صحيفة المثقف

القاهرة ودمشق معا ضد الإرهاب

mohamad talatما زالت يد الإرهاب تضرب مصر، التي يتبناها تنظيم داعش المسيطر على سوريا، ومن دار في فلكهم من عرب وعجم، فالخيط موصول بحزم الإرهاب الدولي وتجارتهم الرابحة في المنطقة العربية برايات الفتح المتأسلم السوداء.

وهذا يستدعي تساؤلا مصيريا حول مستقبل (مصر وسوريا) معًا، متى تدركان قيمة التحالف والعمل سويا؟.. ومتى الوقت المناسب لهذا؟.. تساؤلات لا يجب عنها إلا القيادة المصرية.

ومنذ بداية الصراع المتأسلم على الحكم، كانت العين دائما على دمشق ومصر وإخضاعهما.. وبالنظر فيما لم يذكره تاريخ الإسلام السياسي في مقتل عثمان، والاتجار بقميصه سياسيا، وإسقاط نبل الرسالة وتحويلها إلى شهوة مُلك تنشر الإرهاب باستخدام المنبر (الديني / الإعلامي) في ماضيه وحاضره، وجعله ألعوبة بين السيف والذهب، لينافق ويؤسس دولة قوامها الفتح الإرهابي المؤيد بأسانيد قرآنية وسنية وشيعية أيضا، ليتجسد هذا الصراع الإرهابي حاليا في صورة ممسوخة من البشاعة الدينية والأخلاقية لكل من يقوم به، ويتعاطف معه في تلك المساحة الشاسعة بين دمشق والقاهرة.

وعلى طول التاريخ السيئ لهذه المنطقة، يتطور أمر الشر الإرهابي بالبصمة العربية المزروعة في جنبات مجتمعاتنا التي قيل عنها مؤمنة بالفطرة، فأي فطرة هذه التي تمسح عقل الشباب من العامة والشيوخ من الصفوة والرؤساء والملوك (من نوعية الرئيس المؤمن وأمير المؤمنين والملك الشريف!) المتآمرين ضد شعوب ودول الجيران الذين يحملون نفس اللغة والمعتقد؟

تلك الأفيونة التي روجت لها كل المنابر؛ لتنويم عقول شعوبها وإخمادهم تحت سيطرتهم للأبد.. وهذا الأمر هو من فجر الإرهاب داخل كل مواطن.. إرهاب إن لم يكن سلبيا بالتفجير، فهو مسئول بشكل كبير عن إفشال مجتمعاتنا وتخلفها ورجعيتها ودروشتها المصطنعة.

صنع هذا كل حركات المتأسلمين السياسيين تحت ستار الدعوات الجهادية والتكفيرية، وشحنهم إلى الحرب بالوكالة وبمباركة منا جميعا، واليوم حين صار البطل المجاهد إرهابيا داعشيا يهدد أمننا وسلطاننا، تركناه يسعى فسادا في سوريا ويذبح أبناءنا من جنود الجيش المصري.. يُخرب ياسمين الحارات الدمشقية، ويُهَجر أبناءها ويقسمهم طوائف وعقائد.. ينحر السوريين ويفقرهم بعد عز.. ويفجر الشوارع والميادين والمباني والشخصيات المصرية.

ومن الخسة التي ما زال بعض الحكام يتعاملون ببرود مع هذا الشأن، وزَّبانِيَتُهم يمضغون علكة داعش المسمومة ليبصقوها علينا بتجميل مخادع في جرائدهم وقناواتهم باسم الدولة الإسلامية.

داعش ومَن وراءها الآن تستفرد بسوريا، وتطرح ملف التقسيم على الطاولة الدولية المؤيدة، وإن نجحت في إسقاط بشار الأسد ستلتهم الدولة السورية بالكامل فيما بعد، ولن يحد طموحها استقطاع أرض من الأردن والسعودية، وسيكون دخولها لسيناء مصر أمرا لا أحب أن أصفه باليسير، لكنه قد يتحقق حال غياب البصيرة للدولة المصرية في الإسراع للتحالف مع الدولة السورية.. فمستقبل السيسي والجيش المصري الآن على المحك، والخلاص يبدأ من دمشق وليس من سيناء فقط.. والتحالف بين بشار والسيسي سيصحح الأوضاع ويعيدها إلى النقطة صفر.. أو على الأقل يضعها تحت السيطرة، وقلب الموازين على رأس داعش والداعمين لها.

القرار المصري ربما يخسر الكثير من تحالفه هذا في الوقت الراهن.. إن رفضه بعض الداعمين من الأصدقاء الخليجيين، لكن المكسب البعيد من وراء تحالف مصر وسوريا سيعوض الخسارة القريبة.

وعلى هؤلاء الأصدقاء الآن وليس غدا، أن يدعموا قرار التحالف، موظفين أجندتهم الخارجية وتأثيرهم المحلي لصالح إنجاحه.. وعليهم أن يعوا الدرس التاريخي من ملوك الإمارات الأندلسية، الذين لم يحسنوا التحالف فيما بينهم، بل تعاونوا مع الفرنجة لضرب بعضهم بعضا.. والعراق ليس ببعيد.

سياسة الجزر المنعزلة المتبعة حاليا، والتعامل مع ما يستجد من أمور حسبما تمليه اللحظة، أمر خاطئ.. يؤدي إلى مهلكة الجميع.. سوريا بمفردها لن تنجح.. ومصر بمفردها لن تحقق أي مكسب.. الاٍرهاب سيعود مرة أخرى وسيتكرر، إن لم يتحالفا.. فكل منهما عمق إستراتيجي للآخر.

وكلمة تَعْلَمُها القيادة المصرية بكل تأكيد وهي للتذكير، فقط راجعوا إستراتيجية أهم قادة مصر والعرب، صلاح الدين وقطز، حين خرجا من القاهرة لملاقاة الهمج والغزاة بعد سقوط الشام في أيديهم.. وفي تاريخنا المعاصر تأملوا رؤية جمال عبد الناصر في وحدته مع سوريا.. إن هذا التحالف في حد ذاته حاليا، سيقضي على غباء الصراع الإسلامي العربي العربي، وهذا خطر أفظع إن تحققت نبوءته الدموية، وتمكن منا الغزو المتأسلم الإرهابي.

الأمر خرج على نطاق الدبلوماسية والصمت السياسي، نحن أمام كرة تاريخية تسجل أهدافا في ذاكرتنا وحاضرنا.. وإن لم ننتبه، فقد يحتلونا باسم الفتح مرة أخرى، وقد يصدقهم الناس كما تكرر!

 

د. محمد طلعت الجندي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم