صحيفة المثقف

أتفق مع الجميع .. أختلف مع الجميع (2)

abduljabar alrifaiجواب رسالة تلقيتها من الصديق سعدون محسن ضمد

ما أجمل صراحتك، ما أقسى صراحتي، تلك الصراحة التي دفعت ثمنها غاليا، حين غادرت هذه الجماعات وتحررت منها والى الأبد منذ ١٩٨٥.. أعرف أن متاعبي تنشأ من أني لا أشبه إلاّ نفسي، لا أستطيع تقليد سواي، شخصيتي فشلت في محاكاة غيري، وانتاج نسخة منمطة تحت ما يطلبه الغير مني، مثلما أخفقت عن مواكبة ما ينشده الثوار مني، او العزف على أوتار ما تحلم به الجماهير، رغم اني كنت في موكبهم قبل ثلاثين عاما، لكني لم أعد قادرا على العودة للوراء، وممارسة دور شخصية بطولية انقاذية، حسب وصفاتهم النضالية، مع احترامي وتبجيلي لكل الوطنيين الذين يضحون بكل شئ من أجل أوطانهم .. ربما انت تبحث عن صورة لجيفارا في وجهي، او صوت لشريعتي في أفكاري، او آثار خطى مناضلين يساريين او غيرهم، في شخصيتي، لكني أعلن لك بوضوح انك لن تعثر اليوم أو غداً على ذلك في خطواتي .. منذ سنوات طويلة لم أعد قادرا على تمثيل أدوار شخصيات: رسولية، نبوية، ايديولوجية، دعوية، كفاحية، فدائية .. اتمنى ان تطالع الفصل الثالث من كتابي الجديد (الدين والظمأ الأنطولوجي)، الذي تضمن محاولة نقد وتحليل لاسلام المرحوم علي شريعتي، بوصفه أبرز ممثلي الاسلام الايديولوجي في بلاد الاسلام، والمصائر التي أوصلتنا لها دعوته لما يسميه (بروتستانتية اسلامية)، وكيف اني غادرت هذه الرؤية منذ ثلاثة عقود، بعد أن نضج لدي مفهوم أعمق وأغنى وأبعد مدى لوظيفة الدين، بوصفة نداء كينونة الكائن البشري، والذي أوجزه في (إرواء الظمأ الأنطولوجي للمقدس)، وهو ما يشرحه كتابي الجديد، ونصوصي المتأخرة .. كثيرون يحسبون شطحات بعض تلامذتي وأفكارهم تعبر عني، بينما انت تعرف انها لا تمثلني أبدا، لأني أرفض بشدة كل ما يجرح الضمير الديني للناس، ولا أقبل استعمال ألفاظ وعبارات ليست مهذبة، أو قاسية في هجاء الايمان، مثلما يفعل بعضهم، وذلك ما أعلنته مكررا .. ولا أجدني في حاجة لبيان أنه لا يعبر عني أي أحد في الحياة غيري، كذلك لا أعتبر نفسي ممثلا لأحد، أو ناطقاً باسم الله، أو البشر، سواء كانوا: مؤسسة أو جماعة أو حزباً .. وأود أن أشير الى أن ذلك لا يعني اني غير مسؤول، أو اني أقف متفرجاً على حرائق وطني وأوجاع مجتمعي، ولا أريد أن أزايد على أحد، حين أشير إلى أني أسعى لاعادة بناء الحياة الروحية الاخلاقية العقلية في العراق، في ضوء رؤيتي للعالم، وسياق فهمي لرسالة الدين في الحياة، باعتماد امكاناتي الخاصة، وطريقتي في العمل، المعبرة عن هويتي الشخصية. (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا)، الاسراء 17 .. أنت تدري اني تبرأت عملياً، لا لفظياً كما يفعل البعض، من كل ذلك الزيف والدجل وأكل السحت الذي يمارس باسم الله وقيم السماء، وهو ما يعرفه كل الأصدقاء عني، مضافا الى نهوضي بمهمة العمل على: (تحديث التفكير الديني في الاسلام)، التي مضى عليها أكثر من ربع قرن، وعبرت عنها (مجلة قضايا اسلامية معاصرة)، في مسيرتها البالغة عشرين عاما، واكثر من 200 كتابا أصدرها مركز دراسات فلسفة الدين، وهو مشروع نهضت به وحدي، وأنفقت ومازلت أنفق عليه من مالي الخاص، وحتى اليوم أعمل ليل نهار بادارته وتنفيذ برامجه وحدي، من دون ضجيج دعائي، أو جوقات تصفيق وتهريج ومهرجانات .. وبوسعك مطالعة الكتاب التذكاري الذي اصدرته مجلة الموسم العام الماضي، بحدود 800 صفحة، الذي يتضمن اكثر من 120 شهادة ومقالة لأصدقائي وتلامذتي، تؤرخ لجهودي في تحديث التفكير الديني في حوزة قم، بمعية مجموعة من زملائي وتلامذتي، كي تكتشف شيئاً من العطاء الذي نهضت به أمس واليوم، وكلي اصرار على مواصلته غداً إن شاءالله .. كل ذلك من أجل عبور مأزق التفكير الديني في مجتمعنا العراقي وغيره من مجتمعاتنا العربية والاسلامية .. أنت تعلم أنا منهمك بعملي، تجدني صامتا، غائبا عن الشاشات، لا أمتلك براعة في الدعاية لمنجزي، لذلك فإن الكثير من الناس في وطني لا يعرفون عنه شيئاً، أو يعرف عنه البعض، لكنهم لا يعبأون به، أو يتجاهلونه، بوصفه خارج الشلل والأحزاب والجماعات، من هنا سأضطر إلى أن أقتبس شيئاً مما كتبته في رسالتي التي قرأتها لصديقي في قيادة الدعوة، من أجل أن تتضح لك جهودي الصامتة في اعادة بناء الحياة الروحية الأخلاقية والعقلية في مجتمعنا، بحدود امكاناتي. وهو ما أشرت اليه بقولي انه: (صدر لي حتى اليوم ٦٥ مجلداً، في ٤٢ عنواناً لكتاب، مع المجلة الفصلية "قضايا اسلامية معاصرة"، التي مضى عليها عشرون عاماً، وكرّمها "المعهد البابوي في الڤاتيكان بروما"، بإصدار كتابه السنوي عام ٢٠١٢ لمختارات من نصوصها بالإيطالية والانجليزية والفرنسية، بوصفها المجلة الأولى في الدراسات الدينية بالعربية في ربع القرن الأخير، مضافاً إلى تسجيل رسائل ماجستير في جامعات لبنانية وعراقية ولندن وباريس حولها، وحول التفكير الديني لصاحبها).

ختاماً؛ من الواضح أن: كتاباتنا صنائعنا، كل مصنوع يحكي بصمة صانعه، ويوشحه على الدوام توقيعه، كتاباتي تشبهني، لن اكون سوى أنا، كل يعطي ماعنده .. (أتفق مع الجميع / أختلف مع الجميع)..

 

عبدالجبار الرفاعي 26 – 9 -2015.

 

رسالة الأخ سعدون محسن ضمد:

آسف دكتور، لم اجد في الرسالة ما كنت أبحث عنه، من: صراحة ومباشرة، يمكن ان تواجه بها رفاق حياتك، بأخطائهم وجرائمهم، فتكون قد نأيت بنفسك عن كل هذا الذي ارتكبوه. وكشفت للاجيال رداء قداسة يتجلببون به .. رسالتك لم تكن واضحة، لذلك تجرأ أحد المتهمين بالفساد على التعبير عن ارتياحه لها، هي مع الأسف، لم تنكأ فيها أي جرح.

في الرسالة هواجس روحانية، وحديث عن الذات، أكثر من رائع، وفيها تعاليم جليلة، لكن ما اكثر امثال هذه التعاليم. الارواح التي اهدرها رجالات حزب الدعوة، والخراب الذي تسببوا به، بحاجة إلى إعلان براءة. وفي رسالتك ماهو اقل من ذلك بكثير.. آسف دكتور، لكن مثلي لا يحسن به أن يجامل قامة نبيلة مثل قامتك.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم