صحيفة المثقف

أمريكا رحلت ولم ترحل !!

ali jabaralfatlawiرحلت أمريكا من العراق بجيوشها الجرارة ودباباتها، لكنها لم ترحل بآثارها ونفوذها، رحلت لكنها تركت فيروسات مرضية وليس فيروسا واحدا، ومن أخطر الفيروسات الامريكية المزروعة في جسد العملية السياسية فيروس المحاصصة.

أنتجت المحاصصة سلبيات كثيرة، منها أن الحكومة في العراق ليس حكومة واحدة بل حكومات في داخل الحكومة، وأن بعض هذه الحكومات داخل جسد الحكومة المركزية، تدار من قبل أحزاب وكتل، وقد يكون بعض هذه الاحزاب خاضع في النفوذ لإحدى دول الشر في المنطقة، ودول الشر هذه تابعة للشر الاكبر أمريكا.

حسب مبدأ المحاصصة عندما يتسلم الحزب أي حزب وزارة من الوزارات تصبح تلك الوزارة ملكا له، يسيّرها حسب الاتجاه الذي يتوافق مع مصلحة الحزب، وليس مع مصلحة الشعب العراقي، يستحوذ عليها ويطمح أن يكسب شيئا من هذه الوزارة، فالعملية السياسية القائمة على المحاصصة تحولت إلى تجارة، ربح وخسارة أيهما يكسب أكثر فهو الفائز، منافسة غير مشروعة ضحيتها مصالح الشعب العراقي، في حين يُفترض أن تكون الوزارات والدوائر حاملة للهوية العراقية، تخدم جميع العراقيين من دون فرق بين عراقي وآخر، لكن للأسف بموجب نظام المحاصصة السيء السمعة، نرى بعض وزاراتنا لا تخدم جميع المواطنين العراقيين بكل ألوانهم وانتماءاتهم في درجة واحدة، بل تفرق بين هذا وذاك، وإن قدمت خدمة فهي شكلية روتينية في الامور الجزئية أو الهامشية، والمؤلم أن هذا الوزير مهما يرتكب من مخالفات لا يستطيع المسؤول عنه التأثير عليه، لأنه استلم المنصب بعنوان المحاصصة، فلا أحد يستطيع تغييره أو محاسبته غير حزبه وكتلته.

وأنا أكتب المقال سرد لي أحد الاخوة واقعة حقيقية، قال: رفض موظفو أحدى الدوائر مديرها لفساده، لكن لا أحد يستطيع محاسبته لأنه في حماية إحدى الجهات السياسية، فقام الموظفون بتظاهرة وطردوه من الدائرة وطالبوا بتعيين البديل له، اختاروا أحدهم وكان مقبولا من جميع زملائه تقريبا، لكن أحد المسؤولين السياسيين التابع لها المدير السابق، رفض البديل رغم أنه مستقل وكفوء ونزيه، وقال: (هذه الدائرة حصتنا ويجب أن يكون المدير الجديد نحن من نرشحه)، رفضت هذه الكتلة ترشح البديل، لكنها وافقت بعد أن انتمى المدير البديل الى الكتلة السياسية المعترضة، مهزلة ما بعدها مهزلة، وكأننا في سوق تجارية بيع وشراء، والضحية الشعب العراقي.

المستفيد الأكبر من خدمات وامتيازات الوزارة أي وزارة، هو الحزب الذي يتبع له الوزير، فالتعيينات والدورات والمنافع ملك الحزب أو الجهة التي يتبع لها هذا الوزير، ليس هذا فقط بل يقوم البعض بممارسة الفساد المالي والاداري من خلال الموقع الذي احتله فلان في الوزارة أو الدائرة كذا، وهذه الحالة ليست على مستوى الحكومة المركزية فقط، بل على مستوى الحكومات المحلية في المحافظات أيضا، لقد انتجت المحاصصة التي زرعتها أمريكا الدمار والفوضى للعراق، واتخذت أمريكا من المحاصصة بابا لبسط نفوذها، بشكل مباشرأو غير مباشر من خلال نافذة السياسيين التابعين للمحور السعودي أو القطري التركي، وكلا الاتجاهين موظفان لخدمة المصالح الامريكية والصهيونية.

من نتائج سرطان المحاصصة، الارهاب والفساد بشكليه المالي والاداري وتسلق غير الكفوء في المناصب الحساسة والمهمة، والتخلف في إداء الخدمات، وتضييع المال العام، وبيع المصلحة العامة من أجل المصلحة الشخصية أو الحزبية، وأكبر من هذا كله والأكثر خطورة تولي أعداء العملية السياسية المسؤوليات داخل مؤسسات الدولة تحت عباءة المحاصصة، وهناك سلبيات أخرى أيضا، كل هذه النتائج السيئة سببها نظام المحاصصة المشؤوم الذي زرعته أمريكا في العراق، وبقيت تمارس نفوذها من خلاله، فمتى يا ترى يتخلص العراق من جرثومة المحاصصة الامريكية، كي يتخلص بشكل نهائي من النفوذ الامريكي؟

الحكومة المركزية جسد بلا روح هكذا تبدو، وبعض الوزارات داخل الحكومة تعمل بما يشتهي ويريد الحزب الذي يديرهذه الوزارة، عليه كل من يدعي الاصلاح وهو ثمرة من ثمرات المحاصصة، فهوعاجزعن الاصلاح حتى لو امتلك الارادة لذلك، ولا ننفي وجود المسؤول الوطني الذي قد يكون تابعا لهذا الحزب أو تلك الجهة وهو عازم على الاصلاح، لكنه مكتوف اليدين لا يستطيع أن يفعل شيئا، بسبب المحاصصة التي انتجت مافيات كبيرة في الارهاب والفساد، لا يستطيع أي سياسي يمتلك حسا وطنيا أن يغيّر شيئا لصالح الشعب العراقي المظلوم بوجود مرض المحاصصة، وهذا هو المطلوب عند أمريكا، فهي تمارس نفوذها من خلال هذه المافيات المدعومة من أعداء العراق وأعداء العملية السياسية، هذه النتائج حطمت الطموح والآمال، وهو هدف لامريكا والصهيونية، وباقي محور الشر من الحكومات كالسعودية وتركيا وقطر.

بعد هذه المعطيات، هل نستطيع القول أن من يحكمنا حكومة مركزية تستطيع أن تحقق النتائج المطلوبة للشعب العراقي، حتى لو كان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي عازما على ذلك؟

لا أرى وجود حكومة واحدة بل حكومات داخل هيكل الحكومة المركزية، والاحزاب والجهات بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها هي حكومات تعمل باتجاه مصالح أحزابها والجهات التابعة لها، وهذا هو ما يشعر به المواطن العراقي البسيط، أصبحنا نعيش في ظل حكومات وليست حكومة واحدة وهذا مصداق للآية الكريمة :

(كل حزب بما لديهم فرحون) المؤمنون: 53

والسؤال الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن، كيف السبيل؟ وما هو الحل؟

الجواب متروك للشعب العراقي فهو صاحب القرار.

ماذا نقول لامرأة فقدت اثنين من أولادها بسبب الارهاب، إذ أتت إلى مكتب أحد الاحزاب وهي تريد حقوق ولديها الموظفين في إحدى الوزارات، وهذه الوزارة تابعة لحزب آخر، ماذا كان الجواب؟

علما أن الجواب هو واقع حال، هذه الوزارة تابعة للوزير (.......) وهو تابع للحزب ( ........)، فعليك مراجعة ( فلان ) لأنه تابع لحزب الوزير.

يا شعبي المظلوم تخلص من المحاصصة التي زرعتها أمريكا، تحصل على حقوقك، وتحقق الكثير من مطالبك، لسنا بحاجة إلى وزراء أحزاب، بل إلى وزراء كفاءة ونزاهة وتكنوقراط ، ينتمون للعراق ويعملون بعراقيتهم لا بحزبيتهم أو قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم، ولا يتلقون تعليماتهم من جهات خارجية، فيتخذون مواقف غير وطنية مدفوعة الثمن مسبقا.

 

علي جابر الفتلاوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم