صحيفة المثقف

الذكورة والعنف

ibrahim telbasilkhaيرى كثير من الفيلسوفات أن انتشار العنف العسكري كان دائما وأبداً شأنا ذكوريا متعمداً؛ وكشفوا عن وجود روابط بين الذكورة والحرب: فالحرب تعبير عياني عن العدوانية الذكورية؛ وذهبوا إلي أن الفضائل المدنية التي من شأنها أن تدعم السلم دون الحرب هي الفضائل المقترنة علي نحو مميز وخاص بأنشطة النساء وقيمهن.

كما تؤكد الفيلسوفات عنف الذكور الدائم ضد الإناث ... فتري مارلين فرنش Marllyn French أن الحرب ضد المرأة ظاهرة يرجع تاريخها ربما إلي الأصول الأولي لنشأة الحضارة . فمنذ ما يقرب من ستة آلاف سنة مضت اعتاد البشر الحياة ضمن جماعات تعاونية صغيرة حيث كانت مكانة النساء وسلطاتهن إما مساوية أو أسمي من مكانة الرجال وسلطتهم. ومع تشكل أول دولة في التاريخ بدأ استبعاد النساء وإخضاعهن لسلطان الذكور، وظل الوضع على هذه الحال إلي أن حلت الحداثة لتزيد الوضع سواء على سوء: "الرجال يشنون حربا شعواء ضد النساء في الحياة الشخصية والعامة، وفي المطبخ، وفي غرف النوم، وفي قاعات البرلمان .. يبدأ الرجال في قمع الإناث مع الميلاد؛ والذي يتغير فقط هو الأسلوب المتبع داخل المجتمع. يقومون بإجهاض الأطفال الإناث، ويهملون البنات الصغيرات ويعتدون على الفتيات إما بالختان "الجائر" أو الاغتصاب أو بالتحرش الجنسي .. وطبيعي أن مناخ العنف ضد المرأة يؤذي النساء جميعاً ".

وتقول مارلين فرنش: "أن يكون الإنسان أنثي يعني أن يمشي خائفاً هنا وهناك" .. فالنساء يعانين الخوف في عالم يكاد نصف سكانه يتخفي وراء قناع المفترس الضاري بحيث لا يجدن معلماً واحداً ـ العمر أو الملابس أو اللون ـ يميز رجلا يعتزم إيذاء امرأة من آخر لا يضمر هذه النية " . فالحرب ضد المرأة، كما تصفها فرنش، واسعة الانتشار في الحقيقة، وتشتمل على جميع نظم التمييز التي عرفها المجتمع الأبوي ضد المرأة وتعبر عنها . وينبع العنف الذكوي أو الحرب البدنية ضد المرأة، من هياكل أوسع من اللامساواة . وتشكل مظاهر القسوة البدنية ضد المرأة والاغتصاب وجرائم الجنس تعبيراً ماديا عن نظام هيمنة أكبر. والجانب الكبير من عنف الذكر ضد الذكر هو ضرب من التسامي في العنف الذي كان متوقعا، لولا ذلك، أن ينصب على المرأة : "إذ حين لا تكون المرأة متاحة يتجه الرجل إلي ذكور آخرين ليكونوا البديل عن المرأة موضوعاً للعنف والعدوانية ".

ومن أبرز القوانين التي استخدمها الرجال، في التاريخ لتأكيد سلطانهم على النساء " قوانين الملك حمورابي " ملك بابل في بلاد ما بين النهرين .. فالنساء، حسب تلك القوانين، كن ملكا لأزواجهن أو آبائهن ؛ إذ أن الزوج يملك أن يطلق زوجته بملء حريته، أو إذا شاء يعدها أمة له. والقانون يرغمها- بحكم كونها أمة ـ على طاعة زوجها . ولا يقتصر الأمر على هذا، بل يرغمها أيضا على طاعة أي من الخدم الأحرار في المنزل . كما يملك الزوج أن يقدم زوجته لدائنيه ضماناً لديونه . ولم يكن القانون ليقتضيه أن يسدد ديونه، طالما كانت زوجته ضمانا لهذه الديون لمدة حددت بثلاث سنوات في بداية الأمر، ثم امتدت إلي أجل غير مسمي. وقد أصبح نظام الاستدانة بضمانة الزوجة نظاماً مربحاً للغاية في تجارة الرقيق . وكانت الحرائر يواجهن الموت عقابا على خيانتهن لبعولتهن، بينما كان في وسع الأزواج ممارسة الزنا دون التعرض لأي عقاب.

كما انحطت مكانة النساء إلي مرتبة الممتلكات أو الخدم أو المعاونات في الصين والهند، كما في الشرق الأدني واليونان وروما. وحدث ذلك على المستوي الفلسفي.. فلقد تضمنت الفلسفة الغربية عبر تاريخها عددا قليلا من النساء فافترض في الأمور العقلية، على أحسن تقدير، أن النساء تشبه الرجال . لكن مع ذلك، فإننا يمكن أن نسأل، لماذا لم يتأكد ذلك بتسجيل آراء النساء وشروحهن؟ ولسوء الحظ، فإنه في أحيان كثيرة لم يكن الإهمال هو سبب تجاهل النساء، وإنما كان هذا التجاهل بناء علي الافتراض بأن النساء كن منحرفات أو هامشيات بالنسبة لأفراد الجنس البشري، والنظر إلي الذكر على أنه " باراديم " النموذج الإرشادي Paradigm. (فالكلمة الرومانية "فضيلة "   Virtue ، كأحد الأمثلة الكثيرة، مشتقة من أصل الكلمة "رجل" Vir .وبشكل أكثر وضوحا، فإن هناك الاستخدام الرئيسي للكلمة (الإنسان "الرجل" ) Man و(الجنس البشري "جنس الرجال"   Mankind). وظهر كثيرا في التاريخ الغربي أن النساء لم يكن منحرفات أو في مركز ثانوي فقط لكنهن كن أيضا أقل شأنا من الرجال؛ ونظر إليهن من الناحية الاجتماعية على أن لهن قدرات مختلفة بيولوجيا، فهن يلدن الأطفال والرجال لا يفعلون ذلك.

فقد قال أرسطو: "الأنثي أنثي لأنها تفتقر لخصائص معينــة "، " وأننا يجب أن ننظر إلي الطبيعة الأنثوية على أنها مصابة بعيب طبيعي ". ويذكر عنه أنه وصف ما قد حدث لاسبرطه من سقوط وتدهور، عندما أعطيت المرأة حقوقا مساوية للرجال في الحرية والوراثة والملكية.. والقديس توما الاكويني أعلن بدوره أن " المرأة إنسان غير عاقل "، " كائن هامشي " . ورأي بندا Benda أن المرأة لا تستطيع العيش من دون رجل، والمرأة ببساطة هي ما يقرره الرجل، فهي بالنسبة للذكر "كائن جنسي"، "مجرد جنس ". وتعرف وتميز بالانتساب للرجل،وليس بالإشارة لها، فهي غير أساسية. هو الشخص، هو المطلق، وهي الآخر.

واهتم روسو Rousseau بوضع الحواجز بين الأجناس في حالات التعليم والحياة الاجتماعية والسياسية والخلقية . ورأي أن الخلط بين الأجناس هو نتاج التأثير الفاسد للثقافة ـ فالمرأة ستظل دائما امرأة، مجرد أنثي، تتميز بجسمها وعواطفها وانفعالاتها. وقال عن النساء: "يمكن لنا أن نعيش أفضل بدونهن، ولكن لا يمكن لهن أن يعشن أفضل بدوننا". وقال ميلتون: "جعل الإنسان (الرجل) للإله.. أما المرأة فقد جعلت للرجل" . وقال شوبنهور: "يكفي أن تنظر إلي الشكل الذي كونت عليه المرأة لتعلم أنها لم تخلق لكي تتحمل العمل الجاد سواء منه العمل الذهني أو العضلي. أنها تدفع دين الحياة لا بما تفعله بل بما تتحمله .. والنساء لسن صالحات لشيء إلا ليكن حاضنات ومربيات لنا في الصغر. والرجل أبعد نظراً من المرأة، إنها لا تعني إلا بالحاضر أما الغائب أو الماضي أو المستقبل فلا يشغلها وهذا يفسر لنا إسراف المراة واندفاعها ..كما وصل ليفي شتراوس في نهاية عمله المهم عن " المجتمعات البدائية " للنتيجة التالية: "العبور من حالة الطبيعة إلي حالة الثقافة مرهون أساساً بقدرة الرجل".

لمزيد من المعومات راجع كتاب "الفلسفة النسوية" لكاتب هذه السطور .

 

أ.د. ابراهيم طلبه سلكها

رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة طنطا

مصر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم