافية) فيصلاً وحيداً بين الشعر والنثر!! وقد أدى اطلاع عدد من الدارسين العرب على إنجازات الغرب في التجنيس إلى حدوث وعي إجناسي مناسب والى (رفض بعضهم نظرية برونتير القائمة على قاعدة التطور مع تسليمهم بملابسات النشأة والنمو والذبول قبل تحوّل النوع الذابل إلى نوع جديد؛ واستعاضوا عنها بعملية مادية ترد الجماليات إلى الممارسة الاجتماعية داخل إطار التاريخ)! إن البحث الجاد عن بواكير نظرية الجنس الأدبي يحيلنا إلى السجع الديني في الأدب الجاهلي والأناشيد الدينية الإغريقية التي تنشد ضمن طقوس تمجيد الآلهة التي يرأسها ديونسيوس إله الخصب، فهذه الأناشيد تمثل الظهور الأول لعصور الأدب وهذا القول لا ينفي الطور الميتافيزيقي الذي تميزه الحكاية (ولا ينفي أن تكون الأسطورة شعيرة كلامية يقصد بها ترديد أقوال الآلهة في أثناء الطقوس) فالأسطورة موجودة قبل ان تختلط بالحكاية الخرافية ثم أصبحت الأسطورة دستور الحياة والموت في قالب قصصي! وما زال بعض الدارسين لا يميز فيسيولوجياً بين الحكاية والأسطورة مثلاً! وما زالت الحدود غير واضحة بين (النظرة التطورية البرونتيرية والنظرة المادية) (لكننا سرعان ما نكتشف شدة ارتباط النشاط الأدبي كفن بالنشاط الاجتماعي وإن للأنواع الأدبية ومنها الحكاية الأسطورية وظيفة اجتماعية يحكمها التاريخ)[23].

ويفيدنا د. عبده عبود في إضاءة السياقات التاريخية لمقولة الأنواع رغبة في فهم الإشكاليات وتجاوزها.. اقرأ قوله (ومن الظواهر الأدبية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتلقي المنتج الأجناس الأدبية الثابتة نسبياً؛ التي تظهر بداية في أدب قومي ما؛ ثم ما تلبث أن تنتقل إلى الآداب القومية الأخرى، وتنتشر فيها بمساعدة التلقي المنتج المؤدي إلى تأثر إبداعي… إن علماء الأدب يميّزون بين ثلاثة أجناس أدبية أساسية هي: الأدب الملحمي أو السردي والأدب الدرامي أو المسرحي والشعر الغنائي؛ وهم يقسّمون كلاً من هذه الأجناس الأساسية إلى أجناس أدبية فرعية؛ ففي الأدب الملحمي أو السردي كما أصبحنا نقول حديثاً؛ نجد الملحمة الشعرية القديمة والرواية والأقصوصة والقصة القصيرة؛ ومن الأجناس الفرعية في الأدب المسرحي: المأساة والملهاة والدراما والمسرحية الغنائية والمسرحية الشعرية والمونودراما.. والشعر الغنائي ينقسم بدوره إلى أجناس فرعية متعددة وفقاً لشكله الفني أو أغراضه كشعر الغزل والهجاء والمدح والقصة الشعرية؛ ومسألة الأجناس مسألة على درجة كبيرة من الأهمية في الأدب العربي؛ فهذا الأدب لم يشهد حتى أواسط القرن التاسع عشر ظهور أجناس أساسية، كالأدب المسرحي بأجناسه الفرعية كافة والأجناس السردية المتطورة عن رواية؛ وقصة قصيرة، وأقصوصة. ولم يعرف الأدب العربي الأجناس الدرامية أ والمسرحية لأسباب تاريخية حضارية معروفة؛ وإن كان التراث الشعبي قد سجل نشوء بعض الظواهر المسرحية كالأراجوز وخيال الظل؛ إلا أنه لم يسجل ظهور أدب مسرحي في شكله المتطور الذي عرفته الثقافات والآداب الأوروبية! ولعل إحجام العرب عن استقبال المسرح اليوناني القديم إبان العصر الذهبي الأول لحركة الترجمة دليل قاطع على أن نشاطات الاستقبال الإبداعي تخضع لحاجات الثقافة المستقبلة في الدرجة الأولى؛ أما على صعيد الأجناس القصصية أو السردية فقد شهد الأدب العربي القديم ظهور فن المقامة فيه، وهو شكل جنيني من أشكال القصة القصيرة.. ومن ظواهر الأدب السردي التي ظهرت عند العرب في وقت مبكر قصص الحيوان والملاحم الشعبية والحكايات الشعبية وقصص ألف ليلة وليلة..)[24] والملاحظة غير الصحية في الجهد الإجناسي العربي هو وضع صفات مشتركة بين الأجناس والأنواع مما يجعل الحدود باهتة فناقد كبير مثل (صاحب العمدة في نقد الشعر) يضح وكده في تمييز الأنواع على المتلقي ناسياً أن حدود الأنواع حقيقة بالنص أولاً

وآخـراً… يقول د. محمد رضا مبارك (ويلاحظ ان الصفات التي وضعها ابن رشيق لشعر المديح –مثلاً- في بعض جوانبها مطلوبة في كل قول مثل جزالة المعنى ونقاء اللفظ وابتعاده عن الابتذال، بيد أن القسم الآخر فيه قيد وإكراه دون شك، مثل سلوك طريق الإيضاح وتجنّب سآمة الملوك وضجرهم). وإذا كان د. مبارك قد أخذ على صاحب العمدة انه نقل الضوء في التجنيس من النص إلى المتلقي فانه لاحظ احتراز صاحب الصناعتين في صياغة خطابه الإجناسي، فلم يخف إعجابه به (وما أحسن ما صنع أبو هلال العسكري حين صاغ أسس صناعة الكلام معتمداً على من سبقه من النقاد، ملخصاً آراءهم لا سيما الجاحظ، مستخدماً ذكاءً وحذقاً في تثبيت مواصفات الكلام المنثور والمنظوم)[25] إن الحدود بين جنسي الشعر والنثر ليست خبيئة على الدارسين، الأجانب أو العرب فهي تفصح عن مدخولاتها من خلال إبداع المبدعين ونقد الناقدين، بيد أن تشريح كل جنس من هذين الجنسين وفق علم الأجناس (الجينولوجيا) ،لم يلق الاهتمام المناسب لخطورته، ولم نعثر -بحدود اطلاعنا- على جهد مكرّس لدراسة هذه المعضلة العلمية والفنية معاً! ويبدو أن المعضلة ستستمر (فالنقاد العرب لم يتفقوا بعد على دلالات صارمة ومحددة لمقولات الجنس والنوع في أدبينا: القديم والحديث والنقاد العرب المعاصرون لم يستطيعوا بعد ترسيخ مفاهيمها، ومحاولاتهم في هذا الاتجاه مازالت محاولات مدرسية بسيطة متواضعة، محمد مندور، عز الدين اسماعيل، خلدون الشمعة، بالإضافة الى محاولات كل من الأستاذين إحسان عباس ومحمد يوسف نجم؛ وما يجمع بين هذه المحاولات خلا الشمعة هو إصرارها على نعت الجنس الأدبي بالفن الأدبي، الأمر الذي أدى إلى زعزعة مفهوم الجنس الأدبي في ذهن القارئ)[26] لقد ظهرت كتب عربية تتحدث عن الجنس الأدبي، وكأن صانعيها من الحذّاق لا يخاطبون القرّاء وإنما يناجون أنفسهم أمام المرآة، من قبيل السطو على مقولات علماء التجنيس الغربيين دون أية إشارة تُنَـزِّه كتبهم فضلاً عن أن أولئك (الحذاق) يهرفون بما لا يعرفون، فهم في كل واد معرفي أدبي يهيمون، وكل موجة يعتلون!! واستناداً إلى هذه الحيثية التي اشاعها (بعض) الكتاب (المتفيهقين المتشادقين) فقد شهدنا سباقاً (ماراثونياً) بين أبعاض هذا البعض، وكل يدعي اكتشاف حقائق في مساحة الإبداع الجاهلي، فهذا يثبت أن الجاهليين عرفوا فن المسرح، وان جمهور الأسواق كان دائماً على موعد مع أعمال مسرحية!! (متطوّرة) وذاك يؤسس على (هذا) ان العرب مارسوا فن التمثيل وحذقوه فالحكواتي كان يمثل أمام جمهوره، وكذلك الشاعر بين مستمعيه، فضلاً عن الولع بخيال الظلّ!! ثم ينبري آخر ليحدثنا عن الإنشاد الأوبرالي وأن الأعشى كان يمسك آلة الصنج الموسيقية الوترية وينشد أشعاره إنشاداً اوبراليا!! وإذا كان الأمر بمثل هذه السهولة!! مجرّد زعم بلا أدلة فقد ظهر كتاب آخرون فوجدوا طريق الادعاء ممهداً، فزعموا أن العرب الجاهليين برعوا في فن الرواية.. إلا أن الرواية كانت شفهية لعدم شيوع الكتابة والقراءة، وان الرواية كانت متوفرة على عناصرها المعروفة.. ما أكثر المزاعم التي يحدو أكثرها هدف نبيل وهو أن العرب ليسوا أقل شأناً من اليونان والرومان! ولسنا الآن في معرض محاورة أولئك او مفاتشتهم، وكنا نتمنى عليهم ملاحظة المسرح السومري والآشوري والبابلي في بلاد وادي الرافدين ومسرح بلاد وادي النيل، وملاحم التكوين وجلجامش وتموز وطقوس الاستسقاء والخصب والزواج ورقصات الحب والحرب والسلام، وقد شاهدت بنفسي بقايا مسرح مدرّج كبير وفخم في بابل ومسرح آخر في قصر الأكيدر (قرب عين التمر) في العراق، ومسرح كبير ومتطور جدا في مدينة صبراتا (قرب طرابلس-ليبيا) فكواليسه تتألف من سبعة طوابق وهو قائم على شاطئ البحر… وثمة غرف لراحة الممثلين وأخرى لاستبدال ملابسهم، وقد تحدث هيرودوتس عن هذه الفنون حين زار بابل وجيمس فريزر في غصنه الذهبي (كتابنا الزمن عند الشعراء العرب، قارن طقوس الإستسقاء) وقد يعترض معترض على قولنا، فيقول ومن أدرانا أن الذين بنوا المسارح البابلية والمصرية والليبية هم عرب؟ والجواب بكل بساطة هو أن أولئك البناة كانوا أجدادنا، ولا أحد يراهن على صفاء الدم، وهذه المسارح مقامة في أرض عربية شعباً وتاريخاً وسماء… زد على ذلك أن فنون أولئك السلف تمتلك وثائق لا تدحض، أما فنون العصر الجاهلي المتخصصة مثل المسرح والملحمة والأوبرا.. فهذه أمور لا تمتلك دليلاً عقليا ولا نقلياً!! وهو ما نحاول موضعته في سانحة اخرى حين ننهد الى رصد عدد من الفنون النثرية السردية بحدود المتاح والمتوفر.

عبد الإله الصائغ / مشيغن

.........................

مرجعية البحث

1- ارسطو طاليس، فن الشعر ص3 تر: د. عبد الرحمن بدوي. طب دار الثقافة بيروت 1973م

الديثرمبوس: نشيد يتغنّى به في أعياد باخوس إله الخمر، وقد نما وتطور حتى أصبح فناً شعرياً قائماً بخصائصه! والنشيد في الأصل كان موضوعاً لتتغنى به جماعة السكارى على هيئة كورس.

2- الصائغ د.عبد الإله، دلالة المكان في قصيدة النثر –بياض اليقين نموذجا .ص7، طب دار الأهالي للطباعة والنشر –دمشق 1999م. وفي هذا الكتاب زيادة للمستزيد في موضوع الأجناس الأدبية.

3 - - Lois Anita Giffen: Theory of profane love among the Arabs. The Development of the genre. New York- university press-N.D.

4- الصائغ. د.عبد الإله: انظر -

أ-دلالة المكان في قصيدة الثنر، بياض اليقين انموذجاً. ص8.

ب -إشكالية القصة وآليات الرواية –كاتارينا نموذجاً- ص67 طب دار النخلة، طرابلس، ليبيا 1999م.

5- الصكر.د. حاتم. مرايا نرسيس .ص 16 . طب المؤسسة الجامعية للدراسات –بيروت 1999م . وانظر البقاعي. د شفيق. الأنواع الأدبية مذاهب ومدارس .ص169. طب مؤسسة عز الدين .بيروت 1985.

6- الغذامي.د. عبد الله. القصيدة والنص المضاد, ص 146 طب المركز الثقافي العربي. بيروت 1994م.

7- ابن منظور ت 711ه‍ .لسان العرب. طب دار صادر.بيروت (د:ت).

مصطفى إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. (اصدار مجمع اللغة العربية في القاهرة). طب دار الدعوة. استانبول.

8- وهبة. مجدي وصاحبه. معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب. ص 141.

زكي. د.أحمد كمال. دراسات في النقد الأدبي. ص25-96. طب دار الأندلس. الطبعة الثانية. حزيران يونيو 1980.

9- اصطيف.د. عبد النبي. نظرة في تحديث الأجناس الأدبية .ص36. مجلة الناقد (لندن) العدد الثامن. شباط فبراير 1989.

10- الجاحظ. أبو عثمان عمرو بن بحر ت 255هـ. الحيوان 1/444 تح: فوزي عطوي. طب بيروت 1968م.

11- هلال.د. محمد غنيمي، قضايا معاصرة في الأدب والنقد. انظر مبحث (أجناس الأدب ومستويات اللغة) ص156-171.

12 - راغب. د. نبيل. موسوعة الإبداع الأدبي. انظر فصل الشكل الفني . ص 146-159.

13 - الزمخشري. أبو القاسم . جار الله محمود الزمخشري ت538هـ. أساس البلاغة (رجز) تح: عبدالرحيم محمود. طب دار المعرفة. بيروت (د:ت).

14- هارون. عبد السلام محمد. تهذيب سيرة ابن هشام. ص57 . طب مكتبة السنة. مصر 1989م.

15- ابن منظور (رجز) و(قصد).

16- ابن منظور (رجز) و(قصد).

17- القران الكريم (1- الأعراف 34)، (2- الأنفال 11)، (3-العنكبوت 34)، (4- البقرة 59)، (5-سبأ 5)، (6- المدثر 4،5).

18- يحياوي.رشيد.قصيدة النثر.مغالطات التعريف.ص54-76.مجلة علامات.المجلد 8 الجزء 32.مايو1999م(جدة/المملكة العربية السعودية).

الصائغ.د.عبد الإله.انظر تفاصيل ذلك مع الإحالات في كتابينا: أ-دلالة المكان في قصيدة النثر، ب-الأدب الجاهلي وبلاغة الخطاب ص492.

19- الصائغ. د.عبد الإله، الأدب الجاهلي وبلاغة الخطاب. ص 492.

20- الجوزو. د. مصطفى. نظريات الشعر عند العرب في الجاهلية والعصور الإسلامية.طب دار الطليعة. بيروت 1981م. وقد افرد الجوزو الفصل الثاني لرصد (التفريق بين الشعر والنثر) وتلبث عند آراء جمهرة من نياقدة الأدب لمعرفة الحدود بين الأجناس.

21- تيغم.ب. فان. الأدب المقارن. ص 64-66. تع سامي مصباح الحسامي. طب المكتبة العصرية. بيروت (د:ت) .

22- زكي. د. احمد كمال.دراسات في النقد الأدبي. ص 25-31 .طب دار الأندلس، الطبعة الثانية .حزيران يونيو 1980م.

23- م.ن ص 30 وبعدها.

24- عبود. د.عبده، الأدب المقارن (مدخل نظري ودراسات تطبيقية) ص 227 وبعدها، طب مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية –سوريا 1992م

25- مبارك.د. محمد رضا، استقبال النص عند العرب. ص202 وبعدها. طب المؤسسة العربية للدراسات والنشر .بيروت. 1999م.

26- اصطيف. عبد النبي. نظرة في تحديث الأجناس الأدبية. ص36 وبعدها. مجلة الناقد (لندن).

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم