صحيفة المثقف

نصوص شيعيّة فقهيّة قاسية وآثارها النفسيّة والاجتماعيّة

ليس للفقهاء ذنبٌ في قسوة (بعض) نصوصهم وحِدّتها، ولا في رياضيّة منهجهم ودقّته؛ فهم مأسورون لقراءات تجريديّة، لنصوص روائيّة، منحوها إطلاقيّة المطلق، وكأن المتحدّث فيها ـ وهو الإمام المعصوم (ع) ـ يتحدّث في فضاء اجتماعيّ سرمديّ صامت، ليس في من يحاكيه: صالح وطالح، ظالم ومظلوم، غنيّ وفقير، عالم وجاهل، إفراطيّ ومفرّط...، أجل؛ حديث الفقهاء وأحكامهم ليس من جراب النورة كما يقال، بل هو وليد طبيعي لقراءة تجريديّة؛ قراءةٌ تسعى إلى فهم النصوص الروائيّة كمُثل نوريّة معلّقة، ليس لها علاقها بواقعها الاجتماعي الذي صدرت فيه، منفصلة عن محيطها وسياقها وموطنها، وعن جميع مبرّرات ودواعي صدورها.

ولعل محطّة الفقيه يوسف البحراني (1772م) صاحب كتاب الحدائق من أكثر المحطّات جدلاً وإثارة في هذا المسار؛ دعونا نتوقّف معه على أقسى نصّ فقهي له في وصف أهل السنّة والجماعة، والذي انتقد فيه بشدّة موقف الشهيد الثاني (1558م) في قضيّة فقهيّة دعا فيها الأخير إلى ضرورة الاحتياط بالخروج عن أقوال العامّة ومذاهبهم، فقال:

(ثمّ العجب منه (قدّس سرّه) أيضاً [ويعني به الشهيد الثاني صاحب كتاب المسالك] في اعتباره الاحتياط بالخروج عن أقوال العامّة ومذاهبهم في هذه المسألة، وأيّ وجه لهذا الاحتياط مع: استفاضة الأخبار بالأخذ بخلافهم، وإن الرُشد في خلافهم، ورمي الأخبار الموافقة لهم، وأنّهم ليسوا من الحنفيّة على شيء، وإنّه لم يبق في أيديهم إلا استقبال القبلة، وإنّهم ليسوا إلا كالجُدّر المنصوبة، وأن لا فرق بين صلاتهم وزنائهم، حتى ورد أنّه إذا لم يكن في البلد فقيه تستفتيه في الحكم، فاستفت قاضي العامّة، وخذ بخلافه. وما أدّعاه من إسلامهم وإن ذهب هو إليه [أي الشهيد الثاني]، وتبعه جمع عليه، إلا أن المشهور بين متقدّمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) هو: الكفر، كما استفاضت به أخبار أهل الذكر (ع)، وأوضحناه بما لا مزيد عليه...).

هذا النصّ يمثّل قمّة القسوة الفقهيّة التي أأمل أن لا نربّي أبنائنا عليها، واتمنّى أيضاً على حوزاتنا العلميّة أن تحدّد موقفها من أمثال هذه النصوص، لا من خلال التهريج على من يتّكأ عليها، ولا من خلال الاعتماد على التقيّة والعناوين الثانويّة لتبريرها، وإنّما من خلال: وضع النصوص الروائيّة ـ مهما كانت ـ التي ولّدتها في دائرتها الزمانيّة والمكانيّة الخاصّة، التي لا ينبغي تسريتها إلى كلّ الأزمان؛ فهذا المنطق في التعامل مع باقي المذاهب والأديان سيجعل منّا: أقليّة منبوذة من كلّ الأطراف، حتّى وإن أقنعنا أنفسنا بألف أطروحة للخلاص والنجاة.

 

ميثاق العسر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم