صحيفة المثقف

الكائن المرئي المُحيَّر.. الشاعر نامق عبد ذيب في قصيدتهِ: غُرابٌ على الجِدار

adnan aboandolisربما يلفتُ نظر المتلقي حين التمعن في عنوان القصيدة، فيتساءل لأول وهلةٍ ؟ كيف أتى؟! .. وبأية طريقةٍ حطَّ هنا، وما هدفهُ ومبتغاهُ –برمزية مموه عنهُ نوع ما، و تتقاطر لحظتها تساؤلات عدة ؟؟؟؟؟؟ .. فالغراب في الموروث الشرقي –فأل نحس – مشتق من الغُربة- يستدل من نعيقهُ على الرحيل والخراب، هذا الكائن المنبوذ لفظاً ومعناً، لكن عند أقوامٍ أُخر يرمزُ إلى حُسن الطالع _وهكذا من ثنائيات التضاد المعرفي . كانت رؤى الشاعر خاطفة برسم صورتهِ تلك، هذه الصورة القاتمة يتخللها شيئاً من الذهول –الإندهاش –التعجب، وما إلى تداعيات المخبوء الداخلي والمنظور الخارجي. في المستهل قد إستثنى هذا الغراب بالذات عن بقية الغربان الأخرى – ليس كمثلهِ غُراب – فيه تناص– ليس كمثلهِ شيءٌ ولن يكون، فشدة وطء الحياة وما جرى – هذا الغراب المحير غراب آخر .

ليس كمثلهِ غراب

لا السوادُ سوادٌ

ولا النعيقُ

ولا الجناح

كان مجردَ هُلامٍ لزج

يسيلُ على الجدار ...

ماءتِ القطةُ عندما رأتْهُ

وفغر الطفلُ فاه

وعندما طارَ تركَ شيئاً من سوادهِ على البيت

وهاأنذا منذ عام أحاولُ مَسْحَ ما تبقى منه

دون جدوى

وتتوالى وصفياً تكوين هذا الطائر الخرافي الرخو – المفقوع – السيال سحرياً – الشفاف تكويناً لايشبه مخلوقا ما - المصنوع بايدي بشرية ليس إلا – لا السواد سوادً – ولا النعيق – ولا الجناح – يتميز هذا الغراب بـ اللون –الصوت – القوة "الجسد" لاشبيه لهُ – ليس كمثلهِ غراب ....

فربما جذره مجرد هلام لزج – تخيل وهمي من الرعب الماثل في هذه الحياة كل لحظة – يتمثل بالعدو الوهمي بدءأ _ الماثل –نهاية –المرعب –المرهب –الذي غزا الديار على حين غرة، من حيث المقارنة بشكلهِ ورسمهِ وصورتهِ –الهيئة التي عليها الآن وملحقاتها تدّلُ على ذلك –صورة طبق الأصل –إستنساخ -= كل افعالهِ الشريرة –ملائمة –مواءمة لهُ .

لو تم تشبيه هذا الكائن المحيّر برمز –الغُراب – بالبشر وتقريب الصورة أكثر توضيحاً، لإتضح هذه الفئة لا تشبه بقية البشر من حيث الفعل بالذات . وما جرى بتسببه ويلات لا ينساها اللبيب قطّ - قبل مغادرتهِ –المكان – الجدار –أساس المكان –خلف فيهِ سيلان على الجدار – هذا السائل اللزج –يبدو أنهُ يتحرك –خافت القطة وتعجب الطفل –فالجماد والحيوان والطفل –هؤلاء الثلاث اشياء لا تؤثر على غيرها وتأثرت بالغراب .لعنة خراب وفوضى –دم –موت –ولغرابتهِ ماءت القِطة –فغر الطفلُ فاهُ –إندهاشات تعجبية متتالية –رغم إختلاف التكوين –قِطّة – عقل مقصور بغريزية \ طفل –عقل محدود –بفِطرية فالمشترك بينهما –لاوعي -.

حقيقة من أن هذا النص المكثف حدّ إستحالة الضغط عليهِ، عصي –محير، يصاب متلقيهِ بدوار حين تتابع القراءة وخاصة في جملتهِ التي تمحور عليها النص برمتهِ "كان مجرد هُلامٍ لزجٍ" أضاء النص بحداثة رائعة، إخترتهُ من بين عشرات النصوص المنشورة في موقع التواصل، وذلك لمواكبة الأحداث سيرة وتأريخ ومتغيرات مكانية اساسها الجدار .غادر الغراب وبقيت الأثار لمتسخةا، نعيقهُ لحن، وآثارهِ عقبت ورائحتهِ عُطرت لن تمحى بسهولة ويصعب إزالتها بالسرعة التي نتمناه .

 

عدنان أبو أندلس

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم