صحيفة المثقف

الاسهال في الثقافة المعاصرة

khadom shamhodالاسهال يعني في المعجم اللغوي ان الامر وجده سهلا. ويعني ايضا نزل السهل او تاه. وفي الطب يعني زيادة غير سوية في سيولة الفضلات .. ويعني الاسهال في الفن والادب من وجهة نظر البعض هو كثرة وزيادة الانتاج المفرط والسطحي والتكرار الممل ..

. وتحت ظل الحرية في الفن والادب وعدم الالتزام بالقواعد الاكاديمية والكلاسيكية وغيرها اصبح من السهل اليوم ان يكون الانسان فنانا او شاعرا او كاتبا او اديبا او سياسيا او متدينا وخاصة بعد ثورة المعلومات وشبكة الاتصالات والتواصل الاجتماعي والصحف الالكترونية وغيرها . ولكن على حساب الاصالة؟؟؟ وكانت المفاهيم والافكار والنظريات الفنية التي ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اغنت الحقل الفني والادبي من ناحية الحرية في التعبير وطرق الاداء في الاساليب الحديثة، ودفعت بالفن الى وثبات جريئة الى الامام . وقد افسحت المجال للانطلاق الى آفاق شتى من الاساليب الفنية ومستحدثات الابداع . . ومنذ ظهور المدارس والمذاهب الفنية الحديثة وروادها عاش الفن عصره الذهبي منذ اواخر القرن التاسع عشر وستينات القرن العشرين .. ثم جاءت الاجيال المعاصرة لتستنسخ وتكرر بطريقة مملة ما عمله رواد الفن الحديث سواء كان في الفنون التشكيلية او الادبية (الا ما رحم ربي) .

يصف بعض علمائنا الاصالة بمثابة (الشعرة البيضاء في الثور الاسود)، اي ان الغالبية العظمى غير اصيلة ومميزة . كما يذكرنا في قول الامام جعفر الصادق – ع- (ما اكثر الضجيج وما اقل الحجيج) اي ان القادمين المخلصين الى الحج قلة ... وهو ايضا ما يسري على الفن والادب ..

سابقا اطلق المؤرخون على الفن الروماني بالتلفيقية . والتلفيقية هي ضرب من ضروب التعبير الفني ويعني استعادة عناصر تشكيلية من مختلف المشارب والعصور وتجمعها في فن واحد موحد ولكنها لا تلبث طويلا حتى تنهار لعدم الانسجام والترابط .. ولكن فن الحداثة وما بعد الحداثة سمح لكل من هب ودب من ممارسة الرسم وذلك كون الغالبية العظمى من الذين يمارسونه لم يتقنوا الاسس والقواعد الاكاديمية في الرسم وربما لم يدخلوا معاهد للتعليم . كما اصبح عرض الاعمال والكتابة والنشر سهلة المنال ولا تحتاج الى معانات ولا تنقل من مكان الى آخر ولا صرف ولا اجر مادي، وذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع النيت والصحف الاكترونية وغيرها والتي اصبحت بمثابة كالريات ومتاحف للعرض .. وبالتالي نجد في كل ركن او زاوية وفي كل مستوطنة رسامين وادباء وشعراء وسياسيين وفلاسفة وغير ذلك، ويمكن ان تجتمع هذه الخصائص اليوم كلها في شخص واحد وفي نفس الوقت . ولا نعرف هل ان هذه ظاهرة حضارية ايجابية ام سلبية ؟. والشئ المحزن والمؤلم هو توجه القنوات التلفزيونية على هذا التيار الضعيف والتطبيل له .. .. كل يوم يظهر لنا مئات الرسامين ومئات الشعراء الحديثين والشعبيين ومئات المعارض وآلاف المقابلات التلفزيونية في العالم، وكلها تدعي الفن والادب والشعر .. ولكن (ما اكثر الضجيج وما اقل الحجيج) ..

يقول المرحوم احمد الوائلي حول الاصالة في الشعر (الشعر يكهرب) اي يجعل الانسان عندما يسمعه يتكهرب، يهتز، يرجف، يثور . وشعر الرجز هو واحد من بحور الشعر العربي الذي يكهرب ..

الشمس شمسي والعراق عراقي - ما غير الدخلاء من اخلاقي

داس الطغات على جميع سنابلي - فتفجر الابداع في اعماقي

انا الجميل السومري البابلي - كانت يدي قيثارة العشاق // كريم الناصري

نحن لسنا ضد الحداثة وانماط الحركات الفنية المعاصرة التي قام بها مجموعة من المصلحين والمجددين والمبدعين في اواخر القرن التاسع عشر والذين اصبحت اسمائهم تمثل الرموز الاساسية للتجربة الخلاقة التي عرفها الانسان في زمننا هذا وهي تجربة اصبح الجميع يشارك في التفاعل معها، ولم يكن هؤلاء المجددين روادا فحسب بل خالقي مدراس ومذاهب تفجرت من خلالها قرائح الرسامين والشعراء والادباء ووتنورت العقول والافكار وتحررت، امثال غويا وفان كوخ وادورد مونخ وفكتور هيكو وبودلير وغيرهم .. ولكن ضد السطحية والتقليد والتكرار وضياع الشخصية . نعم قد يكون الابداع موجودا في كل شئ حتى في التقليد لان لكل شخص هناك خصوصية في مسك الفرشاة وحركتها ووضعية اللون والتذوق ..

قرأت كتابين حول الفن الحديث الاول – مئة عام من الرسم الحديث للكاتبين - جي اي مولر – و– فرانك ايلغر- ترجمة فخري خليل ومراجعة الكاتب الالمعي جبرا ابراهيم جبرا 1988 . والكتاب الثاني – الفن الحديث وموت الحضارة – للمؤلف هانس روكماكر 1970.. الاول يتحدث عن الانقلاب الذي حدث على الفنون الكلاسيكية القديمة والتجديد الذي حدث في حضارة العصر وظهور حركات فنية متنوعة هائلة اعطت انعطافة مهمة في تاريخ الفن . والكتاب الثاني يعتبر اكثر تشائمية حيث يتحدث صاحبه عن موت الفن والثقافة الحديثة وانها تسير نحو الهاوية وهي في حالت احتضار وفي رأيه قد نفذت كل قواها وانتهت ...

وهذه كلها وجهات نظر وقد يشارك البعض في الرأي وقد يخالف البعض الآخر. وهي سنن كونية في الحياة وطبيعة البشرية في تنوع المشارق والمغارب والافكار والاذواق . ..

(فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم