صحيفة المثقف

آهِ من قيدك أدمى معصمي

ibrahim yousifسأَلَتْهُ عمَّا سَتَكْتُبُ ..؟ هُروباً أو هَزيمة..!؟

في سائر الوطن العربيّ الكبير؛ مَنْ يجتهدون في تصوير الصِبْيَةِ الأطفال من أبنائهِم عُراةً.. لتبرُزَ في الصُّوَر"حَمَامَاتُهُم" مشدودة أو مرخيَّة، تتصدَّرُ قاعاتِ الجلوس يفاخرونَ بها أبطالَ "هوميروس" في الأوديسه الملحمة المشهورة..! أما الأطفالُ الإناث؛ فكلُّ ما يبدو "منهن" عيبٌ أو حرام..! يستدعي تنبيهاً وتأنيباً؛ وصفعة على الخدَ، وركلةً عندَ الاقتضاء، والويلُ لهنَّ من سكينٍ على الرَّقبة في سنِّ المراهقة والبلوغ.

"ألبنتُ" مهزومةٌ.. وأنا من أنَصارِها بلا هوادة وبلا تواضع أو غرور.. عيبُها في ساقِها وسروالِها وتائِها؛ وفي مكانٍ آخر؛ "كما الحمامة" أو السرطان..! لكن؛ لا يُسَمَّى.. ينبغي أن يبقى محجوباً؛ حَصِيناً وعَصِيَّاً على النظر.. أمَّا "حمامة" الصبيان؛ فمن دواعي المفاخرة والإعتزاز. هؤلاءِ الصِّبْيَة مَحَاوِرُ الأرضِ وأولياؤها، في أفلاكهم تدورُ نُصرة الدِّين؛ وتتحققُ عزَّةُ الأوطان، بارَكَ اللهُ في جنسِهم..! تلك هي بعضُ الحقيقة وذلك هو بعضُ الحال في الوطن العربي المجيد..!

هل فَصَلَ الرجلُ في الأمر واتَّخَذ القرار؛ فقال كلمتَهُ ومشى..؟ أمِ استحقَّ أوانُ الخلاصِ من الفكرِ الجاهليِّ المريض..؟ وهل تتحوَّلُ النتيجة تلقائيَّاً بلا بحث واحتجاج؛ فيَتَعَزّزُ مفعولُ الأُنوثة ..؟ وينحسِرُ مفعولُ الذكورة بمرور الزمان..؟ أَم يستدعي الأمر عملاً جراحياً حاسماً..؟ لتغدو حقوقُ الأُنثى كما الذكر، ويدخل للمرِّةِ الأُولى عالمَ الملائكةِ ملاكٌ أسود..!؟

هل نواكبُ بقية خلقِ الله؛ في أُممٍ تجاوزتنا كثيراً..؟ بعدما أدَّتْ ضريبة باهظةً في الروح والدم ، ليزولَ التسلط من جنسٍ على جنس، وتسودَ عدالة حقيقية فيتعادلُ الأسوَدُ والأبيض؛ وتتساوى الأنثى بالذكر..!

هل يجوزُ للمرأة مثلاً أن تُبَوِّلَ بلا خجل على حائطٍ في قارعةِ الطريق، كما يفعلُ بعضُ الرجال..؟! أو ينبغي أن يتوقفَ الرجلُ عن ممارسةِ هذا الحق الذي شرَّعَهُ طويلاً لنفسه..؟! هذه قطعاً ليست دعوة "فاسدة" من "نوال السعداوي ونادين البدير" طيَّب الله ذكرى الاثنتين، ممن طالبن بتخليص الأنثى من براثن الرجال، ولا هي تحريضٌ أو استفزاز من قبل المرأة لمعاكسة الرجال، لكي تُبيحَ لنفسها تعدُّدَ الأزواج.. ولا هي فتوى الإرضاع الشهيرة؛ لصاحبِ الفضيلة.. يا رعاهُ الله.. ولم تكن أبداً: هل يجوز أو لا يجوز تفخيذُ الصغيرات.. "يا أُمَّةً ضحكتْ من جهلها الأُممُ" غفر الله للمتنبي وطيب ثراه. لا وليس هو ذلك اللولبُ الشائك المبتكرُ؛ يُغْرسُ في "مُسْتودع الأسرار".. لحمايةِ المرأة من الاغتصاب.

لعلَّ الممارسات المُنافية لكل معاني الفضيلة والشرف، والدم الذي يُسْفح فلا يسلم الشرف الرفيع بما عداه. هذه الممارسات المرفوضة في النهج والتطبيق وفي روح الدِّين، إنما هي شرُّ البليَّة المضحكة في طرحها من جديد..! ونحن على ما نحن عليه من أبشع أساليب القتل والتنكيل.. لكنها في الواقع مُشْبَعَة بحقيقة مؤلمة، تسْتَلزمُ حرِّيَةً في التفكير وجَرْأَةً في القولِ والعمل. فيا سادتي يا كرام في الوطنِ العربيّ الفسيح.. من " المحيطِ الهادرِ إلى الخليج الثائر". "تبلغوا وبلغوا" أنَّ خلاص البشرية ومستقبلَ الأوطانِ، وتربية الأجيال التي لا تقتل ولا تجرح.. إنّما المحورُ فيه مع المرأة دون سواها.. ولتتوقف أحلامكم عند هاتيك الحدود.

أؤكدُ لكِ يا عزيزتي وحبيبتي؛ أو ما شئتِ..؟ أنَّ المسألة جديرة بالبحثِ والمناقشة والتعميم..؟؟!! فلتجرِّبي.. وتطرقي هذا الموضوع، من خلال نصّ تكتبينهُ عمَّا قريب، وأتوقعُ أن يؤتيَ ثمارَهُ وينجح..!! فهل هذا حقّاً ما ترغبين..؟!

يقولُ الحسنُ بن هانىء قولتَهُ المشهورة في الخمر: "إذا مسَّهُ حجرٌ مسَّتْهُ سرَّاءُ".. نعم يا صديقتي.. فللخمرة قدرة سِحْرِيَّة تَبْعَثُ روحاً في جماد..!؟ لعلكِ لم تتمرَّدي يوماً؛ ولم تجربي الخمرة؛ لتُحي فيكِ هذه الروح ..؟ وأميلُ إلى الاعتقاد أنَّكِ لم تفعلي ولن تفعلي..! يُحْزِنني أن ترحلي ذاتَ يوم.. فتفوتكِ الفرصة دون أن تَسْكَري وتَنْتَشي فتكتُبي؛ وتكتشفي مفعولَ الخمرة يتغلغلُ في خلاي جسدك المنهك المحروم..

"مسكينةٌ من مرَّ عهدُ شبابِها لم تُلْثَمِ"..! على ما قالهُ نزار.. مسكينة من عاشَت عمراً فلم تسكرْ؛ ولم تجرِّبِ الخمرة ولا طعم الرجل ولو لمرَّة.. الخمرة هذا "الإكسيرُ" يخونُهُ أيُّ وصفٍ أو مديح.! أنا عاشَرْتُها طويلاً فأدَّيتُ فريضتي واستوفيتُ حقي..أحسنتُ عشرتها فقدَّسْتُها وآمنت بجدواها.. إنَّها ولا شك أو شبهة في الحقّ؛ كما وصفها أثيرُها وصفيُّها وصاحبُ عهدها أبو نواس؛ إذا مَسَّها حجرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ..!! هذا الصُّوفيُّ السكِّير؛ أكرَمَهُ ربُّهُ في مثواه؛ وهو القائل: يا كبيرَ الذّنْب عفوُ اللهِ مِنْ ذنْبِكَ أكْبَرْ.

قلادة من حديد أو " تنك" في جيدِ امرأة؛ تتحوَّل إلى حلية من ذهبٍ مُرَصَّعَة بالماس، بين نهدينِ متمرِّدَين ..!؟ تماماً كفكرة متواضعة تتحولُ إلى تعبير رائع، وكلام مجيد في مقالة أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة والخيام.

يقولُ لها: هذي مُقدِّمتي لكِ، وهذا قلمي حبرُه من دماء قلبي.. هديَّتي من أجل عينيكِ؛ هيَّا اكتبي.. آمنتُ بعاطفة الأُم وكرامة الأُنثى، وكفرتُ بعورة المرأة وساقيها؛ هيَّا اكتبي.. يقتلني فيكِ الخمول..! بِيْني لُعِنْتِ.. فَلسْتِ مني.. ولستُ منكِ.. تقتلُكِ البلادة ويقتلني غضبٌ مقدَّس وحنين إلى الحبر والخمر؛ هيَّا اكتبي.. هوسي يثيرُ شهوتي لأصفعكِ وأغتصبَ هوانك؛ هيَّا اكتبي.. آمنتُ إيمانَ الدُّموعِ بنفسها. آمنتُ إيمان النهار بنوره؛ وآمنتُ بربِّ الكعبة؛ أن تتوَقّفي عن هذا الصمتِ المهين.

منذ أن خُلِقَ الماءُ والربعُ الخالي، نامتْ على نهدها العطشان، عَطَشاً من عهدِ عادِ.. بدَّدَتْ أيامَها واستهلكتْ ليلها رجاءً وابتهالاً وحيرة؛ وصلاة.. قتلتْ روحَها في الهواجس.. بحثاً عن أملٍ أو ضياع ، عن خيبة في حلالٍ أو حرام ..استوطنتْ روحَها غيمة سوداء خالية من المطر، رغبة يتيمة وصمتٌ موجعٌ وطويل ..صمتٌ أشدُّ بلاغة من صمتِ المقابر.

هذا قراري..!! دخِّن واغْضَبْ وعصِّبْ؛ أو فاسكَرْ لا فرْقَ عندي..! فأنا لا أُريدْ.." *( ألمَرَّةُ الخمسونَ .. إنيَ لا أُريدْ ، وَدفَنْتَ رأسَكَ في المَخَدَّةِ يا بليدْ .. وأدرتَ "وجهكَ" للجدار .. أيا جداراً مِنْ جليدْ .. وأنا وراءكَ يا صغيرَ النفسِ .. نابحةُ الوريدْ .. شعري على كتفي بَديدْ .. حتّى الغطاءَ سرقتَهُ ..! وَطعَنْتَ لي أملي الوحيدْ)" . دعني.. فأنا لا أًريدُ.. ما أنتَ تريدْ..!!

تأخَّرْتِ ما فيه الكفاية؛ والزمنُ يأزفُ على الانتهاء، وآنَ لعبد الله.. "لهذا الفارسِ المصلوب أن يَتَرَجّل". أنا في انتظارك تتسلحين هذه المرَّة بصاعق بين يديكِ. أو.. سأُعاملكِ كالإماء مِنْ فرطِ حبِّي لك ووجدي وخيبتي فيكِ..سأجلدُكِ بلا شفَقة؛ وأُحْرِقُ أصابعك بلا تردُّدٍ أو أسف؛ وأُطْبِقُ على الجيدِ الجميل بيدينِ معروقتين.. فلا أترككِ إلاَّ جسداً بلا روح.. سأرتكبُ جريمتي أمامَ المارة؛ في وضحِ النهار.. سأقتلكِ مع سابقِ الإصرار والتصميم؛ وأدفُنُكِ دون إحساسٍ بذنب.. أو ندمٍ على حبيبتي.. ذاتُ العينين المسيحيتين، والفم السكران؛ والشفتين الشهيتين.

 

إبراهيم يوسف

......................

من شعر نزار قبَّاني.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم