صحيفة المثقف

الكريكو - El Greco .. اسطورة فن ما بعد عصر النهضة

khadom shamhodيذكر بعض ارباب النقد والفن ان الكريكو (الجريكو) يعتبر حلقة وصل بين عصر النهضة وطلائع المدرسة الانطباعية .. وانه يجب ان يوضع الى جانب الفنان روبنز من حيث العظمة والصيغ الروحانية وكانت حياته ضخمة رائعة مليئة بالحركة وزاخرة بالعطاء والابداع حتى ان البعض قارنه بعبقرية شكسبير ..

الكريكو هو يوناني الاصل اسمه الحقيقي Domenikos Theotoko Poulos وعندما حط في ايطاليا اطلقوا عليه اسم كريكو اي الاغريقي Greco ولما حل في اسبانيا عام 1576 اظافوا الى اسمه لام التعريف El - - فاصبح El Greco-وهذه اللام هي من اصول اللغة العربية . ولازالت هذه اللام الى اليوم موجودة وبارزا في آلاف الكلمات الاسبانية وهناك كتاب للاستاذ الدكتور محمود علي مكي اسمه _ مدخل الى اسماء الاعلام الجغرافية العربية في اسبانيا _ يذكر فيه عددا كبيرا للكلمات العربية التي لازالت تستخدم في اللغة الاسبانية ...

ولد الكريكو في مدينة Candia 1541 ( اثينا )وعاش في جزيرة Creta ولما بلغ نحو 26 سنة غادر الى ايطاليا وحل في فينيسيا ثم روما ولكنه عندما وصل الى روما وجد ان رافائيل ومايكل انجلو قد ماتا ووجد اسلوبا شائعا وسط الفنانين الشباب عام 1550 يطلق عليه اسم

Monierismo وهو قائم على اسلوبي رافائيل ومايكل انجلو ويتصف بكون الاشكال مستطيلة ومعقدة وكأنها اشكال صناعية , ويرمون من ذلك هو البحث عن حداثة وتعبيرية جديدة في الرسم .. ولكن الكنيسة كانت قد فرضت شروطا معينة في رسم المواضيع الدينية وكان جل الفنانين الكبار في ذلك الوقت يرسمون للكنيسة والمراكز الدينية الاخرى ..

 829-khadom

منابع ثقافته الفنية:

1 _ كانت بداية نهضته الفنية والتعليمية من خلال دراسة الفن البيزنطي حيث المنمنمات الصغيرة ولوحات الموزائيك الجدارية .. وكان الفن البيزنطي فن جامد حيث الوجوه الوقورة والصامته والعيون المحدقة الى المشاهد وقلما نجد فيها رسوم جانبية ..

2829-khadom2 _ المنبع الثاني لثقافته الفنية هو ايطاليا في مدينة فينيسيا حيث التقى بكبار فناني عصر النهضة خاصة تيسيانو Tiziano فتأثر بهم واخذ يرسم على طريقة المدرسة الفينيسية وكانت اعماله الاولى في فينيسيا ذات الوان براقة ساطعة شكلت مرحلة مهمة ومنبع اصيل في حياته الفنية وفي نفس الوقت تخلى عن تقاليد الفن البيزنطي الذي تعلمه في مدينته creta .. وكانت تأثيراته واضحة في اسلوب تيسيانو من حيث التعامل مع الالوان والبناء والانشاء وتوزيع الاشكال والفراغات    3 _ المرحلة الاخرى هي عندما حل في روما واستقر فيها عشرة سنوات وتعرف على اساليب عباقرة عصر النهضة وقد وجد هنا اسلوبا جديدا كما ذكرنا سابقا يجمع بين اسلوب مايكل انجلو ورافائيل manierismo ومن صفاته ايضا ان الرسامين يخططون على طريقة مايكل انجلو ويلونون على طريقة تيسيانو . كما اخذوا يبالغون في رسم الاشكال والالوان فالاشكال مستطيلة والالوان براقة ساطعة جميلة ..و بهذه الطريقة وجد الكريكو له اسلوبا وطرازا مميزا ومقبولا عند عامة الناس ورجال الدين وقد رسم لوحات ذات احجامم كبيرة مخصصة للمعابد الدينية وكبار رجال الحكم والطبقة البرجوازية . وبالتالي ظهرت مدرستين في هذا الوقت الاولى تمثل اتباع مايكل انجلو والتي يلعب فيها الخط دورا كبيرا في العمل الفني والثانية هي مدرسة فينيسيا بزعامة تيسيانو التي يطغي عليها جمالية الالوان وروعتها . وكان الكريكو من اتباع مدرسة فينيسيا .

و يذكر بعض المؤرخين ان البابا يوحنا الخامس pio V كلف الكريكو في تغطية بعض الاشكال العارية التي رسمها مايكل انجلو في الفاتيكان والتي تمثل موضوع يوم القيامة وكانت في رأي الباابا انها فاحشة .. ولكن الكريكو رفض ذلك واعتبره تعدي على اعمال غيره من عباقرة فن عصر النهضة , ولهذا شد الرحال مستعجلا الى اسبانيا .. وهنا يجب ان نقف قليلا عند رسم الصور العارية في اجواء ومواضيع دينية وفي معبد ديني مقدس يعتبر مركز العالم المسيحي .. كيف سمح لمايكل انجلو ان يرسم بهذه الطريقة ؟؟؟؟. بعض المؤرخين يذكر ان مايكل انجلو كان رجلا منحرفا اخلاقيا ولم يتزوج طيلة حياته (.... ؟؟) ثانيا ان بعض رجال الدين الذين يشرفون على تنفيذ الاعمال الفنية في الفاتيكان هم مخنثين غضوا النظر وتساهلوا في رسم هكذا نوع من الاعمال ... (في مرحلة سابقة كان المخنثين مهمشين ومنبوذين من المجتمع مما دفع البعض منهم الى الانتماء الى الاديرة والمدارس الدينية لحماية انفسهم فظهر منهم القساوسة والرهبان وحتى البابوات.)

حل الكريكو في اسبانيا عام 1576 في مدريد ثم انتقل الى طليطلة عام 1577 التي كانت من اكبر المدن الثقافية في اوربا وعاصمة الغوط يوم ذاك .. وكان في طليطلة مدرسة للترجمة مدت العالم الغربي بصنوف العلوم العربية من رياضيات وطب وفلك وفلسفة وادب وفن وغيرها .. وعندما استقر في طليطة كلفته الكنيسة بعدد من الاعمال الدينية في عدد من الكنائس منها الكاتدرائية الكبيرة وكان معظم اللوحات ذات احجام كبيرة .. كما كلفه الملك فيليب الثاني بتزين بلاطه ببعض الاعمال الفنية .

وفي عام .1586 _1588 _ كلفته الكنيسة برسم لوحة _ دفن الكونت اورغاث _ وكانت من الاعمال العظيمة التي اثبتت عبقرية الكريكو وقد نفذ هذا العمل في طليطلة في قصر قديم وحسب المؤرخين كان هذا المكان مسجدا زمن العرب وقد حول اليوم الى متحف .. وقد زرت هذا المكان وشاهدت اللوحة بعد انتظار طويل حيث هناك طابور من الزوار خاصة الاجانب . واللوحة كبيرة الحجم تبلغ عدة امتار والزياره اليها تتم على شكل دفعات ومجموعات من الزوار

لضيق المكان .و في هذا العمل برز الكريكو ساطعا متألقا جميلا ... اما بالنسبة الى استطالة شخصياته يوعز بعض المؤرخين والنقاد الى مشكلة بصرية كان يعاني منها الفنان حيث لا يرى الاشياء بطبيعتها كما يراها البعض .. ولكن هذا النوع من الاسلوب كان سائدا في روما ايام دراسة الكريكو هناك كما ذكرنا ذلك سابقا وبالتالي من صحيح القول انه كان متاثرا باسلوب روما ...

استقر الكريكو في طليطلة وعاش فيها بقية حياته حتى وفاته عام 1614 وقد زرت بيته وكان سابقا قصرا لاحد النبلاء منحته له الكنيسة ليعيش فية ويرسم .. والبيت تحول اليوم الى متحف تعرض فيه اعمال الكريكو والاثاث والادوات التي كان يستخدمها في الرسم . ويتكون من طابقين له سقوف واعمدة من خشب ومزينة غرفه وصالاته بالكاشاني والزخارف الاسلامية .

و كانت لوحاته التي رسمها في اسبانيا متأثرة بالمدرسة الايطالية فظهرت اشكاله مستطيلة والوانه حارة وذات هارمونية جميلة انعدم فيها الخط وتداخلت الالوان والانوار والظلال والمشاهد الروحانية بمزاجية ساحرة وراقية تذكرنا بطلائع المدرسة الانطباعية وغويا وفيلاسكس ...

 

د. كاظم شمهود

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم