صحيفة المثقف

تماهيات روحية في شعر ابن الفارض 576 م - 632 م

sadam alasadiعاش في العصر الاموي الذي تميز بسمات ثلاث الحروب الصليبية والفتن الداخلية والحياة الروحية وقد ازدهر التصوف لوجود الاتجاه السني الذي يمثل المذهب الرسمي للدولة بعد ان كان الشيعي هو المذهب الرسمي للحكومة الفاطمية وقد كانت تائية (ابن الفارض) اشهر قصائده سماها (انفاس الجنان) (لوائح الجنان) وقد رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) في المنام فقال له سمها (نظم السلوك) لم يحصل من الشعر مرثاة الى الامور الدينية ولم يتخذه معرضا الى الجاه والشهرة وتزلف الامراء ولم يكن يريد شيئا من الدنيا وان الشعر عنده اسمى من ان يكون اداة للشهرة وذريعة للتقرب وله تائيتان الصغرى 103 بيتاً من الطويل

نعم الصبا قلبي صبا لاحبتي

فيا حبذا ذاك الشذا حين هبت

وتائية كبرى 761 بيتاً من تفعيلة الطويل

سقتني حميا الحب راحة مقلتي

وكأسي محيا من عن الحسن جلت

وقد احال عمر تصوفه الى شعر بوصف الشعر قالبا للصياغة وشكلا من اشكال التعبير واحال شعره الى تصوف بوصف التصوف مرتعا من الوجود ومحاولة لتأسيس الوجود .

عاش ابن الفارض حياته محبا الهيا والها ً يصبو الى المطلق وشاعرا صوفيا ادلى بشهادته على الواحد بعد شهوده في شعره اثار حماس الواجدين وقصائد ما تزال ثوابتها وارسالها وصورها ومعانيها تجسد هذا الشوق الانساني اللامتناهي الى قطب الكمالات .

 

مؤثرات في حياة ابن الفارض

1- منذ التاسعة عشرة من عمره وبدء حياته الروحية كان يستأذن والده ليطلع الى راوي المتعففين بالجبل الثاني من المقطم وبهذا الراوي اطلع الصوفيون على التفكير بالرياضة والخلوة او الذكر .

2- لم يطلع الى مناصب مثل اصحابه كتولي القضاء او اتباع المناصب الدنيوية وانما اتجه الى القيم الى الحياة الروحية الخصبة التي ينذر الصوفي بها نفسه لله .

3- ظهرت له الابوة الروحية على يد الشيخ محمد المتعال والمرشد الروحي العارف بإدارة النفس وسلوكها .

4- حمزة ابن الفارض الى الحجاز وعمرة 37 عاما حيث اقام في الاماكن المقدسة ثم العودة والى مصر واعتزاله في الجامع الازهر وموته مثل ابيه

5- تخللت حياته ضروب من التوحيد والقلق الشعري والتهتك في المحبة الالهية والتفنن والولع بالسماع والتعلق بمظاهر الجمال ولم يكن انشغاله بالوجد والسماع يخفى مع الخاصة والعامة من المصريين

6- اعرض عن صحبة الملوك والولاة مما دعا البعض الفقهاء تحريم شعره و وجهوا اليه تهمة الحلول وهو يمر بأزمات روحية في حياته.

 

مميزات اسلوب ابن الفارض

1- حظى بنصيب وافر من الشهرة والورع في القرن السابع الهجري وما تلاه من قرون .

2- شعرة نموذج من الوجهة الفنية للشعر الصادق المنبثق من تجربة ذاتية اصيلة وذلك من احواله ومواجيدة هي المشي تحرك القوافي فتجعله ينشط للشعر وصف به احواله .

3- شعره نتاج مكتمل التكوين من الناحيتين الفنية والصوفية اعني من الوجهة التي يبرز فيها شعره ذا طبقة غنائية تلويحيه تهيب بأساليب الشعر الغرامي والشعر الخمري في التعبير عن مواجيد الشاعر ومغازلاته يبرر مكتملا من الناحية الصوفية

4- عد الدارسون ابن الفارض استاذ الفن التائي في الشعر العربي وذلك انه استحدث قصيدتين الاولى التائية الهوى والثانية التائية الكبرى الورقة تبلغ السلوك سار على منواله الشعراء فيما بعد

 

المعاصرون لأبن الفارض

1- من الصوفية: محي الدين بن عربي 638 توفي بعد ابن الفارض بست سنوات

وابو اسحاق الواعظ 687 هـ

وابو حفص السهرودي 632 هـ

ومن الشعراء المعاصرين له

ابن النبيه المصري 619 هـ

ابن سناك الملك

ابن مطروح 649 هـ

بهاء الدين زهير 656 هـ

ومن الكتاب القاضي الفاضل 596 هـ

 

الرمز الغزالي في شعر بن الفارض

1- اتجه الى القصيدة الغنائية في التعبير عن مواجيده وعواطفه وادراكه مستعينا بلغة موسومة بطابع التلوع والرمز وهي لغة اشتهر بها من اساليب الشعر العذري الذي عني بتطوير العفة في الحب .

2- عبر عن حبه الالهي بلغة الحب الانسان جاريا على طريقة الصوفية في الاشارة الى مواجيدهم والتلوع لآزراتهم ومفاهيم من خلال اساليب الشعر العربي

3- ابن الفارض يميل في شعره الى العشاق من العذريين الذين عرفوا بالعفة والطهارة .

بها قيس لبنى هام بل كل عاشق

كمجنون ليلى او كثير عزة ِ

4- اهتمامه بالأساليب المكتملة التكوين في شعر الحب العذري فنجده يشير الى الرحلة التي يقطعونها ويحيا بها على ظهور الابل الضامرة الفيافي المقفرة وهذه الالفاظ تشير من طرف خفي دلالات غير مباشرة وتلوح رتوش

يا راكب الوجناء بلغت المنى

عج بالحمى ان جزت بالجرعاء

فهو يشير الى الرملة والناقة الشديدة وارواح نجد .

5- يدخلنا في كل اطار دلالاته الحسية المباشرة عن طريق الكنايات والاشارات والتلويحات اشكالا اشارية ترسم الرموز حيث تزدوج الدلالة اللفظية ازدواجا فتجاوز الحدود الذهنية للألفاظ

ا تلك ليلى الهاربة اسفرت

ليلا ً فصيرت المساء صباحا

6- شعره يعتمد على المقابلة بين المشار به والمشار اليه والمكنى به والمكنى عنه بحيث يكون بينهما تناسب فالبرق اشارة الى الوجود الحق والمصباح تأويله امر الهي متوجه الى عالم الارواح . والليل كناية عن ظلمة الاكوان انظر قوله:

هل نار ليلى بدت ليلا ً بذي سلم

ام بارق لاح في الزوراء فالعلم ِ

7- تصبح الرحلة عنده رحلة حسية الى ديار المحبوب في الخارج واقعة ذات دلالته تشير الى احوال ومقامات ومجاهدات ومواجيد اذواق

نار ليلى: ظهور الوجود الحق

البارق: كناية عن البرق انه سحاب على شمس الاحدية

ارواح نعمان: كناية عن اقطاب المنازل والمقامات

سائق الطعن: اشارة الى الروح الاعظم

والملاحظ ان الرموز تبقى ثابتة في الديوان لا تتغير فالعيس تبقى نفوس السالكين التي ابيض طرف منها بالموجات الروحية وتخفي الاخفاف بترك النفوس

8- يصف ابن الفارض على طريقة العذريين انسه بالوحش وبعده عن الوطن وسكونه الى الفلوات بعد ان كان الديار وارتحل قاطنوها:

أي ليالي الوصل هل من عودة

ومن التعليل قول الصب اي

ذهب العمر ضياعا وانقضى

باطلا اذ لم اخذ منكم بشيء

9- يكنى بريح الصبا الرقيقة عن الروح الالهي المنفوخ منه في الهياكل والاجسام وتتحول الصور التقليدية الى تلويحات واشارات

لفظة النقاء: على التمام المحمدي الخالص من الاغبار وكنى بالاسد الذي يصيده لحظ المها عن اصطياده ودخوله في حباله التجليات

10- مزج الشاعر بين التلوع الغزلي وبين جو الحجاز القدسي في تائيته

واي بلاء الله حلت بها فما

اراها وعن عيني حلت غير مكة

11- مزج الشاعر بين الغزل والتصوف فقد اشار اتلى ان موته بسببها حياة هنيئة

ولا سعت الايام في شت شملنا

ولا حكمت فينا الليالي بجفوة

 

الخمرة في شعر ابن الفارض

يقسم الصوفية حال السكر الى ثلاث درجات (الذوق – الشرب – الري) وهي تقابل بل تمام مع التساكر والسكو والصحو .

ويرون السكر من الاحوال الوجودية الذاتية التي تغذي الصوفي وقد ينشأ السكر من مباغتة الجمال لسير المحبوب في حضرة مشاهدته وعندئذ تدهش الذات وتهيم وتستر عذر العقل المميز بين الاشياء محسوسها ومعقولها بغلبته الدهشة والحيرة في مطالعة الجمال تعد خمرية ابن الفارض وهي قصيدته الميمية تعبيرا صوفيا مرموزا ً عن معان نفسية واحد الى وجدانية

سقتني حميا الحب راحة مقلتي

وكأس محيا عن الحسن جلت

ان الصوفيين يلوحون بالمدامة الى المحبة الالهية وهي عندهم علة للوجود وسرة الاول ومبتدأ الخلق حيث كان الذات الالهية كنزا مخفيا فلما احب الله ان يعرف خلق الخلق فيه عرفوه ان الخمرة المعتقة عند ابن الفارض في اعطاف الازل شربتها الارواح المجروحة ما انتشت وطربت وشكرت قبل ان يخلق العالم

شربت على ذكر الحبيب مدامة   سكرنا بها من قبل ان يخلق الكرم

1- انه يذكر الالفاظ التي تدور على السنة الشعراء الوصافين للخمر الحسية (مدامة – كرم – كاس – مزاج – دنان) مما جعل بعض المستشرقين يتوهمون انه يصف الخمر الحسية المعتقة في الدنان – فهو يريد بها رموزا ً وايحاءات

   الخمر: هو الانسان الكامل يعني به الرسول محل المحبة وسرها وقد اشير اليه بالبدر .

2- عدد ابن الفارض صفات المدامة الرمزية المجردة فذكر اسمها يصيب العارضين بالنشوة ويتبدد الاحزان يسكر النواحي ختمها ويحيي القربى نضجها ويشفي المروض كأسها .

           ولو نظر الندمان ختم انائها

                                 لاسكركم دونها ذلك الختم

3- ينسج رمزه الخمري خارجا بالألفاظ الى مدلولات غير مباشرة فالألفاظ                  

(المدامة الراووق - الابكم المزكوم ليست مقصورة لذاتها و انما هي كنايات و اشارات تختلف في جوهر صوفي خالص .

         و لو قربوا من حانها مقعدا مشى

                                    و تنظف من ذكرى مذاقتها البكم

الندمان: كتابة عن السالكين في طريق الله

فم الاناء: اشارة الى اثر الثجيل الرباني

الاناء: كناية عن النفس الانسانية

4- الشاعر يستعير من شعراء الخمر اوصافها الحسية ولكن نجد صفات اخرى تفردت بها خمر الصوفية كالازلية والتجرد من كثائن المادة وجرمية العناصر وتجاوز الزمان والمكان وال والتصور

 

                   صفاء و لا ماء و لطف و لا هوى

                                        و نور و لا نار و روح ولا جسم

                     تقدم كل الكائنات حديثها

                                         قديما و لا شكل هناك و لا رسم

فالشاعر لا يريد المدامة الخمرية الحسية المحصورة وانما ابراز م والصوفية من اذواق ومواجد مع طريقهم في الرمز والاتحاد والتلويع انه يصف المدامة الكنى بها عن المحبة بالتجرد الخالص فليس كثافة الماء والبراء وليس لنورها كثافة النار وانما هي ظاهرة له بنعوت اللطف والصفاء والضياء قديمة ازلية سبق وجودها الكائنات .

الاواني: عالم الامكان

المدامة: عن الروح

الكرم: عن الجسم

لقد اطوع المعجم الخمري لأشاراته وتلويحاته ضوءا ً ثم ان لم يشرب هذه الخمرة التي سكر بها اهل الدير .

رتا لو اشرب الاثم كلا و انما

                         شربت التي في تركها عندي الاثم

 

وهكذا قدم ابن الفارض في قصائده عالما صوفيا متماسكا من الرموز و الايحاءات و الاشارات والتلويحات كما قدم الرمز الخمري في شكل فني ناضج متكامل بأهاته اساليب الشعر الخمري المكتمل التكوين في التعبير عن از واحواله ومواجيده .

 

ما الذي انفرده عن الفارض عن سواه ؟

1- انه يعبر عن تجربة الروحية العميقة الابعاد وفقا لمجموعة تائية في المعطيات وثروة هائلة من الاساليب الموروثة – انه يبيت الرمز خارج القصيرة -

2- يتسم الرمز عنده بالجزئية المفرطة فلا يفض مضمونه في كلية قضية قوامها السياق الحي للتجربة وهو تمليك اللفظية

3- الرمز عنده يفقده هذا الايهام الذي يثير القارئ و مما يزيد ذلك اتجاهيه في بعض شعره الى الكشف عن الالموضجة للرمز في اسلوب مباشر كقوله:

وقد وقع التفريق والكل واحد     فأرواحنا خمر واشباحنا كرم

4- طعم قصائده بصناعة بديعية من الجناس والمبالغة      

                         ايا راميا ً يرمي بسهم لحاظه

                                        صوامع اذكار لدافع فكرة

                                               جدا مع اثار قوامع عزة

5- الولع بالتصغير

كوني العهد القديم لأنها     حديثة عهد من اهل مودتي

6- الاشارة الى المقامات وابطالها

تامل المقامات السروجي لا غير

                               بتلوينه تحمد قبول مشورتي

7- الاشارة الى العلميات – الصوت – المنام- المعلوم

واضع لرجع الصوت عند انقطاعه

                             اليك بأكتافي القصور المشيدة

8- الطبيعة الجامدة والمتحركة

           ترى الطير في الاغصان يطرب سمعها

                                         تغريده الحان لديك شجية

9- التزاوج بين الحواس

               فعيني ناجت اللسان مشاهدا

                                 وينطق مني السمع و اليد اصغت

10- الاشارة الى الجموع

                      و شاهدا اذا استحليت نفسك ما ترى

                                             بغير مراء بالمرايا الصقيلة

11- تصنيف مفردات القرآن

               فنفسي كانت قبل لوامة متى

                                   اطعها عصت او اعصي كانت مطيعي

 

12- الاغراض البديعية

أ‌- المبالغة

                     كأني هلال الشك لولا تأوهي

                                         خفيت فلم تهدي العيون لرؤيتي

ب‌- التقسيم و السجع

                         صوامع انكار لدافع نكرة

                                         جوامع اثار قوامع عزة

13- القصص القرآنية و الاحكام

قصة موسى عليه السلام مع الخضر

                                 قتلت غلام النفس بين اقامتي

قصة نوح . فطوفان نوح عند نوحي كأدمعي

قصة يعقوب . و حزني ما يعقوب بث اقله

قصة ابراهيم . و لما دعا الاطيار من كل شاهق

الاشارة الى الكعبة . ايا الكعبة المحن التي لجمالها ..

ما هي الاصناف الخمسة للرؤيا الصوفية

1- الحب اللهي: حجر الزاوية و الرؤيا الصوفية فالحب هو الذي اخرج الكون من العدم

حسبي من الحب اني     لما تحب احب

2- السكر الصوفي: النشوة العارمة التي تفيض بها نفس الصوفي وقد امتلأت بحب الله حتى غدت قريبة منه كل القرب .

وسكر ثم صحو ثم شوق     وقربا ثم وصل ثم انس

ان المحبة للرحمن تسكرني     وهل رأيت محبا غير سكران

3- زوال الحجب: يسعى الصوفي لأسقاط الوسائط بينه وبين الحبيب ويرى ان قيام اية واسطة لعل الوصول لم يتم بعد للحلاج:

                         اريدك لا اريدك للشراب

                                               ولكني اريدك للعقاب

                       عجبت لكل كيف يحمله بعضي

                                  ومن ثقل بعضي لي تحملني ارضي

4- غلبة الشهود: من مراتب الفناء , فناء العبد عن صفات الحق بثروة الحق

       لا تدعني الاب يا عبدها

                           فانها اصدق اسمائي

5- المعرفة: اعلى درجات الفناء وغايته سفر الصوفي الى ربه .

                 انا انت بلا شك ٍ

                           فسبحانك سبحاني

               وتوحيدك توحيدي

                           وعصيانك عصياني

 

تحليل ونقد الاستاذ الدكتور صدام فهد الاسدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم