صحيفة المثقف

شهيد الفلسفة

emadadeen ibrahimهو الفيلسوف والحكيم اليوناني (سقراط) أبو الفلسفة القديمة. ذلك الرجل الذي مات وتجرع السم من أجل مبادئه وأفكاره، وضرب المثل لكل من جاء من بعده، في تحمل الشدائد والصبر علي المكاره من أجل ما يعتنقه ويعتقده من أفكار وقيم ومبادئ. هذا الرجل الذي حرك المياه الراكدة في المجتمع الأثيني . وقف بشجاعة وثبات ضد كل ما هو قديم من القيم والعادات الموروثة والتي تتناقض مع العقل. هذا الفيلسوف الذي حاباه الله بعقل مبدع رغم خلقته الدميمة، لكنه كان يحمل قلب متسع ومنفتح علي كل ما هو خير وحق. كان يتجول في شوارع أثينا يسال ويحاور ويظهر جهل الآخرين وعدم معرفتهم. حتى صار منهجه مشهورًا بالمنهج السقراطي أو منهج الحوار. كان مقتنعا أن الأفكار تولد وتنبت وتترعرع في بيئة الحوار والمناقشة. وأن الأفكار مثل النبات تنمو بالحوار، فالحوار بالنسبة للأفكار كالماء للنبات.هذا الرجل الذي وقف ضد العادات القديمة وحارب من اجل القيم والعدل. ولم يترك لنا سقراط مولفاته وكتب مثل معظم الفلاسفة بل جل ما نعرفه عنه وعن أفكاره مستقي من خلال روايات تلاميذه عنه، وتعتبر محاورات أفلاطون من أكثر الروايات الماما بشخصية سقراط وحياته وكذلك أفكاره. لقد ترك لنا هذا الرجل أفكارا تصلح لان تطبق الآن، ولا نبالغ في القول انه كان مصلحًا وحكيمًا وفيلسوفًا .لقد قدم لنا منهجا هو من أهم المناهج التي يمكن استخدامها في العلوم الحديثة وخاصة علم البيداجوجيا (علم التربية) وهذا المنهج يسمي الحوار السقراطي أو منهج التهكم والتوليد. يسخر ممن يحاوره ويظهر له جهله ويستخرج ما بداخله من معرفة، حتى انه يقول عن منهجه، انه يشبه طريقة أمه التي كانت تعمل قابلة أي تولد النساء، ويقول أن أمه تستخرج الرجال من أرحام النساء، وهو يستخرج الأفكار من عقول الرجال. بحث هذا الحكيم عن قيم الحق والخير والجمال . دافع عن أفكاره ومبادئه حتى الرمق الأخير لم يهرب من الموت رغم العروض الكثيرة من تلاميذه وأصدقائه بالهرب. وهذا ليس بعجيب علي هذا الرجل الذي عاش من اجل مبادئه ومات من اجلها . حارب الظلم والاستبداد في عصره، لم يتراجع رغم التهم التي رماه بها أهل أثينا وحكماها من إفساد الشباب، والسخرية من ديانتهم . ورغم ذلك لم يتراجع ويستسلم ويضعف، بل صمد وحارب من اجل ما يعتقده وضرب النموذج الطيب لكل ما هو خير وحق وعدل. بل وقف في المحاكمة كما يحكي لنا أفلاطون في محاوراته يدافع عن مبادئه في قاعة المحاكمة، ويقول أنه إذا كان هناك في هيئة المحلفين من يعتقد انه يجب ان ينسحب ويتخلي عن الفلسفة، فينبغي لهذا الشخص أن يفكر أيضا في انه لابد للجنود أن تنسحب من المعركة عندما يبدوا لهم أنهم سيقتلون فيها. ومن أجمل وأروع ما وصف لنا أفلاطون في محاوراته عن اللحظات الأخيرة في حياة أعقل وأحكم الناس في أثينا كما قالت عرافة معبد دلفي عنه. كانوا يدخلون عليه في سجنه يجدوه مبتسما هادئ عليه علامات الرضا، ولما لا وهو يعرف ان الحياة الدنيا ورائها حياة اخري وهناك العدل وليس الظلم . عرضوا عليه الهرب رفض، وتجرع السم في شجاعة منقطعة النظير، ومات هذا الرجل الذي ستظل كل أقواله وأفعاله خالدة علي مر الزمان، تحكي بطولة نادرة وتضحية كبيرة في سبيل المبادئ والقيم والأفكار، إنه بحق شهيد الفلسفة.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم