صحيفة المثقف

ديمقراطيتنا الواهنة من بين أسوأ معانات شعبنا!!

لقد تم استغلال الديمقراطية من اجل مصالح شخصية وسياسية وفؤوية أضرت بالنظام اضرارا شديدا. فرئيس الجمهورية السابق مثلا، كان يرفض التوقيع على اعدام الارهابيين الذين تمت محاكمتهم وادينوا وفق المادة 4 ارهاب. كما وان رئيس الجمهورية الحالي، لا يمارس واجباته أيضا كمسؤل في التوقيع على الاعدامات، إلا من بعد ضغوط كبيرة ضد موقفه ذاك من قبل الاعلام العراقي. كما وأن ما يحدث في العراق أليوم، أشياءا فضيعة تبعث على الاسى والغضب، حيث يرى العراقي المغترب ان وطنه العريق لا يزال ومنذ 2003، نهبا لارادات من وراء الحدود تحتل ارضه وتمعن في تمزيق شعبه طائفيا وعرقيا، وتهين سيادته وتهدم قيمه واركانه بلا رحمة، بينما في الداخل، وباسم الديمقراطية والانفتاح الاجتماعي الجديد وبحجة انتشال العراقيين من جورهم الأبدي، لا تزال الكتل العميلة والفاسدة تهيمن على مقادير الوطن من خلال دعمها وتشجيعها الارهاب ونشر الفسادِ والتمهيد لانتهاك السيادة ونهب ولصوصية ما أنزل الله الله بها من سلطان، بينما في المقابل، تمعن الحكومة في صمتها امام هذه التحديات التي لا تزال تشكل أعظم خطرا على الوجود العراقي كله، بينما لا من وطني غيور يفعل شيئا للتصدي لهذا العبث المجنون، فما العمل؟؟!!.

لقد سأمنا شعارات المتاجرون بالدم العراقي، وأصابنا الصمم من الصراخ من اجل الوطنية والوطنيات، وبدأ ينتابنا الشك حتى بالثقة التي يتعاطاها العراقي من اجل الوطنية، حتى وان كان صادقا . "فديمقراطية" النظام القائم لا تمت بصلة لحياة وروح الديمقراطية الحقيقية التي تعيشها شعوب العالم المتمدن . والوطنية، اصبحت مفهوما عابرا، لا يحتاج سوى الادعاء بحب الوطن والاخلاص من اجله والتباكي من اجل وحدة الشعب، كما وأن الديمقراطية هي مجرد شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، فالنظام القائم وديمقراطيته، تعاسة لشعبنا وازدراءا له وضحكا على الذقون . فالنظام مجرد "هيكلا" يقف على إسس ترابية تعصف باركانه تدخلات مباشرة لانظمة السعودية وتركيا وقطر، وتكاد تطيح به كل يوم. فحتى ان ما يعتقده البعض من جوانب هذه "الديمقراطية" القائمة، من خلال فسحة الحرية في الانتخابات البرلمانية وممارسات الصحافة الوطنية وأقلام الكتاب الاحرار ومواقفهم الوطنية من اجل اعلان الحقائق امام شعبنا وترسيخ العدالة الضائعة، تبقى حياة هؤلاء الاحرار هي ألاثمان الغالية يدفعونها لذلك التفاني الوطني في الدفاع عن العراق والمهنية والكرامة الوطنية . فكم وجدناهم يعيشون تحت تهديدات كتل سياسية فاسده لا تبالي باغتيالهم، أو في احسن الاحوال، تسارع في تقديم الشكاوى ضد كل من يحاول تعرية فسادهم وخياناتهم !!

نحن لا نطالب بديمقراطية يمكن مقارنتها بالديمقراطية في الولايات المتحدة، ولكن باعتقادنا ان هذه الديمقراطية التي جيئ بها منذ ثلاثة عشرة سنة، لم تستطيع ان تفرض أي تغير على وعي المجتمع كما يفترض، كما ولم تاتي بأي شيئ جديد على الاطلاق من اجل اعلاء ثقافة وكرامة الانسان العراقي . بل الديمقراطية هذه، كانت ولا تزال "لافتة عريضة" تستخدم من اجل تدمير المجتمع من خلال ممارسات سلبية للمجتمع العراقي، من قبل كتلا سياسية خائنة للمباديئ الوطنية، تستغلها لمصالحهم الشخصية ليطعنوا بها الشعب من الخلف. فهذه السنوات الطويلة من الصراعات على المصالح الشخصية والفؤية، هدرت كرامة الانسان العراقي بشكل اكبر فضاعة من حكم المقبور، وزادت العراق فقرا وشرورا أعظم، في حين، أن ديمقراطيات أنظمة العالم، تمثل أعمق القيم والمعانى الانسانية لتوفير الحريات السياسية .

ويحضرني هنا مثلا بسيطا عن الممارسات الديمقراطية من اجل حقوق الاخرين في الولايات المتحدة حينما يتم التجاوز على الحقوق المدنية للاخرين . وما اورده هنا ليس من اجل "الدعاية"، لكنه، الفخر الانساني في الممارسات الصحيحة حينما تسنح فرصا للتعلم منها كعبرة عن طبيعة الحياة التي يجب ان تكون عليه الديمقراطية في العالم المتمدن . فبعد بضعة أشهر من وصولي الى الولايات المتحدة للدراسة، وفي إحدى المرات التي كنت اشاهد أخبار الصباح على شاشة التلفزيون، اذاع مقدم الاخبار خبرا عن استقالة وزير العمل الامريكي انذاك من منصبه نتيجة لاحدى الطرائف التي اطلقها في احدى المقابلات وكلفت الوزير منصبه، فكان على الوزير الاستقالة، مع انه أعتذر وأكد على عدم توفر القصد للاهانة أو التكلم بفظاظة عن رجل معاق وأخر أسود البشرة يعملون كموظفين في وزارته . ولكن مستوى تلك الاهانة بالنسبة للمجتمع، كانت أكبر بكثير من القدرة على تحملها.

فاثناء المقابلة مع وزير العمل، سأله مقدم البرنامج عن بعض الامور التي تخص عمل الوزارة والتي يبدوا انها لم تكن بالمستوى المتوقع من الخدمة المطلوبة أو شيئا من هذا القبيل، فأجابه الوزير قائلا، وكان يقصد باجابته نوعا من دعابة لتلطيف الاجواء :

- "وكيف تتوقع ان يكون انجاز الوزارة في المستوى المطلوب، وكل ما لدي من موظفين اعتمد عليهم، رجل أسود واخر مصابا بالعوق؟" . ولكن، الصحافة أنذاك قامت على الوزير ولم تقعد، على الرغم من أن الرجل قام بالاعتذار عما تفوه به، موضحا إنه لم يقصد أن يبدو فظا او لاحتقار موظف معاق وأخر من اصول أفريقية يعملون في وزارته، لكنه اعتبرها دعابة فقط، ومع ذلك لم يكن اعتذاره مقبولا من قبل المجتمع، واضطر للاستقالة.

في تلك اللحظات تذكرت ما كان يجري في العراق من طغيان صدام واستهتاره مع عائلته ضد المجتمع العراقي، وتسائلت مع نفسي" ماذا لو كان صدام حسين قد رأى تلك المقابلة؟ هل كان قد أدرك مقدار لا انسانيته وظلمه للشعب العراقي، وما الذي كان يجري في أماكن أخرى من العالم من حشمة واحترام للانسان وحقوقه المدنية؟ ولكن طاغية وضيع كصدام حسين، الذي كان يعتقد أنه يمتلك العراق، شعبا وأرضا وهواء، هل سيكون له عبرة في ذلك؟!

,فالمشكلة القائمة في "ديمقراطية" العراق خلال هذه السنوات الطويلة، هي أنه حتى مسؤولي الكتل الذين ننظر اليهم باحترام، نجدهم يدافعون عن هذه الديمقراطية، بينما هم في دفاعهم يناقضون الواقع . فالدفاع عن ديمقراطية كهذه يتم اسغلالها من قبل المستفيدين من شعاراتها، وأثبتت فشل تطبيقات أهدافها ومضامينها، ولم يعد فيها أملا يرتجى في استمرارها، فهي بلوى ونقيضا مع حياة العراقيين . فالديمقراطية كنظام يقوم من اجل العدالة والحريات السياسية وتأهيل المجتمع واعادة بناء انسانه بالدرجة الاولى، نجدها قد أساءت الى المجتمع العراقي اساءات بليغة. فحتى بعض السادة الوطنيين من مسؤولي الحكومة، يغالطون الواقع في امتداح هذه الديمقراطية التعسة. إذ أن علاقات النظام الديمقراطي الجديد هذا لم نرى تأثيرها على طبيعة العلاقات الجديدة على المستوى الاقليمي كما يذكر البعض.

فهل مثلا، في علاقة العراق مع السعودية وسفيرها الحاقد وعديم الاخلاق أي برهان سياسي على "الظلال الوارفة" التي قد صرح بها بعض المسؤلين في العلاقة مع العراق؟ وهل من نظام اكثر وضاعة من السعودية في تدخلاتها ومؤامراتها على شعبنا ؟ أو هل أن علاقة العراق مع ما يسمى "بالجامعة العربية"، التي أخرسها تخاذلها المهين من اجل مصالحها الشخصية وكيلها بمكيالين، وعدم شعورها بالمسؤلية التضامنية مع العراق، بينما العراق احد مؤسسي هذه الجامعة، في صمتها الجبان على الاحتلال التركي لاراضي الموصل، هل في ذلك "ظلالا وارفة" في العلاقة؟ ام هل من خلال علاقة العراق مع دول الخليج (ما عدا الكويت)، حيث فقدت هذه الدول الخسيسة كل علاقة لشرف الاخوة العربية – الاسلامية نتيجة لتدخلاتها في الشؤون العراقية وما خلقته هذه الانظمة من معانات لشعبنا على أيديهم؟  

الحكم الديمقراطي في بلدان العالم التي جعلت من انفتاحه حياة مثالية للاحتفاء بحرية الانسان وتكريم وجوده وبناء عالما من العدالة وتحقيق فرص الحياة من اجل الجميع، اصبح ومنذ زمن طويل من بين اعظم قرارات ارادة الانسان من اجل حياة الاجيال المتعاقبة . وعلى عكس النظام الديمقراطي في العراق، الذي اصبح وسيلة للامعان في هدم الامور الحياتية رأسا على عقب . حيث افتقر هذا النظام لإسس نجاحه من قبل من لهم اليد الطولى في التأثير على احداث سير المجتمع بعد أن خانوا ألامانة الوطنية ووضع ألألغام في الدستور. فالنظام الديمقراطي هذا تم استغلاله بشكل انتقامي من شعبنا، حتى يخيل لنا، نحن الذين نعيش خارج الوطن، وكأن نسبة كبرى من العراقيين هم ليسوا بعراقيين، انما هم موجات تم تدريبها وجيئ بها لتزوير الحياة وهدم الوطن، وإلا لماذا لا نجد اليوم من ولاءات للعراق، وطننا الغالي هذا؟ وماذا حصل للضمائر الحية التي كنا نعرف كيف كانت تنتخي للوطن عند كل الملمات؟ ولماذا يترك المفسدون والخونة على اهوائهم، بينما لا يحتاج التغيير المطلوب سوى تأزر هؤلاء الخيرين، ودك الاوضاع من خلال قرارات جريئة ضد طغم الفساد، التي كلفت العراقيين أغلى الاثمان.

الديمقراطية نظام جيئ به من اجل ان يحصل ما يحصل الان. وهذه الديمقراطية استغلتها كتل سياسية معروفة من شيعة وسنة أبشع استغلال لتهديم أركان الوطن العراقي والسماح لتدخلات خارجية قضت على الانسجام والتألف بين العراقيين وأحالة الوداد فيما بينهم الى عداوات وضغائن وصلت الى أقسى انتقام ممكن ضد الاخر. وكرجل أؤمن بالديمقراطية، اشعر بالغضب ان لا أجد من الكتل السياسية الخيرة من يعمل عملا وطنيا كبيرا من اجل شعبنا، على الرغم من الفساد والاستهتار والقتل والنهب، وباسم الديمقراطية نفسها.

ما نطالب به أما ديمقراطية تعمل على تحسين وعي الانسان العراقي وتقترن بتوحيد الوطن وشعبنا، واما إلغاء هذه الديمقراطية، واراحة الناس من جورها وجور المستفيدين منها.

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم