صحيفة المثقف

أرواحٌ بلا وَطَن لزينب فخري .. طغيان الانثى في ما تبقى من خبايا النفس

hamid abdulhusanhomaydiلكلّ وطن خصوصية يتميّز بها وتطفو على مسمّياته المختلفة، التي تأخذ حيزاً مكانياً في الذات الانسانية، وحينما نحاول سبر اغوار الاحداث التي يمرّ بها المجتمع العراقي في ظروفه المعاصرة، نجده يعاني من تخبطات و تلكوءات حياتية قاسية، معجونة بشظف العيش والعوز والحرمان والتمرّد الذاتي الذي يغلب على الانسان العراقي، وهو يواجه تلك الازمات النفسية الحادة، نجد اتجاهات أخرى اضيفت لتكمّل ما خبأه القدر لنا، ألا وهو القتل والحروب والدمار والإرهاب الذي يكاد يفتك ببنيته الداخلية .. لولا مشيئة الله تعالى في اضفاء مسحته الرحمانية، وهي تداعب بصيص الامل الذي يبرق في عيوننا، كل تلك المسببات ادّت الى تمزق نسيج وحدة المجتمع العراقي .. وضياعه في دوامة الشتات وانغماسه وراء الحلول التي تكاد تختفي امام ساسته الذي لا يملكون حلّاً حقيقياً على ارض الواقع بل مجرد ترقيعات وهمية / آنية .. بعيدة عن الوضع المأساوي الذي يحرق أشرعة النجاة ويمزقها شرّ تمزيق .

القاصة (زينب فخري) في مجموعتها القصصية الجديدة (ارواح بلا وطن) 2015، تضعنا في رؤية مستقاة من الحياة الواقعية، على الرغم من قسوتها وظلامية الغد، بحيث لا يمكننا ان نتصفحها ضمن سقطات لاضاءاتنا التنبؤية، فهي تحاول ان تسلط الضوء على حيثيات معاناة الفرد العراقي في ذاته ووطنه، اذ / انها وبما تمتلكه من براعة في السّرد القصصي، وكيفية طرح الفكرة الناطقة بالتداعيات في محاولة منها لجذب القارئ الى التعاطف مع ما تقصّه سلباً او ايجاباً، كما لا يمكننا ان نغفل ان الحسّ والطابع الانثوي غلب على مجموعتها / الطابع الشعوري الباطني الذي تشعر به كل أنثى مهما كانت، وهي ترى الاخريات بعين ٍ ملؤها الحزن والأسى لما يعانين من ألمٍ وإساءة وضياع وانتهاك للحرمات وفقدان الامل .. هي تحاول ان تشدنا الى ان حقوق المرأة ان تعلنها صراحة في قصتها (لا أريد أن ألتفت إلى الوراء) بقولها: (بعد الإمضاء خرجتُ من الملجأ وخطواتي تسابق الريح، وأنا أسمع صوت صراخه وشهيقه.. لا أريد أن ألتفت إلى الوراء فلم يعدّ له وجود في مستقبلي!) او في قصتها (للبيع) تقول : (لا أقوى على النهوض من جديد فقد عزمت على اتخاذ قراري وأوفر على ابنتيّ هذه المأساة وكلّ ما عليّ فعله الآن : هو اختيار إحدى طفلتيّ هاتين للبيع!) .

(زينب فخري) امرأة .. وأمّ .. وموظفة .. وقاصة، تحمل ذلك الهمّ والعبء الكميّ الذي يغصّ بمنغصات حياة الواقع، تسرده بحرارة وحرقة النفس / وهي تومض للآخر اشارة منها، أن المرأة مخلوق لا يمكن الاستهانة به، او إذلاله، لأنها تمتلك طاقات وقدرات كبيرة ترفد وتؤهل من خلالها المجتمع، بجيل واعٍ / ان اتيحت لها الفرصة في اخذ دورها الحقيقي ووضعها في المكان المناسب الذي يليق بها، لا ان تهمش وتستلب حريتها، او ان توضع في خانة (أكل الدهر عليها وشرب) لتجمّد تلك الحرية وتصادر، كما في قصتها (يوميات ثرثرة) حيث تقول: (

- الأجنبية: لو قاموا رجالكم بثورة للمطالبة بالمساواة فهذا من حقهم، لكن كيف تقضين يومك؟

- القرويّة: أستيقظ صباحاً أعجن .. أخبز .. أعدّ الفطور .. أحلب البقرة .. أجمع البيض .. أجهز الغذاء .. أحمله لزوجي في المزرعة .. أساعده في جمع المحصول .. أحتطب .. أعود للبيت .. أهيأ العشاء .. أنظف البيت والزريبة .. أقضي حاجة الأولاد .. إذا وجد مأتم في حيينا أنتقل إليهم لأكون عوناً ..

قبل أن تكمل سقطت الأجنبية مغشياً عليها !) .

وهي بذا تجدّ في طرحها أن هناك اختلافاً ما بين المرأتين (الاجنبية والعربية) من حيثيات الحقوق والعمل وكيانية الذات، هي دعوة تطلقها القاصة المبدعة (زينب فخري) لإصلاح ما افسده الدهر / لملمة ما تبقى من خبايا النفس / مزج الابتسامة رغم قوة الوخزة / وكثرة الاسئلة / ودناءة الاخرين / وما نكتشفه دون ان نعالجه / وعدم الالتفات للوراء / او نبذ الميل للغة الاصم والصماء / وإعطاء حرية الاختيار والفرص الجادة وعدم الخداع . وكأني بها تقول: (لنبدأ الانَ).

 

حامد عبدالحسين حميدي / ناقد عراقي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم