صحيفة المثقف

تعقيب على مقال: لماذا لا تلغى اللغة العربية من المناهج الرسمية

adnan almshamshبين يدي مقال عنوانه: لماذا لا تلغى اللغة العربية من المناهج الرسمية" لكاتب اسمه "نضال نعيسة" لقد وجدتني وانا اطالع المقال أقف امام حجج يسوغها الكاتب قد تصل في بعض الأحيان الى المبالغة في محاولة منه لإشاعة الياس في صفوف النشء الجديد فمن هذه الأسباب التي يراها مسوغا للتخلي عن اللغة العربية هي انها صعبة جدا ثم انها مهملة الان لا احد يتعامل بها في الحياة اليومية المتداولة وانه يمكن ان تحل محلها اللهجات المتداولة في الأقطار العربية .

هذا ملخص فكرة الكاتب الذي لا اتهمه بالعنصرية فقد يكون انجرف الى هذا القول بسبب ردة فعل او عن ياس لكنني أودّ ان أوضح بعض الأمور وهي:

اولا: ان التخلي عن لغة ما لايفرضه الا إبناؤها فالعرب هم الذين يقررون مصير اللغة العربية والانكليز هم يقررون الإبقاء على لغتهم او التخلي عنها وكذلك اليابانيون لا فرد اخر او جماعة اخرى غريبة عن تلك الأمة ولنا مثال في الشعب الجزائري الذي رفض اللغة الفرنسية وبقي متمسكا باللغة العربية.

ثانيا: ان الصعوبة ليست حجة وقد اثبتت الدراسات اللغوية ان اللغة الصينية من اصعب اللغات حيث يقضي الطالب سنوات في تعلم أبجديتها المتكونة من آلاف الرسومات المعادلة للحروف وكذلك اليابانية التي تتكون أبجديتها من اكثر من ستة آلاف حرف فهل دعت اليابان الى التخلي عن لغتها بسبب صعوبتها؟

بل العكس قد تكون الصعوبة دافعا لإجادة لغة ما مثل تعلم السياقة في المناطق الجبلية فهي تجعل السائق ماهرا يجيد السياقة ويتفنن فيها والبرهان على قولنا ان معظم الذين وضعوا قوانين لغتنا هم من غير العرب مثل سيبويه ونفطويه وخالويه وغيرهم فكيف اجاد هؤلاء لغة غير لغتهم ونظروا فيها وأسسوا لقواعدها اما من الأجانب المعاصرين فنستطيع ان نضرب مثلا بالمستشرق جاك بيرك والمستشرقين الروس الذين يجيدون العربية الفصحى بطلاقة.

ثالثا: ان استخدام اللهجات محل العربية يخلق إشكالات جمة منها ان كل بلد عربي فيه اكثر من لهجة فأية لهجة نسن بها مناهج بلد عربي وقوانينه مثلا في العراق لهجة الموصل ام بغداد ام البصرة اما في بعض البلدان مثل المغرب والجزائر فتكاد المناطق المختلفة لا تكاد تفهم بعضها بعضا من خلال اللهجات هنا يبدو الامر محالا عندئذ سنبحث عن لغة عامة نتداولها لنمارس تعاملنا من خلالها ونفعل مثلما فعلت الهند حين أعرضت عن اتخاذ أية من اللغات التي يتداولها السكان بصفتها هي اللغة الرسمية وجعلت لغة البلد الرسمية هي الانكليزية وما علينا الا ان نجعل احدى اللهجات هي الرسمية او نتبنى لغة اخرى من خارج بلداننااو تعلن كل منطقة نفسا بلدا ذَا كيان مستقل له لغته الخاصة به عندئذ ستظهر مشكلة مقومات الدولة. وفق السؤال التالي هل بمقدور هذه الدولة او الكيان ان يصبح دولة ذات سيادة ؟

رابعا: لو أصبحت اللهجات هي اللغات الرسمية لكل منطقة في هذه الحالة كيف تتعامل تلك المدينة او المنطقة او المقاطعة مع تراث الماضي فكل فرد منا - نحن العرب- له تاريخ يمتد من أمريء القيس وطرفة والنابغة والأعشى وسيف بن يزن وسحبان وائل ومضر وكعب مرورا بالعصر الاسلامي والأموي والعباسي والفترة المظلمة وعصر النهضة كل هذا الفكر والتراث والفن والأدب مدون باللغة العربية الفصحى كيف يفهمه العربي في المستقبل حفيدي او ابن حفيدي الذي يعرف لهجته التي يتحدثها بكونها لغة بالطبع سيعيش مقطوعا عن ماضيه وتراثه وسيضمحل ويتلاشى اذ لا وجود لفرد او أمة من دون تراث وفكر وماض.

خامسا: لقد عايشت الأمة مسالة اللهجات في العصر الجاهلي هناك لهجة بني تميم التي تقلب الجيم ياء فيقولون ريلي بدلا من رجلي وهناك الكسكسه عند بني أسد فيقولون لبيس اللهم اي لبيك والكسكسه قلب الكاف سينا ويقولون في كلب سلب وهكذا لكنهم حين ينشدون الشعر ينشدونه بلهجة قريش التي توارثناها نحن المعاصرين اي ان هناك لغة مشتركة كانت تستوعب لهجات العرب القادمين للحج او لسوق عكاظ يستمعون فيه للخطب والأقوال والحكم والشعر بلغة واحدة موحدة هي لغة قريش .

سادسا: هناك مغالطة في اننا لا نستخدم اللغة العربية في حياتنا اليومية بل نستخدمها كثيرا نحن نصلي بالفصحى يوميا ونقرأ الادعية بها ومحطات الإذاعة والتلفزة تذيع الأخبار والندوات بالفصحى والصحف مكتوبة بالفصحى وبعض التمثيليات المذاعة حواراتها بالفصحى كذلك المنشورات والملصقات الجدارية والاعلانات وبطاقات النعي والاعراس وكل طلباتنا ومعاملاتنا الرسمية في الدوائر الحكومية الرسمية وغيرها بالفصحى فلا حجة للقول بعدئذ ان الفصحى لا تستخدم في حياتنا اليومية.

سابعا: ان جميع دول العالم تتعامل معنا ومع تراثنا بالفصحى منها أقسام الاستشراق العالمية وهيئة الامم المتحدة وغيرها من المؤسسات والأكاديميات والجامعات العالمية ومراكز الصناعة والتجارة وهذا يعني اننا اذا تخلينا عن لغتنا الفصحى فجعلنا بصفتنا مدنا ومناطق لهجاتنا هي لغاتها فإننا سنخلق مشكلة عالمية للعالم وأنفسنا .

ثامنا: ان معظم الهيئات الأدبية العالمية من جامعات ومؤسساتة تتعامل مع أدبنا المكتوب بالفصحى وتتجاهل الأدب المكتوب باللهجات الا من باب ثانوي لذلك لم تمنح جائزة نوبل ولا أية جائزة اخرى عالمية مثل لوتس وغيرها لأدب مكتوب بالعامية .

هذه مجمل النقاط التي وددت ان أوضحها حول لهجاتنا العامية ولغتنا العربية التي قدمت ومازالت تقدم للحضارة الانسانية الشيء الكثير وأظنها نحن العرب سعداء بها ويكفينا اننا نكتب بها ونحسها فينا كل يوم.

 

عدنان المشيمش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم