صحيفة المثقف

الشاعر الشيخ محمد رضا الشبيبي في ذكرى رحيله الخمسين

amir hushamحرصاًّ من الجمعية العربية للثقافة في مقاطعة ويلز / بريطانيا على أستلهام العبر والدروس من تاريخ الشخصيات الفكرية والأدبية الثقافية العربية، عقدت الجمعية يوم السبت الموافق العاشر من شهر تشرين أول /أكتوبر 2015 ندوتها الخاصة عن الشاعر الشيخ العلاّمة الوزير محمد رضا الشبيبي بمناسبة ذكرى وفاته الخمسين (1965). وقد بدأت الندوة التي حضرها جمهور غفير متعطش للثقافة وفعالياتها، بأستعراض موجز لأهم الأحداث الثقافية عربيا وعالميا حيث تمت دعوة الحاضرين للتفاعل مع الوسط الثقافي البريطاني ونتاجاته والأنفتاح على الفعاليات الثقافية الفنية المحلية وهي كثيرة.

836-husham

وقد حاضر في الندوة المخصّصة للعلاّمة الشبيبي الدكتور منوّر المظّفر، سبط الشيخ ومن أهله مما وفّر له مادة تاريخية وثائقية مهمة لم يتناولها الأعلام مسبقا. وقد بدأ المحاضر حديثه بالقول أن الشيخ محمد رضا الشبيبي ولد في مدينة النجف الأشرف عام 1889 ودرس في مدارسها الدينية وكتاتيبها، كما نشأ في ظلّ عائلة تحب الشعر والأدب لدرجة أنها كانت تتراسل وتتخاطب مع أفرادها شعرا. ومما يذكر هنا أن والد الشيخ الشبيبي كان نفسه شاعرا وله ديوان معروف بأسم "اللؤلؤ المنثور على صدور الدهور". ويذكر الشيخ محمد رضا الشبيبي عن والده في مؤلّف له أن للوالد مجلس أدب : " ولم يزل ناديه من أبهج نوادي الأدب في النجف، تلقى فيه المحاضرات النافعة، وتجري فيه المناظرات المفيدة، والمذاكرات العلمية فهو مجتمع الطبقة العليا من المهرة الذين يفعل أحاديثهم في الألباب مالا تفعل السحرة". وقد تناول المحاضر بعد ذلك السيرة الوطنية للشيخ الشبيبي ودوره في ثورة العشرين ضد المحتل البريطاني حينذاك، كما كان حاضرا معركة الشعيبة والتي حدثت عام 1915 بين البريطانيين والأتراك حول مدينة البصرة العراقية. ويذكر التاريخ أن الشيخ الشبيبي كان عام 1917 قد وقف أمام الحاكم البريطاني للعراق قائلا "أن من حق العراقيين أن تتألف لهم حكومة وطنية مستقلة أستقلالا تاما". وقد أستفاض المحاضر الدكتور المظفر في سيرة الشبيبي الفكرية الأدبية فذكر أنه كان من الزاهدين بالمناصب الحكومية حيث كان رجلا نزيها وحكيما ولم يقبل يوما بمنصب في الدولة أذا ما أستشف منه عدم تمكنه من أداء الواجب من خلاله على خير ما يكون. وهكذا كانت له رئاسته لمجلس الأعيان العراقي عام 1935 ومجلس النواب عام 1944، كما أختير وزيرا ولو لفترات تاريخ قصيرة حيث كان وزيرا للمعارف كما أنتخب رئيسا للمجمع العلمي العراقي وكان عضو المجمع العلمي في دمشق والمجمع اللغوي في القاهرة أضافة الى نادي القلم العراقي.

ومن خلال عرضه لمقتنياته الخاصة من صور شاعرنا الشيخ الشبيبي أستعرض المظّفر مراحل حياة الشاعر الشيخ وصولا الى العهد الجمهوري بعد ثورة تموز 1958 في العراق حيث كان للشيخ مكانته الأجتماعية والثقافية الأدبية المتميزة والمهمة حتى أذا توفاه الله بعد عودة له من سفرته الى القدس العربية شيعّته جماهير العراق في مسيرات حافلة كما شيّعه الكثيرون من الأدباء والشعراء وكتبوا القصائد التأبينية بحق الراحل الكبير.

الشبيبي .. شاعرا

يبقى الأنسان ابن ظرفه المحيط وبيئته الخاصة التي يعيش في كنفها ويستجيب لتحدياتها. فالشاعر أنسان حسّاس يتفاعل مع الحياة ويستجيب. ثم أن اللغة الشعرية ما هي الاّ تراكيب مكونة من كلمات مصنوعة بأنساق معينة، وهي على ذلك فن لغوي لأنتاج نوع من الوعي لا تثيره فينا مشاهدات العالم اليومية.. وعليه فأن الشعر هو فن اللغة، فبقدار ما يتميّز الشاعر في خلق لغته الخاصة بمقدار ما يتجلى أبداعه وفنه الذي به يعرف. وعليه فالبناء الشعري ما هو الاّ بناء لغوي يعتمد على أمكانات اللغة الصوتية والوجدانية والتصويرية والأيحائية. وقد عاصر شاعرنا صاحب الذكرى محمد رضا الشبيبي الشاعر العراقي المعروف جميل صدقي الزهاوي (توفي عام 1936) والقائل: "ليكن ميزان الجديد هو ما هزّ النفوس وعبّر عن الشعور، وميزان القديم كل ما مجّه السمع وعافته النفس مما لا علاقة له بالشعور". يقول الزهاوي : أذا الشعر لم يهززك عند سماعه....فليس خليقا أن يقال له شعر، كما قال يا شعر ثب وتجدّد... وعلى القديم تمرّد. وأستنادا على ما مضى تم التعريف في الأمسية الثقافية بشعر شاعرنا الكبير الشيخ الشبيبي والذي وثّق من خلال ديوانه الصادر عام 1940 أحداث الوطن الجسام وعبّر عن موقفه منها خير تعبير فكان المعلّم الموجّه والمصلح الثائر والحكيم الأنسان، العروبي الذي لم يفرّق بين أبناء وطنه في تعامله وأتجاه فكره وأدبه. يقول الشبيبي في قصيدة له معروفة كانت قد نشرت عام 1920 بعنوان " رجال الغد" :

أنتمُ   متعّتمُ     بالسؤددِّ               يا شباب اليوم أشياخ الغد

يا شبابا درسوا فأجتهدوا              لينالوا   غاية   المجتهد

وعدَ اللهُ بكم   أوطانكم                 ولقد آن نجاز     الموعد

أنتمُ جيلٌ جديد   خُلقوا                 لعصور مقبلات   جدد

كوّنوا الوحدة لا تفسخها               نزعات الرأي والمعتقد

أنا بايعت على أن لا أرى           فرقةًّ، هاكمْ على هذا يدي

عُقد العالم شتى فأحصروا           همّكم في حلّ تلك العقد

لتكن   آمالكم     واضعة             نصب عينيها حياة الأبد

لتعش أفكاركم   مبدعة             دأبها أيجاد ما لم   تجد

وقد قرأ الدكتور المحاضر منوّر المظفر قصائد أخرى للشبيبي ومنها تلك التي نشرت عام 1918 بعنوان " دمشق وبغداد":

ماذا بنا وبذي الديار     يراد؟               فُقِدت دمشق وقبلُها بغدادُ

من موطن الميلاد قامت نزّعا                 خيل لهنّ بجلّق   ميعاد

وردت مياه الرافدين مغيرة                   شقر من القبّ البطون وراد

هُجُنٌ طُردن من الجياد كرائما               عربية   فكأنهن     جياد

(بردى) وأودية (الفرات) و(دجلة)           (والنيل) غضّ بمائك الورّاد

حال العلوج من الأحامر بيننا               وتعذّر الأصدار     والأيراد

وللشبيبي قصيدة بعنوان "أغنية الروح" جاء فيها:

شغل السمير جوارحي، وشغلتم             روحي، فكنتم دونه سمارّها

ما شأن جثماني؟ وما أوطاره؟             الروحُ بالغةٌ بكم اوطارَها

أنىّ تهش الى حديث محدث           روح تكاشف مثلكم أسرارها

نلتم حقيقتها التي خلُصت لكم         طوعا، ونال سواكمُ أثارها

ما آثرتكم بالولوع،   وأنما         جهل الورى وعرفتمُ مقدارها

عيّ اللسان لأن روحك أوقعت     ألحانها، وتناشدت أشعارها

العود والوتر الفصيح لأنفس         جسَّ الهوى بمروره أوتارها

خانتك في حجب الغرام ضمائر   كان الغرام-ولا يزال- شعارَها

وفي نهاية الأمسية الثقافية أجاب المحاضر المظّفر عن أسئلة الحضور فيما يخص مسيرة الشاعر الشبيبي حيث ذكر أن عائلة الشاعر تعّد لأصدار طبعة ثانية من ديوان شعر الشبيبي حيث ستضاف أليها مجموعة جديدة من قصائده تلك التي نُشرت ولم يحتويها ديوانه الصادر عام 1940، أضافة الى تضمين الديوان مجموعة من الصور الوثائقية التاريخية التي تأرشف لفترة مهمة من حياة الوطن العراق نفسه من نواحي الفكر والسياسة والأدب.

 

عامر هشام الصفار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم