صحيفة المثقف

ندوة كبرى حول حضور الفنّان التّشكيلي التّونسي في الفضاء العمرانيّ المعيش..

تنظم الرّابطة التّونسيّة للفنون التّشكيليّة بالتّعاون مع المندوبيّة الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بسوسة ندوة علمية وثقافية حول " الفنّـــانُ المُواطن "..(أيّ حضور للفنّان التّشكيلي التّونسي في الفضاء العمرانيّ المعيش؟) وذلك بمدينة سوسة خلال يومي 19- 20 ديسمبر 2015..

في اليوم الأول يكون حفل افتتاح النّدوة من خلال كلمة المندوب الجهوي للثقافة والمحافظة على التّراث بولاية سوسة الأستاذ الشاذلي عزابو ثم كلمة الأمين العام للرّابطة التّونسيّة للفنون التّشكيليّة وبعد ذلك يقع تقديم الورقة العلميّة التي أعدها الناقد والفنان التشكيلي خليل قويعة والتي مفادها "...إنّ أثر الفنّان في مشهد المدينة، وفضاءاتها العمرانيّة والبيئيّة، شكل للوعي المُواطنيّ وهو معيار لثقافة المجتمع وشاهد على موقعه في سلّم التّاريخ. ويُفترض أن يكون البعد التشكيلي في الفضاء المديني المعيش وجها للمشروع المجتمعي وتجسيدا لتطلّعات الإنسان إلى المستقبل. على هذا الأساس، يتأكّد لنا، يومًا بعد يوم، الدّور الذي يمكن للفنّ أن يلعبه من أجل صياغة القيم الإجتماعيّة والثقافيّة وتأسيسها داخل الفضاء العام، الحسّي والمعيش وإجلاء أثره البنّاء في معركة تأكيد حيويّة الحياة وإنسانيّة الإنسان ومدينيّة المدينة. وهكذا، فعلاقة الفنّ بالمدينة لا تتحدّ من خلال موطئ قدم يُهدى للفنّانين عرضًا، في مهرجانات الزّينة والمناسبات والأعياد...بل من حيث هي شكل لبنية الوعي المواطنيّ. ومن ثمّة، فالفنّان المواطن، واجب الوجود في الفضاء العمرانيّ المعيش... وكلّ سياسة ثقافيّة مهرجانيّة تستدرج المبدعين إلى الفضاء العام من حيث أنّهم عساكر حملات البهرج وشعارات الزّينة، إنّما تغطّي بذلك خطّتها الإقصائيّة التي عانت منها أجيال المبدعين بربوعنا، حيث وقع استبـعاد التّشكيليّين من مقاربة الفضاء العام، ضمن سياسة مَسرَحَةِ الثقافة، من جهة، والإكتساح السّلطوي، الرّمزي والبصري، لوجة الشّارع ضمن الدّولنة الكلّيّة للفضاء العام، من جهة أخرى. فبإزاء هذا الوضع الخانق، لم يكن في وسع المبدعين سوى الإنخراط الأعمى في منظومة الإنتاج المعرضي، سواء ببهو دار الثقافة (بهو وليس رواقا مستوفيا لشروط المعرض) أو ببعض الأروقة الخاصّة (التي لم تخرج عن السّياق الحانوتيّ)، حيث الإبتزاز وتوجيه مسار الإبداع حسب الطّلب... وبين هذا وذاك، كان لا بدّ للفعل التشكيلي أن يُرتهن داخل إطار اللّوحة، كشكل فنّي ظلّ سائدا (رغم أنفه!) وبنقس القدر، كان لا بدّ لصورة المدينة في الفنّ (الفضاء التّصويري) أن تزدهر على حساب أثر الفنّ في المدينة (الفضاء العام، المكان، الموقع)...ولا ريب، تتطلّع المقاربة الثقافيّة الرّاهنة لقطاع الفنون التّشكيليّة إلى انفتاح العمل الفنّي على الفضاءات الحيّة المعيشة والمحيط اليومي العام حتى يكون عنصرا مشاركا رئيسيّا في التّأسيس الجمالي والسّيميولوجي للفضاء المعماري والبيئة العمرانيّة وخطاب الشارع. وتمثل هذه المقاربة أمل المشتغلين بقطاع الفنون من مبدعين وأكادميّيين. بحيث لا تقتصر ثقافة الفنون على تنظيم المعارض بل يقع الخروج ببعض أركانها من أروقة الفنون إلى الفضاءات العموميّة المفتوحة، ومن ثمّة، من منظومة الإنتاج المعرضي والمتحفي إلى منظومة الاندماج في مشاريع تصنيع الفضاء الوظيفي وتجهيزه وتثـقيفه. وهكذا، كان يُفترض أن يقع تشريك أكثر ما يمكن من أهل القطاع، وخاصّة من خرّيجي المعاهد العليا للفنون والتّصميم والحِرف... في أشغال إنجاز الأعمال الفنيّة في المرافق العموميّة... وعليه، تكون الحاجة ماسّة إلى توفير الإطار التّشريعي الملائم للتّشجيع على هذه المقاربة العضويّة وتنظيم تدخّلات الفنّانين في المشاريع المعماريّة والعمرانيّة، بالتّنسيق مع الأطراف المتدخّلة الأخرى وخاصّة المهندسين المعماريّين والمقاولين ومهندسي التّهيئة، في البلديّات ومصالح التّجهيز، سواء فيما يخصّ مشاريع البناءات العموميّة أو الأشغال العموميّة للمحوّلات والأنفاق المروريّة والسّاحات... على غرار ما يوجد في عديد الدّول ذات المشهد العمراني المتطوّر، ليس في مدنها السّياحيّة فحسب. والعديد من القامات الفنية االتي طالعنا بها تاريخ الفنّ في العالم كانت قد عُرفت من خلال هذا المدخل...ولا ريب، إنّ المدينة وما تتضمّنه من فضاءات عموميّة معيشة ليست مجرّد كيانات من حجر وحديد واسمنت مسلّح، بل هي في عصرنا الرّاهن، صورة لمنظومة القيم الجماليّة تعكس مستوى الذكاء الفنّي والتّقني وتستشرف قيما مستقبليّة للمخيال الاجتماعي والرّصيد الثقافي الحيّ الذي يعتمل تاريخيّا داخل الضّمير الاجتماعي... أمّا العمارة العصريّة فليست مجرّد جدران وأبواب، بل هي الفضاءات التي نتنفّس فيها الحياة ونتذوّق من خلالها رحيق الإبداع من خلال ما تجود به مقاربات الفنّانين للفضاء العام من مختلف الإختصاصات والتّقنيات. بل إنّ الجزء الأوفر من رصيد التّراث الفنّي التونسي يُعرف من خلال علاقته بالمعمار بوصفه عنصرا من عناصره البنائيّة. وقد يكفي القول إنّ حاجتنا هذه من ضرورة استعادة البعض من خصوصيّاتنا الحضاريّة التّونسيّة الضّاربة في القِدم وتجديد النّظر إليها والإفادة من بعض مكتسباتنا الثقافيّة العريقة التي نفتخر بها ومواصلة نسغ الحياة وإيقاع البناء ونبض التّاريخ في الفضاء العام...كُتِب على الفنّان أن يكون حرّا (فذلك شرط وجوده)، مثلما كُتِب عليه أن يكون طرفا في عمران الحياة المجتمعيّة وليس أن يعيش في برج من العاج، لا ولا في كهوف الجبال...

-        كيف نرصد حضور الفنان التّشكيلي التّونسي، بُعيد تأسيس الدّولة الوطنيّة، عن أيّ فنّان نتحدّث؟

-        ماهي فرص الحضور التي حظي بها الفنّانون التشكيليّون التونسيّون في بناء المشهد المديني بتونس؟

-        كيف يحتمي الفنّانون وهياكلهم الجمعيّاتيّة بالمدّ النّظري، الذي تُطالعهم به موجات التّحديث العالمي وخاصّة تجارب الفنّ المعاصر، لتأكيد حضورهم في مواجهة الإقصاء؟

-        ما الذي يُفترض أن تقدّمه الدّولة للفنّان المواطن؟ وإلى أيّ مدى يمكن للفنّانين أن يكونوا جزءا من المشروع المجتمعي، بُناةً لواجهته الثقافيّة، وبأيّ معنى يتأكّد حضورهم في راهن المرحلة؟.."

المداخلات متعددة وتعالج الاشكاليات المطروحة وذلك من خلال مشاركات كل من المنصف ونّاس وحافظ الجديدي ومحمّد بن حمودة وجوهرة بوبكر وإبراهيم العزّابي وكريمة بن سعد وياسين الحلواني وهادف الظاهري ووفاء بورخيص ومحمّد فارس وبرهان بن عريبيّة وفاتح بن عامر وفتحي بوزيدة و خليل قويعة..و تكون رئاسة الجلسات واعداد تقاريرها لكل من عمر كريّم ومحمّد المَي ومراد كرّوت وحافظ الجديدي وشمس الدين العوني والمنصف ونّاس ..

من عناوين المداخلات نذكر (أسئلة الفنّ والمحيــط، اليوم وهنا   ومن أجل تفعيل الأمر عدد 295 لسنة 1962 المعروف بقانون الواحد في المائة وتطويره ) و(أنطونيو نيغري : في إبداعيّة الجمهرة ) و

( فنّانون تونسيّون يُرسون النشاط التّشكيلي في المدن الدّاخليّة ) و( الفنّان المواطن في لعبة القانون

حركيّة التّجارب الإبداعيّة وجمود التّرسانة التّشريعيّة )..

كما يتم عرض شريط قصير حول مسيرة علي النّاصف الطرابلسي الفنيّة الى جانب لقاء " الشاعر والشارع"ضمن سهرة شعريّة مع الشاعر المنصف المزغنّي في تقديم للشاعر شمس الدّين العوني.

في البرنامج أيضا تقديم شريط قصير حول عرض فنّي في الفضاء العام (روما، نوفمبر 2015 – الميداليّة الذهبييّة) للفنّانة التّونسيّة فاطمة حاجّي وهناك نقاش ومواقف ومقترحات وتنتظم في هذا السياق مائدة مستديرة بمشاركة الأساتذة محفوظ بن عبد الجليل، فاطمة حاجّي، المنصف المزغنّي، حمّادي الوهايبي، كمال العلاّوي، عمر كريّم، مراد كرّوت والحاضرين في النّدوة وبتنسيق الأستاذ د. فاتح بن عامر ويكون الاختتام بمداخلة الأستاذين محمّد المي وشمس الدّين العوني ضمن صياغة التّوصيات وتبويبها ومراجعتها ..

اذن ندوة أخرى في سياق النقاش الفني التشكيلي التونسي الآن وهنا ضمن شراكة مع المندوبية الجهوية للثقافة بسوسة التي تنفتح في فعالياتها وأنشطتها وتظاهراتها الثقافية على الجمعيات والمنظمات عبر فعل الشراكة وذلك الى جانب الفعاليات الثقافية والفنية الدورية التي تشهدهى مختلف جهات ومناطق جوهرة الساحل..سوسة.

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم