صحيفة المثقف

ممارسات وطقوس ليست من الشعائر

safaa alhindiمامعنى ان يُذلّ الانسان نفسه ويمرّغ جسده في الوحل والطين بهذه الصورة؟، فهل يظنّ هؤلاء أن هذ الأعمال التي لاتمت للانسانية ولا للحسين (عليه السلام) وقضيته بصلة فيها إحياء ولون من ألوان الشعائر؟، أنها أفعال مرفوضة قطعا يرفضها العقل والمنطق والاخلاق والشرع، وهي أقرب للبهيمية منها الى الانسانية.

ولو إعتبرناها جدلا لونا من ألوان أحياء الشعائر فهل تستقيم وتصح ويقبله العقل والاخلاق والشرع حتى نضعها في خانة الطقوس واحياء الشعائر..؟.

ينبغي له عندما يجلد الانسان نفسه وذاته وجسده ويذلّه بهذا الشكل ان يتمثّل ويحقق من ورائه هدفا او غرضا او معنى معيّنا من تلك المعاني الرفيعة فيه قدوة وأسوة حسنة من التي تحصّلت وحققتها واقعة كربلاء، او تطبيق أي معنى آخر فيه سمو ورفعة للانسان نفسه وللانسانية بشكل عام، فما الذي تحقّق او قد يتحقّق وممكن ان يتحقّق من هذه الاعمال والافعال سوى أتهام الشيعة بالتخلّف والخرافة؟ (هذا ما رأيناه ولمسناه في بعض المحافل). فلا هي من الحزن على الحسين او من ألوان الحزن عليه بشيء، ولا فيها تذلَل او تواضع له، ولا هي تدل او ترمز بمعنى من المعاني الى تطبيق ولو صورة مصغّرة الى حدَث وجزء بسيط من أجزاء ومناظر واقعة الطف.

ان أختزال قضية الحسين (عليه السلام) وتضحيته العظيمة بهذه الممارسات.. يهدف للتلاعب والاستهانة بعقول المجتمع الشيعي، والى أحرافه عن النهوض والثورة من ناحية، وأحراف المجتمع عن السير على جادّة المنهج الذي سار عليه الحسين (عليه السلام) والهدف الاساسي الاصيل الذي خرج وضحى من اجل تحقيقه من ناحية ثانية، وأذا ما أستمرّت هذه الممارسات وهذا السلوك الخاطيء وأُشيعت في المجتمع سيدمّر قضية الحسين (عليه السلام) ويصيّرها الى مجرّد طقوس فارغة وبلا أي محتوى..

وهو إختزال للمباديء والمفاهيم والقيم الماديّة والروحية الرفيعة التي جاء بها الاسلام وأقرّها، فالإسلام ليس مجرّد مجموعة من الشعائر والطقوس يؤديها المسلم (دوريا) تؤدى لنيل ثواب الآخرة بل هو قوة روحية تهب الإنسان المسؤولية والألتزام والحركة والميل الى التضحية والموت في سبيل أحياء المبادئ وديمومتها.

وقضية الحسين (عليه السلام) وتضحيته وبواعث نهضته الأصلاحية قامت من أجل إحياء أهم مبدأ وأهم ركيزة اسلامية وهي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وقد بيّنه (عليه السلام) في مبررات خروجه ونهضته: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي أريد أن امر بالمعروف وأنهى عن المنكر..)، وقال ايضا وهو يعض الناس يوم الطف (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً)، حتى صار هذا الشعار من أبرز سمات نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بل يكاد يكون هو السمة الغالبة على نهضته وهي الأصلاح على كل المستويات والصعد. لذا علينا التمسك بهذه المبادئ والقيم ولا نحيد عن طريق الأصلاح.

فهلّا وعى هؤلاء حقيقة نهضة الحسين، غاياتها، وأهدافها، وأبعادَها، ومدى الايجابية التي تتحصّل منها لو أستدعيناها بصورة فعلية حقيقية في شعاراتنا الحسينية اليومية؟ وهلّا وعوا أن هذه الممارسات الدخيلة (التمرّغ في الوحل، والحبو كالبهائم، والنباح كالكلاب..)، والتسمّي او التمثل بالكلاب من قبيل (كلب فلان او فلانة..) التي يمارسها البعض كلها ليست طقوسا ولا من الشعائر بل وليست من الاخلاق وليست من الاسلام في شيء على الاطلاق، وهل يعي هؤلاء أنما يراد لهم من خلال هذه الممارسات إشغالهم وإبعادهم عن القضية الاساسية ،نهضة الامام الحسين (عليه السلام)، ودورهم فيها الذي ممكن ان يتمثّل من خلال إستلهام روح الثورة منها ومن ثم النهضة ضد الفساد والفاسدين؟.

فإحياء الشعائر هي دعوة سنوية لنا لنكون ثائرين كما كان (عليه السلام ) ثائرا ضد الظلم والظَلَمة والفساد والفاسدين، فقد مُلئ ماحولنا جورا وظلما وشاعت فواحش الظالمين وظلمهم، فهي دعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تكاد تكون بعيدة عن واقعنا الذي تشيع فيه كل أنواع الأنحرافات على كل المستويات، وحتى في أوساط من يدّعون التدين وتلبّسوا فيه. فهي دعوة لتفعيل دور هذه الفريضة المعطلة التي بها تحيا الأمم وتنتشل نفسها من واقعها الفاسد لأن تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي دعوة للفساد وتسلط الظالمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته).

 

صفاء الهندي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم