صحيفة المثقف

الصوصمتية في شعر صدام فهد الاسدي

sadam alasadiالمصطلح: كلمة منحوتة [1] من (الصوت) و(الصمت) مصوغة مصدرا ً صناعيا ً معناها ان الصوت والصمت المعروفين مقترنان، فحالما يوجد احدهما يوجد الثاني [2]، بنسب مختلفة وبدرجات متفاوتة ومستويات متعددة وبأنماط متنوعة فقد تكون الغلبة لأحدهما ولذلك اسباب، وقد يكون عنصرا المصطلح متجاورين او متداخلين او متعاكسين اما حديث الانماط وتنوعها فأنه حديث اللانتهاء على وفق تنوع استعمالاتها وذلك مرهون بطبيعة التجربة والجنس الادبي ونوع الجنس كأن يكون الشعر غنائيا ً او حرا ً او شعر تجريب او غير ذلك ومقدرة الشاعر على ملاعبة سيفي الصوت والصمت في هواء النص فمرة يكون الصمت موضوعة ومرة يكون الية للتعبير ومرة يكون مقدرة متداولة للتعبير عن معان، وربما يكون اشياء اخرى في سياقات اخرى المهم انه لا ينعزل عن الصوت ابدا ً وفي اقل تقدير انه (الصمت) معبر عنه بالصوت تلفظا ً وكتابة وسيأتي ما هو في (اكثر تقدير وامكان)

 

لماذا الصوصمتية؟

من جهتنا / ذاتيا ً لأن احدا ً لم يجمع بين كون الصوت لغة وكون الصمت لغة ليشكل لغة ثالثة فقد بقي الامر محصورا ً في اطار كل منهما على حدة وان كان ثمة من جمع بين اللفظية الصوتية الموافقة للحركة الايحائية [3]، اما نحن فقد جمعنا بين رأسيهما على وسادة واحدة تضافر بينهما لتحقيق الاداء اللغوي والادبي بكيفيات مختلفة متنوعة

ومن جهة كينونتها فبعض الرسائل تحتاج الى قناة واحدة للتوصيل وبعضها فيها حاجة الى اكثر من قناة [4]، ولا ندري مدى صلاحية التفرد او التعدد في رسالة بعينها غير اننا نظن ان الصوصمتية بحاجة الى اكثر من قناة / شفرة للإبلاغ الرسالة جماليا ً .

ونفسيا ً فالمنهج ليس بدعا من سنن الكون فكل شيء الى قرينه او الى قسيمه لتحقيق اهداف حيوية كبيرة من مثل الجمع بين الماء والنار وبين السالب والموجب فلا هذا يقوم او يدون ولا ذلك وحده في هذه الحالة لا بد من الشراكة لأن هناك حركة (من) (الى) فالموج يهدأ ليضطرب والانسان يصمت ليتكلم ليصت [5] .

فالصوصمتية على هذا مناورة في طريقتي الاداء بما يعبر عن التجربة على مستوى الجملة داخل النص وعلى مستوى النص نفسه كيانا صوصمتيا ً ومن هذه الوجهة وعلى مستوى ثالث النصوص مجتمعة في ضمن اطار ما من الموضوع والسياق وغيرهما .

رب قائل يقول واي كلام ليس فيه صوت وصمت تضافرا وتضاددا ؟ فنقول واي كلام ليس فيه اسم وفعل وحرف [6]، ولكنما الكلام اساليب ولكل طريقته في ايرادها وايراد الامرين فيهما صوصمتيا وجمليا او ورودها عنده المهم في القضية ان وجهي الاداء يختلف عن ثنائية الزمان والمكان مثلا والماضي والحاضر والثابت والمتحرك فهما اكثر الثنائيات حضورا وتنوعا .

اما يكفي ان يعبر الصوت عن الخلجات ؟ نعم لكن بلاغة اكبر من بلاغة الصوت فالأولى مفتوحة على الايحاء والتأويل والتخييل والثانية محدودة بالكلمات من هنا كان الاقتضاء الى المشاركة للتخلص من جفاف المحدودية والتمتع بطراوة الاتساع وبذل الجهد مع الناص لتكوين صورة المعنى واثره وقصده وحدسه ولذته [7].

الجديد اننا لم نقصر على تضافر الحركة والكلام الذي حاوله الجاحظ [8] ونقله د . مهدي عرار [9]، وانما ذهبنا الى ابعد واعمق واعلى واوسع في قران الصنفين الى ما لا نهائية التلازم في الاداء فنهجنا منهج ما يختلج في الصدور وهذا خاص الخاص من الصمت لا يفهمه الا الحساسون، وبهذا فهناك فرق بين لغة الصمت والصوصمتية فقد يقول احدهم كلاما ويضمر في نفسه ما هو اخص واهم محاولتنا هي الوصول الى ذلك سعي المعرفة .

 

المفهوم

الصوت محدود بكلمات، الصمت اوسع واغنى الصمت موسع لمدار الصوت ومخبئ لبعض اسراره المكشوفة كل ذلك بطريقة ما تسحر القارئ، الصوت يعبر عن المعنى بكلمات محدودة والكلمات تقيد المعنى بصياغاتها من معان [10]، واضيف الى ذلك انه حتى بعد الانبعاث الصوتي فأن الكلمات لا تستوعب الافكار والاحساسات والشعور جميعا وانما بقدر ما يتشكل فيها المعنى على وفق تركيبه فالصمت اذن يكسر قيود العبير لينطلق الى افاق المعنى غير المحدود الذي يضيفه المتلقي على ازيد للإفادة وتجدك انطق ما تكون اذا لم تنطق الامر صراحة [11]ذلك ان الرأي والاعتقاد والفكرة والخطرة قول من غير صوت أي انه صمت [12] يكتنز قولا ً كامنا في العالم الداخلي للنفس في حالاتها الصافية فيكسب المعنى المعبر عنه في النص عمقا ً وتعدد رؤى وتنوعا لأنه نابع من دائرة الحياد في انتاج الدلالة وبذلك لا تنحاز الى الاضاءة الكاملة ولا الى العتمة الكاملة [13]، فالشاعر عموما ً لا يريد ان يكون واضحا ً تمام الوضوح انه يرش النقاط كلف على وجه النص ليمنحه ملامح اضافية تؤدي الى تحرك فضول الاكتشاف والمحاولة لدى المتلقي او هو يضع ملحا في طعام الكلام او سكرا في عصيره ليقدمه مستساغا لذة للأكلين والشاربين يحاربون من اين يأتيهم التمتع والالتذاذ

 

تعددت الخطات والموضوع واحد:

دارت في الذهن خطات متشابكة لكنها الت الى واحدة تكاد تكون ثمرتها جميعا وهي: المصطلح اشتقاقه ومفهومه ثم لماذا الصوصمتية ثم ثنائيتها في الكون: الاشياء والامور والانسان ثم الصوصمتية في النص القرآن الحديث الشعر قديمة وحديثه ولنتذكر دائما اننا لسنا بصدد الأمثلة التي تتناول التضافر في الادب وانما التي تمارس التضافر فعلا فيه الحظ ان التناول كلام والممارسة عمل في صمت = ابداع

 

فلسفة البحث:

تنطلق من كون الشيء وضده يترجحان حتى يستقر بتوازن معقول فإذا تكلم الانسان مال الى انهاء كلامه واذا صمت مال الى الرغبة في الكلام واثناء الاسترسال في الكلام يرى نفسه حاجه الى قيلولات بين الجمل ليتمكن من المواصلة .

 

في الكون:

الوجود يقوم على ثنائيات متوافقة او متضادة او متحولة والامثلة كثيرة منها ان الطفل يولد من ظلمات ثلاث حتى اذا كان خيط النور الاول صرخ ايذانا ببدأ الحياة

 

في الادب

الادب جزء من الكون اذ اللغة كون اخر بها نستطيع صناعة اكوان دون اكون الاكبر وفي هذا الكون اللغوي تتجسد ثنائيات منها ثنائية الصوت والصمت التي نحتنا منها الصوصمتية بسبب من تلازمهما فالآدب صوت لفظا ً وكتابة وان ما يرد فيه من الصمت بكيفيات مختلفة ضرب من تلازمهما واهم ما فيها التعبير عن المعاني المركوزة في النفس بواسطة الصوت المعلن قولا ً وكتابة وللتلازم اشكال والوان حتى في ابسط الكلام من مثل قول الفتى سأسكت عن الكلام ومثل قول اخر اتدري ما فعل ؟ اتدري ماذا قال ؟ ويسكت عن الافصاح عن الفعل والقول .

وهناك منطقة مشتركة من مقل: انما اشكو بثي وحزني الى الله . والالم الذي يعتصر ملامح الوجه ويخنق مجاري الآهات يوصم بالقصور ومن لا يفهم دلالاتها .

 

الموضوعة والحواس

تختص الحواس بمثل هذه الثنائيات فالبصر يختص بالنور والظلام والسمع بالصوت والصمت واللمس بالنعومة والخشونة والفؤاد يقبل ويرفض يميز الخبيث يهمنا من الامر ما يخص السمع والبصر لأنهما اهم الحواس وقد سبق احدهما الاخر [14]، قد ينقلب السمع بصرا [15]وربما البصر سمعا [16]، وامر الحواس الداخلية اشد واقوى من الخارجية .

 

في المذخر النقدي

يرى الجاحظ ان الحركة والاشارة وغيرهما بديلان عن الصوت ويتكلم الثعالبي على دلالات كيفيات النظر بالبصر [17]، ويقرر ابن جني ان الوجوه دليل على النفوس ويرى الغزالي ان لا تضافر بل استقلال اما الرازي فيشبه ابن جني [18]، في دلالة الوجه على الباطن .

وهناك قولات موروثه مثل: اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب على انهما في المعجم صامتان وفي المثل ما له العين احيانا: فالصوت سبب لعشق والصمت والبصر ثانيا

وكأن رجع حديثها قطع الرياض كسين زهرا

فأي تداخل هذا بين الصوت والصمت في تشبيه نادر واي تراسل في الحواس !

 

في عرض الدراسات الحديثة:

يقتصر الكلام فيها على الصمت وحده من دون ان يكون الصوت معه قرينا وملازما وصاحبا متعاونا لكنه يبعث فينا استحضار الوجه الاخر للصمت وهو الصوت وقرنه به فنور الدين بو صباع يصف الصمت بانه قلاع او ان له قلاعا ً أي انه عالم مكتنز غامض ذو دلالات لابد لمقتحمه من جهد استثنائي لدخوله والتعرف على اسراره وينعته بانه لغة ام أي لغة جوانية يعود بواسطتها الانسان الى الذات عندما لا يكون للكلام مع الآخر معنى .

اما نحن فالصمت لدينا من زاوية الصوصمتية لولاه لسفه الكلام نفسه ولولا الكلام لظل الصمت في قاع القلب راكدا ً يتسنه لا محاله .

ويقول حسن اوزال في (الكتابة والصمت) [19] ان ما نكتبه هو مالا نستطيع قوله فلو كان باستطاعتنا قوله ما كتبناه انا اقول انما نكتبه هو ما نستطيع قوله في البحث (صوت) وان ما لا نكتبه = ما غابت كتابته عن حضور البحث هو (الصمت بعينه) ولهذا الصمت اسباب فقد يكون بعلمنا ولا نريد قوله او لا نرى اهمية في ذكره وهو صمت قصدي وقد لا يكون بعلمنا وانما بجهل منا اياه وبغفله منا عنه، ويفوت التنبيه اليه، وهذا الصمت غير قصدي ولا يعتد به اقول ان ما تقوله شفاهنا او نثبته كتابة هو ما نستطيع قوله وفي هذا يتجسد التضافر الصوصمتي .

واختص د .مهدي اسعد عرار بأمر الصمت في كتابة (البيان بلا لسان – دراسة في لغة الجسد) وتخصص فيه لكنه بقي في دائرة ضوء الصمت لغة بديلة عن لغة الكلام [20]حاله حال الجاحظ وغيره اما انا فألخص منهجي في هذين البيتين:

وكم من كاتب في الصوت طرا يضاهيه المؤلف في الصموت

ولكن لم اجد فردا معافى يؤلف بين صامتة وصوت

 

على هذا الاساس يعلو بنيان البحث:

هي والفنون:

حال ملازمة الصمت للصوت مشابهه بملازمة الظل والضوء في فن الرسم (اللوحة التشكيلية) والقرار والجواب في الموسيقى (المقام) والحركة والسكون في اشياء الكون والقول والفعل في التداولية والصوت والصدى في الطبيعة وربما لهذا قال شوقي والذكريات صدى السنين الحاكي فالذكريات صور (صمت) واصوات وخليط منهما وما الصدى الا صوت مسموع متخيل سماعه فيزياويا مسموع وله وقع شعريا هو ضرب من الصمت الملازم للصوت مسموع بالقلب الصدى الحاكي = المتكلم بصوت ما لا يسهم بعد ذلك من يسمعه او لا يسمعه يسمعه بأذنه ام بأذن قلبه او بقلبه ويبدو ان الوجه الاخر (الظل والصدى) ادهى امرا من الضوء والصوت لما يكتنفه من غموض اذ الصمت لغة بالقوة حينما يكون الصوت لغة بالفعل ويكون الصمت لغة عندما يعجز الكلام عن ان يكونها بالحيوية نفسها وفي ذلك اسرار .

 

هي في النصوص القرآنية:

1- في القرآن الكريم: كثيرة هي الآيات المشيرة اليها المتكونة منها مستويات وانماطا ً سنختار منها وندع القارئ يشارك في استخلاص روح المنهج ابتداء (ان الله كان سميعا بصيرا ً) و(ان الله كان سميعا عليما) وهما مفتاح الصوصمتية واذا شئنا ان نذكر ايات معينة فأننا سنختار (وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو الا ذكر للعالمين) القلم، ولما سمعوا (صوت) ثم نظروا بشزر (صمت) وقالوا صوت . والمقول (انه لمجنون) صوت لسان وصمت قلب واعتقاد، وفي سورة الكهف (فأصبح يقلب كفيه على ما انفق فيه ويقول ياليتني لم اشرك بربي احدا) يتآزر الصمت الحركي المعبر مع الصوت النادم .

 

2- في الحديث النبوي الشريف ومتعلقاته:

الحديث كلام وسنة (عمل، سلوك، فعل) اجمل ما في الحديث مثالا ً للتضافر ومن صميم الصوتية قوله (ص): (انا وكافل اليتيم هكذا في الجنة – واشار بالسبابة والوسطى) اذ ورد الصمت جزءا ذائبا في الصمت ومطابقا للقرب المنزلي لدى الله سبحانه .

 

3- في الشعر

سأنظر الى شعر السيد حسام الاعرجي لأني كتبت عن لغة الصمت في سابقا ً والى شعر السياب لأنه السياب البصري ولشعر عبد الهادي الفرطوسي لأنه كرس ديوانه (انجيل ام سعد) للبصرة والى شعر صدام فهد الاسدي لأنه بصري وفوق ذلك اسباب لاختيار شعرهم اهمها توافر المادة الخصبة فيه متجاوبا وضربات المنهج .

فالسياب مثلا في بداياته غير من اصبح في استعمال الصوصمتية اذ كانت كفه الصوتية ارجح الا في نهاياته ولدى الاسدي يقف الكلام في جهة ويقابله الصمت في جهة اخرى فيتخاصمان في العنوان (لا شيء غير الكلام) واذا بهما يتآزران في الداخل لأثبات الخصومة الساكنة في العنوان اما عبد الهادي فأن نصه (حوار) ايقوني بصري سمعي أي صمتي صوتي بامتياز خاص من اوله الى اخره وبآليات مستحدثه .

ومن المهم ان نذكر محمود درويش مثالا حيا للتحولات الصوصمتية في بداياته الصاخبة الحماسية وما بعد ذلك في شعره الكتابي من حذف وبياض وتدرج كتابي واشكال هندسية وغيرها لكن احمد الجوه لا يقتنع بدرويش صوصمتيا وبالأحرى صمتيا لأنه – بزعمه – لا يستعمل البياض والتشظي الحروفي المتقطع صمتيا، وقد وجدناه يستعمل البياض عازلا ً ومنعزلا ً ويستعمل التشظي الكلماتي لا الحروفي، فراح يبحث عنه لدى محمد شمس الدين وسعدي يوسف علما اننا وجدنا تحولا لدى درويش من السماعية الى الكتابية واستعماله البياض الية للصمت والصوصمتية .

(لا شيء غير الكلام) لصدام فهد الاسدي ينحى منحى اخر في الصوصمتية اذ يختلف اولا عن (جرح يتكلم) في انه يمحو صفة الصمت من الكلام فكأنما هو هذيان واع، اذا علمنا انه كتبها 2007 وكتب بعدها (انهار ضمأى) 2009 استنتجنا انه ابدل بالصوت الصمت بمعنى ان الصوت عندما يكون لا مجديا فيتجه الى الصمت مجديا ً .

لنفسر معنى لا شيء غير الكلام بما لا يأتي: لا صمت وراء الكلام لا اسرار لا اريد تأويلا ً انه مجرد كلام، لا اريد له تطبيقا اذن لا يوجد صمت = صمت الصمت = انعدام الصمت اهو مثل قولنا سر الاسرار ؟ اليس هو الصمت صمتا ً ولا يغير من الامر شيء غير صوت الاسئلة والاستفهامات التي تقطر في عناقيد الكلام لتتجمع في نهايات النصوص المدببة لتخرق بطلقة استفهام متراكب صمت الانتظار الثقيلين كليهما بعد ان تناثرت – الاستفهامات – هنا وهناك خفيفة في ثنيات النصوص فلا شيء غير صوت الاسئلة وكل ما عداه كأنه صمت عنوان الاعرجي صمت يفصح عنوان الاسدي ينفي الصمت لكنه يستعمله، كيف ؟

كم مرة احترقت بنار الشعر صامتا ثم كان الرماد صدحا ونتاجا وفيرا كم مره ارهقك الصمت حتى رحت تلهو بالصوت ربما سميته لغوا لآنك قلت لاشيء غيره، كم مرة رافقك النسيان لكنك في كل مرة تصر على التذكر كم مرة مات الشعر لديك فأحييته بعذاب الفقر ووهج الفكر اراك تنادي يا علي، صرخة في وجه كل صمت سلبي تشكو كساد سوق الشعر بصمت رهيب وتئن انينا ً غامضا ً موجعا ينزل في قرارة القلوب لا الاسماع وتنشد وتكتب وتلتذ بحرائقك كم مرة ناديت وناغيت ودعوت وابتهلت كأني بك تقول لا اريد غير ان تفهموا كلامي وحسب ان اجري الا على الله، لا اريد ثمنا ولا لدي موقف مضاد اتخذه وليس لدي مبطن وليس تحت لساني مخبوء انا صادق صريح كل مادي في هذا الكلام يبدو ان الديوان ضد الصمت لكنه في حقيقته تضمن كثيرا ً من اشياء الصمت حتى اذا افرغ ما في جعبته لجأ الى انهار ظمأى الانهار صمت وصوت ماء وخرير وربما اصوات اخرى كأصوات النوارس والريح تهفو على سطحها والنسائم تداعب اغصان الاشجار على ضفافها انها مثل الجرح يتكلم هي تروي وتبعث الحياة كل هذا وتكون ظمأى اهي كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول هل هي تشكو تئن ؟ تصمت وتنتظر أتدري ان مثل هذا اعلى درجات الصوصمتية ؟ انها في النتيجة تتكلم ولكن بماذا الكف يتكلم ماذا يقول ؟ ماذا يريد ؟ (لماذا يطفح هذا الكف بوسط الماء ؟) (هذا زمن اللهو فما معنى الكف ؟) اقرأ للناس اشارته / يرفع كفا واحدة تصرخ لا . هكذا يستمر النص يزاوج بين الصمت وبين الصوت لنطق الكف ويحذر من الزمن وينتظر المهدي وينهي نصه باستفهام خطير وهو صوت اخير (من يأكل تلك الخبزة يا شعراء)؟

هكذا نجد ان للصمت غموضه وتأويله غموضه وتأويله مثلما للصوت غموضه وتأويله اما اذا اجتمعا فيجترحان عالما ثالثا ً اخير عير الاولين حتما فالنتيجة حتما ان الغموض فيه اسمك وتأويله امتع وافيد .

الا ترى معي ان عالم الصوصمتية واسع ومتشعب اعني ان قد صدقت مقوله انها قلاع ولها اسوار، وان كان صاحبي المقولتين يقصدان الصمت وحده لغة، لا بأس فالصمت جزء حيوي متهيء للتفاعل مع الصوت لإنتاج الصوصمتية في رؤيتنا .

ولو استمررنا في قراءة نصوص اخرى لهؤلاء الشعراء او اضفنا اخرين لاكتشفنا مساحات اخرى من هذه العلائق لو كانت الغاية الكم، انما هي محاولة في طريق صناعة مرتسم تضافري لثنائيتين نسبة وجودهما في النص الشعري خاصة اكبر من نسبة الثنائيات الاخرى او تدري ان استعمال الشاعر للصوصمتية في الشعر الغنائي والعمودي انما هو رسم بالكلمات معنى دلالة اما في الشعر الكتابي فأنه رسم بالكلمات تأويلا وايحاء زائدا رسم خريطة النص وجغرافيته بتقنيات اخرى على وفق الرؤية والموضوع ولا يهمنا كان اصعب على الشاعر .

 

ا. د. عباس محمد رضا

كلية التربية / صفي الدين الحلي / جامعة بابل

........................

الهوامش

- القرآن الكريم

1- الابلاغ الشعري المحكم / د . فهد محسن فرحان / ط1 ش ث بغداد 2001

2- (اجمل حب) تداوليا (بحث) د. عباس محمد رضا / مجلة بانقيا / النجف س7 ع1 /2010

الاعمال الشعرية / محمود درويس 1-3 / ط رياض الريس، بيروت 2009

3- انجل ام سعد / مجموعة شعرية / د. عبد الهادي الفرطوسي / الكوفة 1998

4- انهار ظمأى / مج ش / د . صدام فهد الاسدي / البصرة 2009

5- ايقونة (حوار) / د . عباس محمد رضا / وهو جزء من كتاب نصوص رامزة تحت الطبع سيصدر قريبا .

بلاغة اللغة الايقونية / شاكر لعيبي / سلسلة جريدة الصباح / كتاب الصباح الثقافي 8 .

6- البيان بلا لسان / د . مهدي اسعد عرام / ط1 بيروت 1990

7- البيات والتبيين / الجاحظ / تح هارون / بيروت 1990

جدارية محمود درويش ط2 رياض الريس 2001

حالة حصار / محمود درويش / ط2 رياض الريس 2002

8- الخصائص / ابن جني / تح محمد علي النجار / دار ش ث بغداد 1990

9- دلائل الاعجاز / عبد القاهر الجرجاني / محمد رشيد رضا / ط بيروت 1987

10- دينامية النص / د . محمد مفتاح / ط2 المركز ث ع 1990

11- ديوان بدر شاكر السياب / دار العودة / اعداد وتقديم ناجي علوش 1972 يتضمن البواكير: فجر السلام، قيثارة الريح، اعاصير، الهدايا .

12- الرمزية والسريالية / ايلي حاوي / دار بيروت 1980

سرير الغريبة ط3 رياض الريس 2009

13- سيميائية البياض والصمت في الشعر العربي الحديث (بحث) احمد الجودة / مجلة علامات ع 30 س 2008 .

14- شعرية الصمت / نور الدين بو صباع / انترنيت

15- صحيح البخاري / كتاب الطلاق – باب اللعان 150/266 .

16- الفراسة / الرازي / تح ابراهيم مدكور / ط القاهرة 1961 .

17- فقه اللغة / الثعالبي / تح السقا واخرين / دمشق 1997 .

18- القول في القرآن الكريم / احمد ابراهيم / سلسلة رسائل جامعية .

لا تعتذر عما فعلت ط3 محمود درويش ط3 رياض الريس 2004

19- لا شيء غير الكلام / مج ش / صدام فهد الاسدي / ط1 / البصرة 2007 .

20- اللسانيات: المجال والوظيفة والمنهج / د . سمير شريف ستيته / ط2 الاردن 2008 .

21- لغة الصمت في (جرح يتكلم) (بحث) د . عباس محمد رضا / في ضمن كتاب تحت الطبع بعنوان سيرورة النص .

22- مختار الصحاح / الرازي

23- المستصفى / الغزالي / تح ابراهيم رمضان / بيروت 1994 .

24- مقاربات في تجنيس الشعر / نادية هناوي / ط1 بغداد 2011

25- المكان في شعر محمود درويش / رسالة دكتوراه / حسن غانم / تربية بابل 2011 .

26- مناورات الشعرية / صلاح فضل .

27- المنجد / البستاني .

28- منهاج البلغاء / القرطاجي / تح الخوجة / تونس 1981 .

29- نظرية التوصيل في النقد الادبي العربي الحديث / سحر كاظم الشحيري / ط1 عمان 2011 .

30- النقد الادبي الحديث / د . علي عبد الرزاق / 1991 .

 

المصادر

[1]- النحت اشتقاق كلمة من كلمتين او اكثر مع تغيير، تشتمل على اجزاء منها لكن تدل عليها .

[2]- المصدر الصناعي يصاغ بإضافة ياء النسب المشددة الى الكلمة المنحوتة وتنتهي بالتاء المربوطة

[3]- ظ نظرية التوصيل 181

[4]- م ن 218

[5]- القول لعمر بن عبد العزيز ظ جماليات الصمت في الادب والحياة / محمد جميل الحطاب / موفع انترنت

[6]- ظ شرح ابن عقيل (البداءة)

[7]- الابلاغ الشعري المحكم 75 + مقاربات التجنيس الشعري 31 + اللسانيات 709

[8]-البيان والتبيين 1/5، 81،194،209 خصص بابا للصمت مثلما خصص بابا للبيان 75-78 .

[9]-البيان بلا لسان ظ ص 8 77، 85، 101، 123، 133، 149، 316، وبعدها .

[10]- ظ النقد الادبي الحديث 21 .

[11]- دلائل الاعجاز 112

[12]- الخصائص 1 /24 + القول في القرآن الكريم 271 .

[13]- مناورات شعرية 16 .

[14]- ديوان بشار بن برد

[15]- منهاج البلغاء 250

[16]-ظ بحثي ايقونية حوار (البداءة)

[17]- عن البيان بلا لسان 75، 99، 123، 131، 147 اخذا من البيات والتبين وفقه واللغة والخصائص والمستقصى والفراسة

[18]- نفس السابق

[19]- ظ سيميائية البياض والصمت 126

[20]- موقع انترنت، والكلام مقتبس من مصدر اجنبي .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم