صحيفة المثقف

عبدالجبار الرفاعي ومعضلة الوجود

801-jabarلم يكن الرفاعي في كتابه الاخير "الدين والظمأ الأنطولوجي" يتحدث عن الدين على مستوى الازمة او الدفاع او التفسير، بل كان يتحدث بلغة براغماتية شفافة، او كان يكتب بهدف براغماتي شفاف، ولعل بعض القراء يستغربون مثل هذا الاستعمال باعتبار ان هذا المصطلح، اي البرغماتية، يمثل نزعة دنيوية حادة، وهو احدى اساءات الفهم للمصطلحات الفلسفية الغربية، كما هو مع الفلسفة التي ظلمت من قبل دعاتها قبل اعدائها، اقصد الفلسفة الوجودية، فإن البرغماتية هنا بلحاظ تحصيل الارتواء الوجودي، اي الارتواء من الوجود حتى الثمالة، السكر بلا خمرة عنب او تمر، بل السكر بارتشاف اكبر قدر من الحيوية الوجودية، التي تنبعث من ذات هذه البديهية الصارخة في المنحى الكلاسيكي لفهم الوجود، واضيف اننا ايضا مسؤولون عن توسيع هذه الحيوية واثرائها، رغم انها هي الاساس في كل انطولوجيا، كما تقول المدرسة الكلاسيكية لتفسير الوجود، وليس هنا مجال تحرير المعركة بطبيعة الحال .

801-jabarعبدالجبار الرفاعي عطشان لمزيد من الحياة، لأن الحياة خلقها الله لنتشربها جرعات صاخبة، وليس نقطة نقطة، الحياة مرتع للارتواء، وهي مفتوحة عليك لتجرع منها الكثير دون ملل، ولكن بشرط ان يكون الارتواء جاذبا لمزيد من الثراء النفسي، العلو، المافوق على مذهب كارل يسبرز، هذا الفيلسوف الذي احبه كثيرا . تقرا الكتاب للتغذي، ولكنك لا تتغذى لانك تريد المزيد، يفتح شهيتك على الافق البعيد، بعيدا عن تعقيدات الدليل العقدي الغارق بالحدود والرسوم، المترفع عن جدل الكلام، لانه جدل يبدو لم يؤمن به عبدالجبار الرفاعي بعد رحلة عمر في دراسة وتدريس الفلسفة، وبعد سفرة طويلة مع الامكان والواجب والممتنع، الشدة والضعف، العلة والمعلول، عالم العقل والمثال والمادة، يتجاوز كل هذه البحار ليرسو بسفينته على أطراف بحيرة جميلة، هي عصارة هذه البحار، روحها، هدفها، الا وهو الايمان بلا تعقيد، الايمان هو الطريق، بل هو ذات الطريق الى الراحة، الى الاستقرار، الى نفث النفس الذي يعقبه هدوء ... هدوء الوجدان، وليس الوجود شخصيا.

قد لا اؤمن بكل ما طرحه عبدالجبار الرفاعي في كتابه الاخير، بل هو هذا الذي يجب ان يكون، فلا معصوم في هذه الحياة سوى الله، ولكن وجدت فيه راحة نفسية، او وجدانية، وانا المكلوم طوال حياتي بحظ عاثر لا اعرف سببه، فكان للرفاعي شيء من الفضل عليّ، ترى هل هو من باب التخدير؟

الدعوة التي اطرحها هنا هي التحويل الثوري للدين، أو الفهم الثوري للدين، ولكن ليس بعنوان ثورة الدم، بل ثورة الروح على الجامد، ثورة الوجدان على الوجود الكسيح، ثورة الخبز النظيف.

علي شريعتي كان ابن مرحلته، يجب او بنبغي، او كما ارى: ان علي شريعتي اعطى كثيرا، من اجل توضيح مهمة الدين في مرحلة معينة او حالة خاصة، وعليه كان مظلوما بعض الشيء، إذ ان مفهومه للدين هو مرحلة في فهم الاسلام، او مرحلة في طرح الاسلام.. ولكن والحق يقال: ان طرح مفهوم شريعتي كمستقبل وصيرورة يحمل الكثير من المخاطرة، إذ لا اجد الاسلام سوى دين يشبع ظمأنا.

تحية للصديق الاخ، صاحب الفضل علي، ابو محمد، عبد الجبار الرفاعي.

 

الشريد ... غالب الشابندر

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم