صحيفة المثقف

مفهوم الجهاد.. جهاد واحد ولا غير

abduljabar alobaydiسنحاول اليوم تقديم قراءة معاصرة وتقصٍ جديد لمفهوم الجهاد في الاسلام وصلاحية التطبيق . ومحاولة بيان التطابق والاختلاف لاستعمال المصطلح عند المسلمين وغيرهم من الشعوب الاخرى عبر الزمن الطويل، والذي تمخض اليوم عن اختلافات دينية عميقة ادت الى كوارث انسانية لازلنا نعايشها ونرجو ان تزول .

وسيتضمن العرض:

1 الاساس الاول لظهور مفهوم الجهاد عند العرب قبل الاسلام.

2 مفهوم الجهاد في الاسلام وأسس التشريع.

3 لماذا تتخوف الشعوب من الاسلام اليوم؟

4 أستنتاجات عامة.

أبتداءً نقول:

أن التأسيس القرآني للمجتمع اليوم لا يمكن ان يعني مجرد أعادة انتاج لنفس مواصفات الحقبة النبوية بكل مواصفاتها، كما تدعيها الجماعات الجهادية المتشددة اليوم. كما لا يمكن ان تعني رؤية اخرى تختلف كل الاختلاف عن تلك الحقبة كما يدعي اصحاب العلمانية المنفتحة اليوم. فالتجاهل في الحالتين بحجة المتغير الاجتماعي من وجهة نظر جدلية التاريخ لا تنتج ما نرغب ونريد، لأن العودة عبر الزمن مستحيلة، وألغاء التراث بكليته بحجة تقادم الزمن مستحيلة هي الاخرى. فحين ذكر القرآن كلمة الحق المطلق بين الناس بكلمة (الله هو الحق )، ذكر بجانبها الأعراف وخصها بسورة مستقلة ( خذ العفوَ وأمر بالعرفِ وأعرض عن الجاهلين، الاعراف199) .لايجاد التوازن في الحقوق في الحياة وهذا هو قانون الأعتدال والوسطية الذي ذكر واشبع بحثا عند المفكرين والفلاسفة المعاصرين .وهذاهو أيضاً الذي لم تفهمه جماعات التشددد الحالية، ولا الانفتاحية الفوضوية السائرة الى الفشل الأكيد .

لكن المعضلة هل دست في القرآن آيات كتبها الكاتبون ...الآية 79 من سورة البقرة؟

انا اعتقد ان كل آيات المرأة وملك اليمين والوصية والآرث والجهاد فيها تحريف؟

نحن اليوم بحاجة الى نظرية المعرفة المستمدة من فلسفة القرآن الكريم المسندة على المنطق العلمي لا تخريفات فقهاء الدين، وليس للسرد التاريخي الذي اصبح عالة على الدراسات التاريخية والفقهية وعلى القرآن نفسه، بعد ظهور 115 تفسيرا للقرآن الكريم كلها تختلف عن بعضها الا القليل..نحن بحاجة اليوم الى الرأي العلمي والقانون وندع القرآن الكريم بعد ان اصبح النص يتناقض والمفهوم السياسي الحديث.

نعم نحن بحاجة الى بحث وتأصيل؟، وبعد ظهور دراسات علمية مناهضة للقرآن الكريم عجز اهل الفقه من الرد عليها بعلمية المنطق والقوانين. أنظر مناقشات سؤال جريء...؟

ان التطرف والتشدد والمطالبة بالتمسك بالتراث دون تغيير بغض النظر عن مفهوم الزمان والمكان والعقل والتاريخ ، أصبح أمر ا مستحيلا.، لذا بقيت هذه الجماعات الدينية المستغلة، وستبقى معزولة وهاربة من تحديات عصور الحداثة والتجديد القانوني الصحيح، كما هو حاصل في دول التقدم والحضارة الحديثة. لان الظاهرة تتغير بتغير الزمن وتبقى محكومة بظروفها والنص القرآني ثابت لكنهه متغيرفي المحتوى في التأويل وهذا هو سر اعجاز القرآن الكريم والا كيف سيصبح صالحا لكل زمان او مكان شرط ان يكون خالياً من التزوير؟. فنحن ليس لدينا اصول في النقل القرآني كما دونت منذ عهد الرسول، لقد جمع القرآن في عهد الخليفة الثالث (رض) بعدها احرقت الاصول ولا نعلم عنها شيئا في التثبيت.

لذا جاءت القصص القرآنية من الجزء المتغير اي من تراكم الاحداث بعد وقوعها (نحن نقص عليك نبأهم بالحق). وهذه ايضاً هي جدلية التاريخ المتمثلة بأقامة الحجة بالدليل.كما في الليل والنهار، الحب والكراهية، الحق والباطل وهلاك الشيء باستمرار(كل شيء هالك الا وجههُ القصص 88.. (ونضرب الحق بالباطل فأذا هو زاهق ). وبين الجهاد والقتال والنفير خلاف وأختلاف...؟.

                                                              

وهي احدى الاشكاليات المنهجية عند المسلمين اليوم التي لم يخوض بها العلماء أو الفقهاء بشكل علمي صحيح لجهلهم بها ولغلبة العصبية عليهم في التفسير، ترضية للسلطة عبر الزمن، فبقي النص الديني اسير راي الفقهاء الجامد في التوجيه والتثبيت. نعم بعض الآيات القرآنية بحاجة الى مراجعة ، وخاصة في حقوق المرأة والزواج المتكرر والعبيد وملك اليمين ..؟

من هم المسلمون ...؟

كل ما جاء في القرآن نقل عن محمد الرسول (ص) الذي اخبرتنا السماء بدعوته بعد ان بلغ الأربعين من عمره، وهو سن النضج المتكامل عند الانسان، وقبله كان23 نبيا ورسولا لخص كل كتبهم ورسائلهم في كتابه القرآن، ولم يلغيها، لا بل أكد انهم كلهم مسلمون كما جاء في ( سورة الاحزاب آية 35 ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .. اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيماً). اي ان الجميع يدخلون في حساب الايمان بقوله تعالى: (ان الذين آمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادواوالصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، المائدة 69). وهنا نجد خلطاً عجيبا في التفسير لا اول له ولا اخر في التثبيت. لذا ظل مفهوم الجهاد عائما دون تحديد.وهذه اشكالية اخرى.

 

مفهوم الجهاد ليس جديدا في الاسلام ولا هو مُبتكرٍ؟

فقد استخدم هذا المصطلح عند العرب منذ عصر الجاهلية بمفهوم حمية القبيلة من الاعتداء، في وقت لم تكون تنظيمات الجيوش النظامية قد ظهرت، وبعد ان نسبت هوية القبيلة للارض ايضا بعكس ما اخبرتنا المناهج المدريسية الخاطئة التي اشرفت على وضعها مؤسسة الدين -منذ بداية تكوين الدولة العراقية عام 1921) بأن القبائل لا وطن لها، فهي مترحلة حيث الصحراء والماء والكلاْ.هذا صحيح كان عند الحاجة والقحط، لكن الشرط الاساس ان تبقى الارض للقبيلة دون تغيير، لذا فأن العلاقة بين الوطن والمواطن أزلية، والحمية عندهم واجب وطني قبل ان يكون ديني بغض النظر عن المفهوم الديني الغامض عندهم، لذا نراهم اليوم يتنازلون عن الارض العراقية الدخلاء مقابل المصلحة الفردية (مفاوضات العراق مع الكويت وايران وتركيا بعد كارثة 2003).هكذا تخبرنا معجم القبائل العربية، أنظر رضا كحالة . لكن هذا المفهوم تغير بفضل خونة الاوطان والمتعاونين مع الاحتلال، وهاهم اليوم كالنعاج لايدرون المصيربعد ان غرهم الباطل عن الحق والصحيح؟

أما الخيانة الوطنية كانت محرمة عندهم، لذا حين اتهم ابو رغال بخيانة قريش مع الاحباش في معركة الفيل سنة 570 للميلاد، قتل وظل قبره يرجم الى اليوم. وهذا تاريخ يفتخر فيه عرب الجاهليين؟ لكن الخيانة عندنا اليوم اضبحت علنية والمباهات بها لا تخجل خونة الوطن والتاريخ (اعترافت مشعان ضد نفسه و خونة الوطن في الرئاسات الثلاث) ولا احد يحقق ويجيب؟

وقول (الرسول ص) قبل البعثة معروف حين قال لتجمع عرب قريش ناصحاً: (أيها العرب، مابلكم، لا لاتدركون، لا شيء يعلو فوق أخوة الحق والصدق والأمانة والوطن وبه يسود السلام وتستقر الناس، فأياكم ونقضها (أنظر النص بتصرف في اخبار مكة للازرقي ص378). وهنا تحذير من اختراق ثوابت الوطن الاساس، الذي اخترقته السلطة ومؤسسة الدين عندنا بعد 2003. واليوم لا يمكن عدها هي ومرجعيتها من المسلمين .

هذه هي فلسفة محمد (ص) مجسدة بالراي الحصيف) لا بالأعتداء على الأخرين كما تفعل داعش اليوم وبعض الحاكمين الظالمين المتشبثين به والمتناقضين مع مبادئه اليوم في التطبيق (الطائفية والمحاصصية البغيضة ومليشيات ايران من المجرمين التي اوجدوها وهم بها يحكمون).. تكررت الحالة على محمد (ص) بعد دعوته، فقد غزا الروم شبه جزيرة العرب فطالب محمد من العرب بالنصرة فتلكئت العرب، وازاء الموقف الصعب وحتى لا تفلت الامورمنه، وهو لازال حديث عهد بالرسالة، خيرهم بين الجهاد في سبيل الله واحتلال الوطن، ومع هذا تلكئوا، فقال كلمته المشهور:انتم وشأنكم والله هو الناصر والنصيرلدعوته مستنداً الى الآية الكريمة (لكم دينكم ولي دين).، فالأوطان عزيزة على اهلها لا تباع ولا تهادن فيها ولا تخان للأخرين . انظر السيرة النبوية في مغازي الواقدي؟ . ومن يخونها فقد كفر. يعني الخيانة. من هنا بدأ مفهوم الهوية الوطنية في الاسلام .

ولم تمضِ الا برهة من الزمن حتى جاء الرد سريعا من آلقرآن الكريم ليقول لرسوله الأمين: (عفا الله عنك لم َ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين التوبة 43)، اما العرب فكان اللوم عليهم اشد وأمر، يقول الحق: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه...ان الله لا يُضيعُ أجر المحسنين، التوبة 120. فالدعوة للجهاد لم تكن دينية عنصرية لقتل الاخرين، كما تصورها القاعدة وداعش ومليشيات الدين الباطلة المتشددة اليوم، بل هي دعوة وطنية ودينية وقانونية في وقت واحد لحفظ كرامة الوطن والمواطنين، ولم تكن كفائية او عينية، بل جهاد عام يشمل السلطة قبل المواطنين وهي ملزمة التنفيذ.

على مؤسسة الدين العراقية مراجعة فتواها قبل فوات الاوان...؟

من هنا جاء دستورالمدينة الذي كتبه الرسول (ص) بيده وبمساعدة اصحابه المخلصين (الذي غيبته السلطة ) والذي أكد على نظرية العقد الاجتماعي (ان المؤمنين الذين اشتركوا في تكوين امة الاسلام وحدة اعتقادية واحدة مستقلة بذاتها دون الناس وهي تشمل كل المجتمع لا كما تقوله مؤسسة الدين، الفقرة3 من الوثيقة).

اذن اين المذهبية بين المسلمين واين التفرقة بين المواطنين، فبلال مؤذنه حبشي، وصهيب مراسله رومي، وسلمان مستشاره فارسي؟ هذا الذي خسرناها اليوم.والذي يقوله علماء التحقيق: (ان الحق والحرية يُولدان في الانسان خيراً بطبعه، فلا تدع المجتمع والدنيا والطمع والتخلي عن القيم والمبادىء تفسده، لذا قامت نظرية الجهاد عنده (ص)على وجود تعاقد بين الانسان والمجتمع الذي ينتمي اليه من اجل صيانة حقوق الامة ويعيش فيه بالحق دون أعتداء، فأين لنا من الفرقين اليوم؟ وعلى الحاكم والمحكوم دون تفريق .

وبمقتضى هذا التعاقد الاجتماعي يتنازل الانسان عن جزء من حريته وحقوقه الطبيعية لهذا المجتمع ، مقابل تعهد المجتمع بصيانة هذه الحقوق وحماية الناس وفق نظرية العقد الأجتماعي .، والحق والعدل دون تمييز، لا ان تستغل الاحداث من اجل تدمير المجتمع ومكائد المتنفذين في سبيل تحقيق المصالح الخاصة (هذه مرفوضة في الاسلام) بالمطلق ولا تبرير لها ابداً، لذا ما يطبق عندنا اليوم من تعددية الجهاد الى عيني وكفائي يتعارض مع الشرعية الاسلامية بالمطلق، وليس من حق المرجعيات الدينية التي هي اصلا غير مرخصة في الأفتاء ان تفتي بتعددية الجهاد ال كفائي وفرض عين، وانما هو أمر منوط بقانون الدولة وليس بمؤسسة الدين التي واجبها اشرافي لا غير..

، وقد أيد القرآن فيما بعد بالآية الكريمة مقاتلةالاعداء في حالة الاعتداء فقط، ولم يُجوز الأتفاق معهم على الامة:( وقاتلوا الذين يقاتلونكم... ولا تعتدوا ... ان الله لا يحب المعتدين، البقرة 190). من هنا جاءت نظرية الدساتير والقوانين وحكم القضاء وأحترام الأوطان كسلطة مستقلة عن النظام العام وليست بيد الحاكم متحججا بالأمن ووحدة المواطنين والآية محكومة برد الاعتداء لا الاعتداء على الاخرين..وأنت تقرأ في الوثيقة وكأن الحياة السياسية المدنية المنظمة بدأت تلوح في الافق، ترافقها الحقوق والواجبات رغم ان محمدا(ص) لم يعمل دولة بل أمة متآخية واحدة (هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فأعبدون)، ولكن بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة أنتهى هذا التوجه في دولة الاسلام الجديدة برفع شعار (منا امير ومنكم امير). وبهذا الشعار عادت الحياة السياسية مرة اخرى الى الضياع والتخريب كما كانت على عهد الجاهليين .. والتي سنها اليوم اصحاب السلطة الخائبة في العراق الجديد.

، وظلت السلطة مشرأبة لها الاعناق لا تلوي على تحقيق، و,صدق ابو حيان التوحيدي حين قال: (ما سُلَ سيف في الاسلام مثلما سُلَ على الخلافة )، وهكذا كان ويكون.

والجهاد خارج نطاق الاعتداء يتضمن: عدم التجاسر على المال العام لصالح الحاكم او المسئول كما في دولة العراقيين اليوم وهو محرم بالنص الثابت، والجهاد عليه واجب شرعي لانتزاع الباطل منه.وهنا يساهم الجهاد في ضرب الفئوية القديمة المبنية على العادة والتقليد والاقاربية والعشائرية، ولا يجوز استغلال السلطة بتعين الاقارب والمقربين فيها كما هو اليوم في دولة المحاصصين في عراق المزيفين، فهذا جهاد الحاكم ضد المنحرفين، واعادة الاموال المسروق جهاد، كما فعله الامام علي (ع) مع اخيه عقيل عندما منع تعينه لعدم كفائته في السلطة، وطالب بأسترداد الاموال المنهوبة في خلافة عثمان (رض) من الامويين وغيرهم فقال: "ان الحق القديم لايبطله شيء والعقل مضطر لقبول الحق "، ووصية عمر بن الخطاب ({ض) بمنع ابنه من الترشح للخلافة من بعده . فعليهم ان يقرأوا السير ويتعلموا الدروس، وعلى كتابنا ان يقرأوا جيدا دون خلط الاوراق ليفهم المجتمع الى اين نسير اليوم من ترهات مخلفات فتوى الدين..وقد عدوه جهادا لكي لا يخترق القانون، انظر نهج البلاغة في خطب الامام ع).

وأما سبل الدفاع عن الوطن.فكان الجهاد هو البداية. فالجهاد واحد لا يتجزء الى كفائي وفرض عين كما ادعى الفقهاء ومؤسسات الدين اليوم فيما بعد ولا ذكر لتقسيمه في القرآن وليس لدينا نصُ بهذا التقسيم.. لكن بعد ظهور حركة الاجتهاد، التي جاءت باجتهادات فقهية غير ملزمة من اجل تمرير اجندات خارجية على الوطن حفاظاً على السلطة واولادهم ومن يتبعهم منذ عصر الامويين والعباسيين.جاءت التقسيمات وكأنها من عقول رجال الدين ليس الا....؟.

ان ما اورده الفقهاء من نصوص متضاربة في لغة التفسير جعلتنا نتخبط في معرفة اهداف ومرامي القرآن الكريم، خاصة في القرن الثالث الهجري وما بعده وظهور المذاهب الدينية الأجتهادية التي لاتستند على نص قرآني مبين التي ففسروا اصحابها الآية الكريمة على هواهم تفسيرا لغويا ترادفيا خاطئاً بعيداًعن التأويل .

نقول لجماعة المدعين بأنهم من اتباع أهل البيت - وأهل البيت براء منهم - نقول لهم رفض الامام الحسين (ع) الخلافة وانما جاء لكربلاء لمحاربة ظلم يزيد الاموي على الناس، ورفض الامام جعفر الصادق (ع) الخلافة من العباسيين محتجا بانهم جاؤا من اجل مراقبة العدالة بين الناس، ورفض الامام الكاظم (ع) التولية من هارون الرشيد بأعتباره باطل وظالم، ورفض الامام علي الرضا (ع)الخلافة من المآمون بأعتبارها مراوغة وهو صادق .وحتى انتهاء العترة الطاهرة في عهد الامام الحسن العسكري، فبقيت سيرهم العطرة (ع) خارطة طريق لاغيرفمن اين جاؤونا بنظرية المهدي المنتظر نظرية آفيون الشعوب، فلو هم يؤمنون بها لأنتظروا ظهوره قبل ان يتعاونوا مع الاجنبي لتخريب الوطن وحقوق الناس أجمعين؟ .

فأصبحت صلاتنا صلاتين وآذاننا آذانين وكل شيء انقسم في الاوقاف والارث والوصية وكل تفاصيل الحياة الأسلامية حتى أدخلوننا في متاهات لا اول لها ولا أخر، لكن الاشكالية الأكثر أهمية هي ظهور الانشقاق بين طبقات المجتمع والذي ادى الى فقدان وحدة المجتمع والعقد الاجتماعي بينهم خدمة للسلطة ومؤسسة الدين. وها هو الكربلائي وكل معتمدي الدين يهرجون على الناس بعد ان ملكوا الملايين من قوت الفقراء والمساكين؟

لذا فنحن نحتاج اليوم الى فقه جديد معاصر، وفهم معاصر للسنة النبوية، وعدم تركها بيد مؤسسات الدين التي تجهل التأويل، وتنحاز للسلطة باعتبارها قوة التنفيذ . لذا طالب اهل الرأي بفصل مؤسسة الدين عن مؤسسة السياسة والقانون، بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة والحقوق الانسانية بأعتبارهما حقوق كونية لا تخضع لمزاجية الرأي في التطبيق، وهذا الرأي لم يكن من بنات افكار المعرفيين، بل حكم آلهي بنص مكين، قول الحق:( لكم دينكم ولي دين) ويقول ايضا: (وقل الحق من ربكُم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا، ولم يقل للكافرين )، لوجود علاقة جدلية بين الكفر والآيمان.، الكهف 29). هذا التوجه جاء يتأسى بالتطبيق الرسولي ويعمل بعقله والعقل يعمل بفعاله، وهو مضطر لقبول الحق. والا سيبقى القرآن كتاباً يقرأ دون تطبيق...؟ .والى مقال جديد في المهدي المنتظر وفلاسفة الدين ...؟

ان الفكر العربي الاسلامي المعاصر يعاني من أزمة في دراسة النص القرآني بعواطف ، لا بعقل علمي رصين .، ويعاني من عدم التقيد بالمنهج العلمي الموضوعي، ويعاني من اصدار الاحكام المسبقة من قبل مرجعيات الدين دون تحكيم، ويعاني من عدم الاستفادة من الفلسفات الانسانية القديمة باعتبارها تحريم، ويعاني من عدم وجود نظرية اسلامية في المعرفة الانسانية مصاغة صياغة حديثة معاصرة من القرآن الكريم، بعد ان فرقته المذاهب وحولته الى فرق واحزاب .لذا فالأسلام اليوم يعاني من دقة التعريف، ولا احد يستطيع ان يقول لنا ماهو الاسلام؟ فأذا كانت كل هذه المعانات فكيف نصل الى اتفاق التحكيم والمصالحة والتوفيق ..؟ يبدو ان الامر شبه مستحيل ان بقينا نهرول خلف سراب مؤسسات التشدد في الدين.

ان الواجب يدعونا الى معرفة كل تراكمات المعرفة الانسانية لنتخطى القديم ونعبر بشعوبنا نحو الحداثة والمعاصرة ونحاور الأخرين، مثلما فعلت الشعوب الاخرى وتقدمت. ولكي ننجح لابد من حاكم يؤمن بما

يريده الاسلام والعلم الحديث بنظرة الحداثة والتطور والابتعاد عن الماضوية في التفسير، وبمنهج دراسي جديد يلغي القديم.

هذا غير متوفر اليوم عند حكامنا في العراق وعند كل المسلمين.....؟

نحن نستنكر ما حدث في الحادي عشر من ايلول على مؤسسة الابراج الامريكية في نيويورك من قبل المتشددين المجرمين، كما نستنكر ما فعلته داعش الاجرام مع المسلمين والاخرين في الموصل والانبار وصلاح الدين، ونستنكر احتلال الامريكيين للعراق دون سند مكين، ونستنكر تدخلات ايران في العراق

الجديد وبلاد العرب أجمعين...؟ هذه الاحداث التي احدثت ضجة كبرى في العالمين، ونستنكر ما تفعله آية جماعة في حرق وقتل المواطنين بعد التحرير، مما ادت الى احداث خطيرة ومتسرعة في الجانب الأخردون روية كرد فعل خاطىء كما حصل في افغانستان والعراق، وجرت كل هذه الويلات على الشعوب مجتمعة، ولا زالت الاحداث نعايشها بكل مرارة واسى ونستنكرها باعتبارها جريمة كبرى ضد الانسانية في الحالتين ..

فالجهاد من وجهة نظرالاسلام مشروع لغايات دفاعية وليست اعتدائية في وقت لم تكن المؤسسة العسكرية قد شكلت بعد في الدولة، فكان الجهاد ينفذ بأوامر فورية دون ان يعطونا مبررا لشن الهجوم على الاخرين كما حصل في الفتوحات الاسلامية دون شرعنة لها من الدين، لانها كانت -من وجهة نظرالتاريخ المحايد - لأمتصاص الخلافات الداخلية التي حصلت بعد ما سموه بالردة وما هي بردة بل احتجاج على عدم تطبيق الشورى والقانون في حرية الرأي والاختيار(من هنا حصل الافتراق) بين التقوى والمصلحة الذاتية.. هنا يختلف الامر بينهم وبين قانون الدفاع عن النفس كما هو معروف وشائع في المحاكم العلمانية عند الاوربيين والذي يسري عليه الخرق ايضاً اليوم دون قوانين حينما يقررون الاعتداء على الاوطان دون رضا شعوبها كما حصل فيما يعرف بالربيع العربي خطئاً. فمصداقية العدالة واحترام انسانية الانسان قد فقدت بين الاثنين معا دون تبريرسوى منطق قانون القوة والأطماع لا قوة القانون.

وقبل الأنتهاء من هذا الطرح نقول:

ماهو الجهاد لغة ً وأصطلاحا ً اذن؟

وماذا يعني؟ ولمَ شرع في الأسلام ...؟ وهل جاء في القرآن نص يعطي لكلمة الجهاد معنيين؟ تطوعي وألزامي، (كما سموه كفائي وفرض عين) وما الفرق بين الجهاد الكفائي وفرض العين (الألزامي) كما جاء عند الفقهاء...في التطبيق؟ ,أسئلة مشروعة بحاجة الى معرفتها بحيادية دون انحياز لكون ان الاسلام واحدا لا يتجزء في عقيدته.لا كما نرى المنهج الاسلامي اليوم يدرس الدين للاجيال بمدارسنا بمنهجين ومؤسسات الاوقاف بمؤسستين والصلاة بصلاتين والآذان بآذانين تحقيقا للفرقة والأستحواذ، وهنا كان موتنا...؟

                                                                        

الجهاد واصل التسمية:

الجهاد لفةً: مدرسة الحياة... وهو جهاد واحد لا اثنين من اجل الاصلاح والمحافظة على الحقوق والاوطان، ان ما تتبعه مرجعيات الدين ما هو الا واجهة للهيمنة والسيطرة وسلب سلطة القانون من الدولة.لذا

فهو باطل شرعا وقانونا، وهو من جاهد جهاداً، للوصول الى الغاية الانسانية المقصودة، وهو المساهمة في العمل النافع للفرد والمجتمع،

وأصطلاحاً هو: بذل الجهد والطاقة ورد العدوان عن الأوطان بأنواعه في حالة حدوثه، من هنا قسمه الفقهاء الى قسمين هما:

جهاد كفائي، وجهاد فرض عين، وهي تعريفات فقهية اجتهادية وضعية لا وجود لها في القرآن) جرت علينا الكثير من المتاعب ولازالت تستخدم لاغراض شخصية ...؟ فالاوطان لها مؤسساتها العسكرية وليست مؤسسات الجهاد، لقد انتهى هذا المفهوم في العصر الحديث، واذا لزم الامر فالنفير العام يطبق على كل الشعب دون الاخرين. لا ان يطبق على ابناء الفقراء ليموتوا(سبايكر مثالاً) ويعفى منه ابناء السلطة ورجال الدين كما هو اليوم.

 

   الجهاد الكفائي المنتهي زمنياً:

وهو اذا قام البعض به سقط عن الاخر، وهكذا اسقطوا عنهم التكليف. ويشمل: الجهاد في البحث العلمي بأنواعه (قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق، العنكبوت 20). من هذه الآية انبثقت الرحلات الأستكشافية الى مراكز الثقافة، كما في ياقوت الحموي، والمسعودي، وابن بطوطة وأبن خلدون وأخرين. والجهاد يشمل الحج (لا جدال في الحج) لكن من استطاع اليه سبيلا .، والصلاة على الجنازة لتقريب المحبة بين الناس. ورد السلام، واذا حيتم بتحية فحيوا بأحسن منها او ردوها، والشهادة التي تتمثل فيها عدالة انسانية الانسان، لان القسم يحكمها كما في قول الحق: وآفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الآيمان بعد توكيدها. ... وأجتنبوا قول الزور، يقول الحق: (أجتنبوا الرجس من الآوثان وأجتنبوا قول الزورِ. آية الحج 30.). وكلها جاءت بأوامر ربانية محكمة. هذا الجهاد الكفائي من وجهة نظر العلم ليس بمعتى الاقتتال او النفير العام، بل واجبات دينية أخلاقية مفروضة لمن يلتزم بها دون أكراه.

والجهاد الكفائي يشمل ايضا:

- مجاهدة النفس الأنسانية اذا انحرفت عن خط الاستقامة. كما في قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنُا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين-العنكبوت:69).

هو كلمة الحق التي تقال بوجه السلطان الظالم الجائروعدم السكوت على ظلمه وتجبره على الناس وأحتكاره السلطة بالقوة خوفا على المصالح الشخصية، لا ان تبقى مؤسسة الدين عندنا في دائرة النصيحة، بغرض التعاون لتقويم النظام العام وارساء اسس العدالة والقول في المجتمع بما يراه المجاهد مصلحة ونفعاً للناس، بدلالة الحديث الشريف: (الجهاد هو كلمة حق تقال عند سلطان جائر، أنظر سنن الترمذي ج8ص345) . وتبريره، فاذا سكت اهل الحق عن حقهم اعتقد اصحاب الباطل انهم على حق، انظر نهج البلاغة في خطب الامام ع)..

الحياد في قول الحق:لأن الناس سواسية لا فرق بينهم في الحق، لان الحق في النص جاء مطلقاً. ويشمل ايضا مراقبة القاضي عند الحكم (اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ولو كان ذا قربى)؟فالقاضي يجب ان لا يستميله أغراء؟ اذا فسد القضاء فسدت الامة، انظر رسالة القضاء دائرة المعارف الاسلامية.

ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الكفائي، أي الجهاد ضد احلال الفتنة بين الناس كما تفعل الجماعات المتطرفة واصحاب النميمة الذين لا خلاق لهم ولا يؤمنون بانسانية الانسان (الفتنة أشدُ من القتل)

و كما في الآية الكريمة: (ولا تطع كل حلافٍ مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتدٍ أثيم، القلم 1-12. فهل جاء الاسلام ليحيا بالناس، أم ليحيا الناس بالاسلام؟ فالنص واحد لا يتجزأ .

الجهاد الكفائي، هو مجاهدة العبد لهواه، لذا يَعتبر التشريع الاسلامي ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد في الرد على ايذاء الخلق وظلمهم من الجهاد، قال رسول الله(ص): (افضل الجهاد من اصبح لا يهُم

بظلم احدٍ، أنظر موسوعة الجهاد والشهادة)، اي لا يقبل الاعتداء على احد، لان آية الاعتداء في الاسلام حدية (ان الله لا يحب المعتدين)، اي محددة المعنى والوضوح لاتقبل التأويل المختلف. لذا فالجهاد الكفائي لا علاقة له بالقتال بالمطلق.

فأعلان الجهاد الكفائي لا اصل له في الدين؟

 

الحالة الثانية: هو جهاد فرض عين أي الجهاد الألزامي:

مصطلح شرعي يقر في حالة الاعتداء على الوطن، (وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. هذا الجهاد لا يُسقط عن احد في حالة العمل به.لذا استبعده الفقهاء من وعاظ السلاطين، لتخليص رجال السلطة واولادهم من تبعيته وألتزاماته...؟ والاعتداء اليوم ترده المؤسسة العسكرية المدربة لا عامة الناس الا في حالات الضرورة القصوى. فالشعب ليس مسؤلا عمن خرب المؤسسة العسكرية واهدر المال العام، بل مجل الامة هو المسئول في محاسبة المقصرين. وهذا هو الاخر انتهى بفضل الدساتير والمؤسسات العسكرية التي عليها حماية الدوللة والمواطنين .

ان الاقدام على حل الجيش العراقي واهدار ملكية الدولة محرم شرعا وقانونا وعقابه على الفاعلين.

 

وختاما نقول:من الاستنتاجات العامة نحن بحاجة الى:

منهج جديد في مدارسنا ليتعلم فيه الطالب معنى الجهاد والوطنية، لا مناهج مؤسسة الدين،

بحاجة الى تطبيق نظرية العقد الاجتماعي لتقضي على التفرقة الطائفية المقيتة التي خلقتها أحزاب الدين، والقرآن لا يعترف برجال الدين، ولا يخولهم حق الفتوى نيابة عن الناس، ولا يمنحهم صفة التقديس، " انظر الاية 174 من سورة البقرة "، ولا يميزهم بلباس معين كما فعل كتاب العهد القديم. ....؟ .

تطبيق مبادىء الوصاياالعشر التي وردت في سورة الانعام 151-153. وخاصة فيما يخص الايفاء بالعهد واليمين .

تطبيق البينة على من ادعى في الحديث أيات الدليل المادي القابل للابصار,اي الاستناد الى النص القرآني في

الفرق بين التلاوة والترتيل.

الفرق بين الايات الحدية والحدودية .

القوانين التي تفرق بين الحلال والحرام الانساني . قواعد السلوك وحقيقة الوجود اي بين الذاتي والموضوعي .اي عدم الخضوع للاكثرية الا بالدليل، انظرية هكذا اجمع العلماءورجال السلف الخاطئة، ولا ندري من هم؟

التخلص من التفريق في الارث والوصية. بتطبيق الافضل لنقضي على ظاهرة ظلم المرأة في الأرث.

حتى نلحق بالامم المتقدمة نقول وبأصرارمن أجل حقوق المواطنين، ان نفصل مؤسسة السياسة عن مؤسسة الدين ...لا الدين كما عملت الشعوب الاخرى؟ ولا نبقي الفاسدين يتمتعون بحقوق الاخرين .

والا سنبقى نهرول في اخر الصف ولا نلحق بالمتقدمين...؟

نقول لمن يحكمون في دولة العراق الخاوية على عروشها اليوم والتي تحكمها الفئة الباغية: بعهد الله اوفوا ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها .

والا سوف لن تحصدون الا الريح وخراب السنين. بعد ان سرق المال العام وقتل الناس على الباطل واستغل الوطن من غير ابنائه دون قوانين، وتحكمت الامعات في ادارة الدولة والبرلمان واستبعد كل المخلصين.نتمنى ان يعي المسئول قيمة الدولة والمواطن والقانون.

 

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم