صحيفة المثقف

ابراهيم الحريري .. اين؟!

ذكّرتني مقالات ابراهيم الحريري الأخيرة في جريدة طريق الشعب، وانلتي يهربُ منها ويرجع بالاقناع أو الإكراه، بدماثة خلقه.. عليه أن يكون ضمن طاقم الجريدة ولو لم يعمل أي شيء، ولا يكلُ عن التفكير بالمشاريع والأعمال القادمة، ولا يكلُ من السفر، فدائماً لديه مشروعُ سفر، يُفضّل أن يكون لبلدٍ عربي. إقامتهُ الطويلة في دمشق، تعدُ معجزة ..

كيف استطاع المكوث في دمشق كلّ هذه السنوات، فمنذُ عودته للعراق العام 1974م، وخروجهُ منه كما أكّدهُ بمقالاته الأخيرة، لا يعرفُ الاستقرار.. اذا لم يسافر فأنّهُ يفكّرُ به، أخِر مرّة التقيتُ به بدمشق، أخبرني بأنّهُ يود السفر الى القاهرة !! لم أهتم لكلامه، لأنهُ دائمُ الحديث عن السفر ومشاريع الكتابة التي يحرصُ أكثر من السفر على تنفيذها، ولكن شعرت بنبرة حزنٍ وعتاب بكلامه، حاول جاهداً أن يخفيهما، وسألني لماذا لا أعطيه بعض المواد لجريدة الغد الديموقرطي، وكان يعملُ محرراً في الجريدة، فقلتُ له بأنني قليلُ الكتابة، كنا بمقتبل العمر .. لا تتجاوز أعمارنا العشرين عامّاً أو أكثر بقليل، بينما ابراهيم الحريري، يسبقنا بأجيالٍ وأجيال، فعاد الى الموضوع، وسألني ماذا بشأن المقابلات الصحفية، فعرِفتُ سبب حزنه وعتابه المشوب بأسى يصعبُ وصفهُ، فقد كان يعملُ بتفانٍ.. بجرائد وأدبيات المعارضة، وأكثر الأحيان مجاناً، دون أن يلتفت احدٌ الى جهوده، ولو بمقابلة صحفية أو زاوية صغيرة، رغم إن حضوره ملفتٌ بأكثر هذه الجرائد.. سواءاً الحزبيةُ منها أو الوطنية والمستقلة، ولا تخلو أيّةُ جريدة من إحدى بصماته، بل والأبعد من ذلك، كان يوزعها مجاناً على جميع العراقيين، كانت هذه أخِر مرّة ألتقي بهِ في دمشق الى الآن، ولكن بعد عدّة شهور، سألتُ عنه فأخبرني احدُ الاصدقاء، بأنّهُ سافر الى القاهرة، وخلال أسابيع وصلني منه بالبريد كتابان، اصدرهما في القاهرة على ما اعتقد، اثناء إقامته فيها، وكتبتُ له رسالة شكر وامتنان على هذه الهدية القيّمة، ولكن سرعان ما وصلتني رسالةٌ منه، يُخبرني بأن إقامتهُ في القاهرة باتت مستحيلة، وينوي السفر قريباً،كنتُ أعرف إنّهُ لا يستطيع أن يُقيم بأي مكانٍ فترة طويلة، ولا بد أن يكون قد خطط للسفر الى مكانٍ آخر أو دولة أخرى، افنى معظم حياته خارج العراق، وكان السبب بعدم استقراره بدولةٍ من الدول.. الى حين عودته للعراق،نجا من الموت أكثر من مرّة باعجوبة، ابتداءاً من ستينيات القرن الماضي لحين عودته الى العراق، وعودته للعمل بجريدة طريق الشعب، ولكن هذه المرّة، عاد مقتنعاً أو طوعاً، وليس بالاكراه على ما أعتقد، لأنّهُ في مقالاته الأخيرة، يبدو متفائلاً، رغم الفساد الذي يكادُ أن يقضي على العراق ومستقبله الذي كان بالنسبة لنا من جميع الأجيال والانتماءات اشبه بالحُلم، حتى نسينا طريق العودة إليه، ولكننا عدنا.. أعني جميع أو أكثرية المنفيين والهاربين من بطش النظام وحروبه والمعارضين، ولكن ليس للعراق الذي كنا نحلمً به، المهم اذا اراد احد الاصدقاء معرفة مكان إقامته فما عليه سوى أن يعرف أين تصدرُ جريدة طريق الشعب - جريدة الحزب الشيوعي العراقي .. من أيّ بلد، فإنّهُ حتماً سيجدهُ فيها

 

قيس العذاري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم