صحيفة المثقف

الشاعرة سمر نادر تراقص خوابي نبيذ معتق

wejdan abdulazizلازالت الاوراق تتأبطني، او قد اتأبطها لا ادري وعذرا لصباحات الحبيبة التي تتمنى ان تتأبط ذراعي .. كانت الاوراق تبث ابتسامات الجمال، كما هي حبيبتي .. حبيبتي مهرة صعبة المراس، ناعمة الملمس، تطاول الحياة بحبها للندى وازهار الصباح .. وكذلك كلمات الشعر التي تطوف مساحة البياض في الاوراق .. تبث اشارات مستمرة، محلقة، بالضبط انها حبيبتي ... وبهذا استعير قول أ.د/عبدالله بن أحمد الفَـيْـفي: (على أن الفنّ كما يقول (هيجل) يُمكنه أن يُحدِث الشرَّ والخيرَ. ذلك لأن «الإنسان غنيٌّ بالخير والشرّ، بالأشياء السامية والدنيئة على حدٍّ سواء؛ ولهذا يَقدر الفنّ على أن ينفخ فينا الحماسة والحميَّة للجَمال والسموّ قدرتَه على الانحطاط بنا وإثارة أعصابنا بتهييجه الجانب الحسّي والشهواني منّا. ليس ثمَّة من فارقٍ، إذن، من هذا المنظور، بين مضامين الفنّ. فالفنّ يَقدر على أن يسمو بنا قدرتَه على أن يحطّنا إلى أنانيّين أدنياء، وعلى أن يشدّنا إلى العالَم الحسِّي قدرتَه على جذبنا إلى الدوائر السامية من الروحيّة.» وبذا فإن بوسع الفنّ أن يُغذِّي غرائزنا البدائيَّة المتوحِّشة؛ فيُعيدنا إلى تجارب الأسلاف الحمراء. وما يميِّز المتحضِّر عن البدائي هو ضبط الغرائز والأهواء، وتنظيمها تنظيمًا إيجابيًّا. وأَنَّى رأيتَ امرأً يَرزَح تحت نِير الهوى، اعلمْ أنه ما زال ضحيَّة شخصيَّته الحيوانيَّة البدائيَّة، التي لم تتهذَّب. وما كانت وظيفة الأديان والنُّظُم الحضاريَّة إلَّا معالجة هذا الجانب في شخصيَّة الإنسان. ولقد نشأتْ معظم الفنون، لذلك، على صِلَةٍ، بشكلٍ أو بآخر، بالدِّين في التجربة البشريَّة. وتأتي خطورة الفنّ- حين يستحضر تلك الأهواء استحضارًا سلبيًّا- بأن يقف عند الشِّقّ الأوَّل من معالجة الفنّ للنفس البشَريّة؛ فيكون كالطبيب الجرّاح الذي فتح القلب المريض، وتركه كذلك ينزف وانصرف. أي حين يُريك شخصيتك على بدائيّتها- بحسب نظريّة (التطهير) لدى أرسطو (Catharsis)- لكنه يقف عند ذلك. ولا نعني بأن عليه أن لا يقف عند ذلك أن عليه أن يحوّل عمله إلى وَعظ. بيد أن أبلغ عبقريّات الفنّ إنما تكمن في المهارة في حلّ هذه المعادلة: (عرض المسكوت عنه، وعدم السكوت عنه). وهكذا وجدت هذا الصراع في شعرنا العربي الحديث، سواء كان طفوليا طري العود، او ناضجا بتجربة ومراس عبر سنين من الكتابة، وجدت فيه الارتقاء نحو معارج السمو بالبحث في ثنايا الواقع بكل حصاراته وافرازاته السلبية، ليمثل الشاعر بخلجاته الانسانية التي تبحث عن الجمال والطمأنينة ومن ثم تحريك المسكوت عنه وعرضه في اسلوب مغري للقراءة والتمعن .. ومن هنا وجدت هذه الخلجات الغير قارة، كالمهرة صعبة المراس، تحتاج للكثير من الدربة والمران .. عند شاعرتنا سمر نادر في قولها:

(همجيّ في عشقك... حارق في غيرتك... إزرعني في رحم ارضك حبة حنطة.. وأرويني بماء عينيك... واحصدني امرأةً من دهشة... معك انت... متعة حوار الصمت بين العين والشفاه.. لذة التسكع على أرصفة الاشتهاء غيبوبة الضياع في احضان العشق... معك انت... نشوة التأجج في شغف جسد... عذوبة الارتقاء في منارة روح... سكينة الحلم في هدوء نبض معك انت... ايها العاشق الهمجي الغيور... اغزل احتراقي من حرير قلبك وأفترش اسرار الجنون...

ماذا لو!!! ماذا لو غرسنا في الحروف بعض الشهب... فأنبتت أبجديتنا سفرَ تكوينٍ جديد ومزاميرَ عشقٍ نشيد أناشيد محبة وأغمارَ حنطةٍ ونبيذاً واقمارا ماذا لو !!!! مارسنا طقوس العشق ببعض جنونٍ فابتهجت آلهة الغرام وأزهرت أروحنا قُبلاً من لهبٍ وأرجوانٍ وعناقَ أزلٍ وزيتاً ونورا... ماذا لو !!! مسحنا التقاليد ببعض الطيوب فتغيّرت "أخبار الايام" وتحققت النبؤة.. ففاضت جرار الاماني بالترانيم قرابين وفاء سنابل عطاء خبزاً وخمراً وبخورا...)

هذه اللوحة التي احتدمت فيها صراعات الجسد والروح، وصراعات الممكن واللاممكن، المرئي واللامرئي .. ثم صراعات القبح والجمال في اوجها، وباستعمال الشاعرة كلمة (لو) وتعني امتناع لامتناع في النحو، والمعنى حمل شيء جميل من الصعب تحقيقه، ولكن رؤية الشاعرة تؤكد التمسك به وتتمنى وجوده (اغزل احتراقي من حرير قلبك وأفترش اسرار الجنون...

ماذا لو!!! ماذا لو غرسنا في الحروف بعض الشهب... فأنبتت أبجديتنا سفرَ تكوينٍ جديد ومزاميرَ عشقٍ نشيد أناشيد محبة وأغمارَ حنطةٍ ونبيذاً واقمارا ماذا لو !!!! مارسنا طقوس العشق ببعض جنونٍ فابتهجت آلهة الغرام وأزهرت أروحنا قُبلاً من لهبٍ وأرجوانٍ وعناقَ أزلٍ وزيتاً ونورا... ماذا لو !!! مسحنا التقاليد ببعض الطيوب فتغيّرت "أخبار الايام" وتحققت النبؤة.. ففاضت جرار الاماني بالترانيم قرابين وفاء سنابل عطاء خبزاً وخمراً وبخورا...)، وتحاول الوصول الى سفر تكوين جديد، بيد انه لايختلف ويعارض الجمال، لان جرار اماني سمر نارد مملوءة بعطاء الخبز ومزامير العشق واناشيد الحب، فهذا نزوع من ارض القبح الى ارض المحبة والخبز، أي ان قرين الخبز اكسير الحياة هو الحب وما تنطوي جماليات الحب في اضفاء لذة الخبز والعيش فالشاعرة سمر تطرح لوحاتها الجمالية ولااكراه في اختيارها او رفضها، انها تتمنى !! كي تكون روحها وروح من تحب "قبلا" من لهب أي انفعال وانجذاب و"ارجوان" أي هدوء ورومانسية راقية، وتكون الحصيلة العناق الازلي المصحوب بالزيت والنور، بمعنى انه ليس في زوايا مظلمة، انه الحب الجميل المعلن ... فلا اختلف مع أ.دعبدالله الفيفي، ان الشاعرة تحدثت عن المسكوت عنه وعرضته بهدوء ودون اكراه ... رغم انها تنفعل في لوحاتها الشعرية الاخرى وتعيش احلاما فوضوية، الا انها دوما تلم اذيال الاناقة الانسانية النقية، لتعتمد العاطفة المعقلنة بعلة حضور العقل لتهذيب العاطفة ومحاولة استدراج العقل، ليكون اكثر انسانية واكثر مرونة في استعمال عاطفة الحب .. لذا تردد دوما: (هي امراة ...وقع اقدامها همس خلخال عاشق.. ولحن قيثارة... وعلى خصرها تتلوى الافاعي.. هي امراة.... اصابعها صخب امواج... وشغف نار.. فوق صدرها ترقص خوابي نبيذ معتق هي امرأة... لا يحتويها تاريخ... منحت قلبها لفارس الاسطورة .... فهامَ بين النجوم يُفتش عن بريق عينيها ... فشمسها تُشرق من زاوية شفتيه...تنقش ابجدية عشقٍ فوق جسده .. وتغيب في زاوية قلبه ... هي امرأة..... تنتمي الى زمن الخرافات والاساطير... حكاياها قناديل بوحٍ معلقة على جناح الذاكرة... هي امرأة... تنتمي الى زمن الاعاصير والزلالزل... فلا تعتقد يوماً ان تسكن قلبها ببساطة.....)، أي (ان الشاعر يسخر كل مايملك من طاقات فنية في سبيل خلق الصورة ونقلها الينا بكامل صفاتها وخصائصها، وبما يتلاءم وواقع تجربته في القصيدة، فهو "يصور الاشياء كما يراها، يلتقط ظلالها الهاربة واشكالها المتغيرة لكي يجعلنا نحس بها كما يحس هو بها" بثباتها وحركتها وفعالياتها المتنوعة والمتعددة، وهي تخضع لطبيعة التجربة وكيفية حضورها الشعري في القصيدة.)، وهنا لابد من الالتفات الى مسألة الادراك (فوظيفة الادراك والفهم هي التمييز بين محتويات الوعي وتصنيفها واللذات التي تصاحب عمليات التمييز والتصنيف هذه هي التي يتكون منها جمال العالم المحسوس)، وكان بحث سمر نادر (عن طيفين متعانقين في بوح قصيدة)، فالشاعرة سمر نادر تساوي القصيدة، كونها مساحة بوحها الجميل ..

 

وجدان عبدالعزيز

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم