صحيفة المثقف

التأمل في مخيال اليقظة.. قصيدة اللانهائية للشاعر التشيلي روبرتو بولانو

adnan aboandolisمن خلال التركيز على عنوان القصيدة غير المحسوس، كعنوان يشي إلى غير مفهوم لايمكن إستذواقهُ، لكونه مجرد حالة تلاشي من مثابة إنطلق منها،هذا التمرد في مواكبة الشاعر لواقعيته الخشنة،كونهُ عاش متشرداً لا يثبت في مكان ولا يحدهُ زمان – تلاشي في آفاق بعيدة جعلتهُ يتأمل ذلك عن بعد، تنقل مابين دولٍ عدة وإرتحل إلى أصقاع بعيدة فكانت هذه إفرازات لضياع وعدمية، ساح منذ نشاتهِ وما تلى شبابه –الطرقات التي قد أوصلته إلى حالة هذيان غير مجدّي، فبانت نصوصه ذات النهايات الحادة ومنها – هذا النص – المتسربل بالغموض والتماهي والمجافاة. تمرده على واقع ٍ كان أليماً لهُ – ضوابط – منقصات تحيل بينه وحلمه، أنشأ حركة شعرية في جلساته البوهيمية في مقاهي العبث سميت بـ حركة ما دون الواقعية،إضطرتهُ ظروف الحياة إلى أن يزاول أعمالاً أدنى من المعيار الإعتباري للشخصية كـ غسل الصحون – نادل في ملهى – خادم في فندق – حمّال – جامع قُمامات الشوارع،لكنه إستمر بكتابة الشعر بشكل متقطع طيلة عقد الثمانينات،إلا إنه تحول في ما بعد إلى الكتابة السردية كـ روائي شهير:

حلمتُ أن الأرض قد إنتهى امرها

وإن البشري الوحيد

الذي بقي ليتأمل النهاية

كان فرانز كافكا في السماء

إن حُلم اليقظة قد داهمهُ نتيجة شطحة من تمردهِ الخارق، التحول الزمني طرأ نتيجة التعمق في التخيل، الإحساس الذي إنتابهُ اللحظة – أي وجودهِ الكوني على الأرض،التحسس بإختلاف تنوعاتها – أي الأرض – فتخيلها – هي السماء – النازلة – فكيف يكون كافكا هناك، هذه مناورة بين الوعي –إدراك، ولاوعي ربما تخيل –لا إرادي –فتناوب الأدوار معاً،فالشئ الوحيد الذي ركزت عليهِ ذاكرتهُ حينها – هي الأرض وما عليها،فالحلم المجسد في الوعي أخال إليه ذلك،إنتهاء – رهبة – قيامتها – الأرض – وقذف ماعليها من ثقل،فربما الناجي الوحيد وحسب تأولات نصه كان – كافكا – الذي تأمل لوحده هناك بعد إنجلاء ماحدث بنهاية تصويرية تشبه إلى حدّما – تمثيل درامي مفبرك :

كان العمالقة يتقاتلون

بلا هوادة

ومن كرسي حديدي في السنترال بارك

كان كافكا يشاهد

العالم يحترق

النص مربك لنهاية حتمية في المخيال لكنه وظفها بإسطورة عن – غزو العمالقة – لهذه الأرض،فالحياة داكنة منذ المستهل .العالم شهد انذاك وكما يقال بهجوم عدوٍ جديد لم تألفهُ البشرية من ذي قبل،فاق بوحشيته كل التخيلات فتوظيف النص مأخوذ من تلك الواقعة الفجة كـ رواية من الخيال العلمي، والتي كادت إلى إنقراض البشرية،فالرؤية تنص : أن الناس أنذاك قد واجهوا هذا المارد البشع بكل صبر وأناءة،لكنه حطم كل الحواجز والسواتر أمامه، ونكل بالمدينة وغير نمط معيشتها لصالحه، هذه التخيلات تراود الشاعر نتيجة ضائقة قد المت بهِ ساعتها،فتراه تململ من الحياة ورتابتها وقساوتها وعدم جدية الصراع من أجل بقاء الجمال فيها،فالعيش بها يراه حق مسلوب،هذا التخيل النهائي للأرض التي رأى فيها وما بقي من بشرها سوى – كافكا – الذي تأملها من كرسي حديدي مستقر في حديقة – السنترال بارك –الضاجة بملايين اليساح - قلب المدينة – في مانهاتن – نيويورك – وحده يستحق التأمل النهائي دون اللانهائي في حادثة قد تتكرر فيما بعد .

 

عدنان أبو أندلس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم