صحيفة المثقف

أوهام الهوية

emadadeen ibrahimلقد تعددت مفاهيم الهوية ومن هذه المفاهيم والتعريفات: أن الهوية هي الإعلاء من شان الفرد. كما أنها تمثل الوعي بالذات الثقافية والاجتماعية، وهي لا تعتبر ثابتة، إنما تتحول طبقًا أو تبعًا لتحول الواقع. فهي تمثل السمات التي تميز شخصًا عن شخص، أو جماعة عن جماعة. وللهوية مكونات أساسية منها الأصل أو العرق المشترك، كذلك التاريخ المشترك واللغة المشتركة والجغرافيا المشتركة والعادات والتقاليد المشتركة وغيرها. ونحن عندما نتحدث عن أوهام الهوية فإننا نقصد بها العزلة والشعور بالتهديد والارتياب من الأخر والذي يخلق في النهاية سوء فهم عميق بين البشر ومن ثم تهيئ الأرضية النفسية للعنف. ويجب أن نشير إلي أن هناك أمرين هامين يؤثران في محتوي الهوية هما : بزوغ فكرة الفردية، وحصول حراك اجتماعي يسمح بانتقال الفرد طبقيا من مستوي اجتماعي إلي آخر. والحديث عن هوية أصلية نقية منعزلة عن المجتمع هو الوهم بعينه. فلا يمكن للهوية أن تحيا في عزلة عما يحدث في العالم أو الواقع الخارجي. لأنها تتشكل من هذا الواقع وتتفاعل معه لأنها دينامية وليست ساكنة أو جامدة. فكل من يتحدث عن هوية منعزلة لا تتغير فهو يتحدث عن وهم كبير. وهناك كتاب مشهور وهام بعنوان (أوهام الهوية) يتحدث فيه عن مشكلة أو معضلة الهوية في البلدان الإسلامية من حيث طبيعة العلاقة بالحداثة الغربية، وكيفية التعامل معها، فالنخب المسيطرة في البلدان الإسلامية رأت في الحداثة الغربية مجمل التقنيات الحديثة فنقلتها إلي مجتمعاتها وأجرت تحديثا وليس حداثة لذا شكل النقل المشوه الثغرة الأولي في هوية المجتمعات الإسلامية وخصوصا في علاقتها مع الغرب. فالهوية لا يمكن أن تحيا في عزلة عن العالم الخارجي، فهي تمثل علاقة جدلية مع الآخر أيا كان هذا الآخر. أيضا في كتابه (النقد المزدوج المزدوج) ينتقد عبد الكريم ألخطيبي ما يسميه الهوية الأصلية، لان كل هوية ترتد في النهاية إلي مجتمع الإنتاج المتعين بحدود تاريخية وزمنية مضبوطة، لذا فان ألخطيبي يعتبر الحديث عن هوية غير ملوثة هي هوية ميتافيزيقية ولاهوتية يقول (لا يمكن للهوية الأصلية التي تقوم علي الأصول اللغوية والدينية وأن تحدد وحدها العالم العربي، فهذه الهوية قد تصدعت وتمزقت بفعل الصراعات والتناقضات الداخلية، ثم أنها مرغمة علي التكيف مع مقتضيات الحياة العصرية والتفتح علي العالم. إذن نحن مطالبون في ظل هذا الانفتاح وتقدم وسائل التقنية والاتصالات ان نتعامل مع هذه الحقيقة كواقع وليس وهم. وأن نحافظ علي هويتنا في ظل هذه المتغيرات وأن نوفق بين خصوصيتنا وكل ما هو متغير. علي سبيل المثال تحدي العولمة كتحدي للهوية ومحاولة افتراسها يجب علينا أن نوازن ونوفق بين هويتنا والعولمة ونأخذ من العولمة جانبها الايجابي والذي يتمثل من وجهة نظرنا في إيقاظ الوعي والمقاومة لدي الشعوب من اجل الحفاظ علي هويتها وخصوصيتها . إذن وهم الهوية النقية الأصلية المنعزلة المنغلقة علي نفسها هو وهم لا يتحقق علي ارض الواقع . بل كل هوية لابد أن تتشكل من الواقع الخارجي أيا كان هذا الواقع سياسي أم اجتماعي أم اقتصادي. فالهوية مشروع غير مكتمل قابل للتحقق في الواقع . مشروع نضال وكفاح من اجل التحقق أي مفهوم دينامي.

 

بقلم الدكتور: عماد الدين ابراهيم عبد الرازق

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم